لن أودعها باللعنات كما يفعل البعض أو بتحطيم قلة كما يحلو للآخرين.. لن أسب أيامها الصعبة ولا لياليها الحزينة.. لن أتجرع ذكريات مريرة تحالف فيها الخوف من المرض والرعب من الموت.. لن أتوقف عند لحظات حبس الأنفاس ترقبا لنتيجة تحليل، أو انتظارا لمضاعفات أدوية أو انتظارا لتبعات جلسات علاج أوقن أن لا مفر لأحبتى من مواجهتها.. لن أفتح الباب لتطل ذكريات لحظات مخيفة يكاد يصرع فيها اليأس كل ماتبقى فى النفس من ذرات أمل يجاهد للإبقاء عليها.. لن أعترف بإنكسار حلم ضل طريقه للحرية، ولن أئد فى نفسى إيمانا بثورة بدت سرابا وتحولت لأضغاث أحلام بعدما كانت ملء أبصارنا صوتا وصورة وحياة نابضة فى كل ركن من الميدان.
لن أستسلم لكابوس قطار التطبيع الأعمى الذي يحطم بعنف كل أمل فى عودة أرض عربية محتلة. لن ارفع راية استسلام أمام أحلامى المجهضة ليقظة عربية تحطم كل مؤامرات أصحاب العروش خدام المصالح الغربية. لن أتجرع كأس الياس الرحيم لينقذنى من أمالى المستحيلة المنسية.
سافك كل قيودى وأبحر بخيالات وردية.. وألون فجر سنة جديدة بعبق الأحلام السحرية، سيمر كل المر ليمهد الطريق لأيام أجمل، لن ألعن 2020 فهى كسائر سنوات أعمارنا، تمتزج فيها السعادة بالشقاء، والألم بالأمل، واليأس بالرجاء، والصحة بالمرض.
لن ألعنها، بل سأرفع كفى لله حمدا وشكرا ورجاء، حمدا لرحمته وجزيل عطائه، منحنا المحنة لنحظى بالمنحة.. ابتعدنا رغما عنا فجاء كوفيد ليقربنا إجبارا.. فتحنا أبواب قلوبنا المغلقة وعقولنا اللاهية ووجدنا متسعا من الوقت لنسمع اصوات من يشاركونا الحياة ببيت واحد بعد أن كدنا لانسمع سوى صدى أصواتنا.. علت ضحكاتنا بعدما حفرت الأحزان أخاديدا وتركت شقوقها الجافة لتصيب وجوهنا وأرواحنا بالعجز.
إمتلأت نفوسنا بالسكينة والرضا لأننا أيقننا أن فى كل لحظة نفر منها من المرض نجاة، وفى كل ثانية نعيشها بصحة أمل وفى كل ساعة لانفقد فيه حبيبا عمر جديد.
علمتنا 2020 أن نحسب أعمارنا بالثوانى لا بالسنوات، ألا نضيع الوقت فى خصام أحمق أو جدال عقيم أو حزن على أشياء تافهة كنا نضخم من حجمها وأهميتها وجدواها.
لم تتركنا 2020 إلا ونحن أكثر نضجا وسكينة وربما أكثر حكمة أيضا.. والأهم أنها تتركنا ونحن أكثر أملا، فمن منا لا يحلم بعلاج يواجه الفيروس، من منا لايحلم بغد أفضل لأولاده وأحفاده، من منا لايملؤه اليقين أن ساعة الظلم ساعة وإن بدت ثقيلة لكنها حتما ستمر.. من منا لايوقن أن نصرا عربيا سيأتى حتما وستعود القدس عربية، من منا لا يحلم بيقظة لشعوب مقهورة ودحر لعروش ظالمة ديكتاتورية.
سيبقى الحلم ما بقيت الحياة، لن تهزمنا كوابيس 2020 حتى لو تكررت مشاهدها سنوات عجاف.. فحتما سيأتى بعدها سنوات أخر تكتسي فيها الأرض عدلا وخيرا وحرية.. إن غدا لناظره قريب حتى لو تأخر سنوات.. وإنا لمنتظرون.
-------------------------
بقلم: هالة فؤاد