24 - 04 - 2024

شاهد على العصر(26) المتاجرة بالمتحولين دينيا

شاهد على العصر(26) المتاجرة بالمتحولين دينيا

لما كان موضوع التحول من دين إلى دين آخر موضوعأ حساساً، حيث أنه يلمس الجانب النفسى الاجتماعى للعقيدة الدينية، كما أن له أبعادا تاريخية لازالت آثارها النفسية والاجتماعية قابعة فى الضمير الجمعى المصرى ( إسلامي ومسيحي )، تلك الآثار تتمثل فى ذلك التراث الطائفى الذى كان ولازال يعتمد على تعلية الشق الاجتماعى على الشق العقيدى والإيمانى للدين، وذلك لأن المعتقد الدينى يتم بطريقة الموروث، فالابن يرث الدين من والده مثل أى ميراث اخر مادى، الشئ الذى يجعل هذا الموروث موضع اعتبار وافتخار نفسى واجتماعى وقبائلى؛ أكثر منه تفهما وإدراكا وإيمانا ثم علاقة خاصة بين الله وبين الإنسان.

وان كانت علاقة الايمان هذه تأتى بالطبع فيما بعد عن طريق الممارسات الدينية والفكرية والطقسية عن طريق دور العبادة والمجتمع، وفى الإطار التاريخى لهذه القناعة الدينية الموروثة وفى ظل النظام الطائفى والطوائفى فيما قبل تشكيل الدولة القومية وما تبعها من وضع الدساتير وتشريع القوانين التى تسوى بين المواطنين دون تفرقة.

كانت عملية التحول من دين إلى آخر (خاصة الأسلمة) تأخذ شكلا واحتفالا اجتماعيا بالمتحول وكأنه انتصار دين على دين آخر ، وكأن الدين المتحول اليه الشخص قد انتصر على الدين الآخر المتحول منه، الشئ الذى يشعر فيه أصحابه بالهزيمة وبالعار ، وكأن كل معتنق لهذا الدين مسؤول عن هذا الفعل حتى لو لم يكن هو فى الحالة الدينية والايمانية المطلوبة، بل حتى لو كان متدينا بالاسم. 

وهذا يعنى أن عملية التحول - التى تعتمد على دراسة الدين الموروث فى مقابل دراسة اديان أخرى حتى يؤمن بدين غير دينه أو تكون هذه الدراسة تأكيدا لايمانه الصحيح بدينه الذى اعتقده وآمن به- تحولت القضية إلى صراع اجتماعى يزيد وينقص حسب المناخ والفرز الطائفى فى المجتمع، ناهيك عن المتاجرين بالاديان من هنا وهناك والذين يستغلون هذه الحالات لتأجيج المناخ الطائفى وإثارة العاطفة الدينية ، فى الوقت الذي يفترض فيه أن كل واحد مسؤول عن نفسه وسيحاسب على عقيدته وعمله دون الاخرين أياً كانت صلة الرحم بينهم، ولذا نرى أن اى عملية تحول يتم استغلالها لإثارة فتنة بين المسلمين والمسيحيين ويتحول الى صراع اجتماعى وليس دينيا بمنطق المنتصر والمهزوم.

 هنا كان لى رأى تم تكوينه بعد خبرة فى هذا الإطار نتيجة لتدخلى فى أكثر من حالة من حالات التحول هذه . هذا الرأى يقول إنه من حق اى شخص أن يعتنق ويؤمن ويعتقد فى اى دين يختاره بكامل إرادته وبكل حريته دون إكراه ولا إلزام فلا إكراه فى الدين، كما أن الأديان لا تجير أحدا على الإيمان، فالإيمان قناعة وقبول وعمل، فى الوقت الذى تعطى فيه الدساتير والقوانين حرية الاعتقاد ، ولكن مايتم لا علاقة له بهذا الايمان وبتلك القناعة الدينية الحقيقية ولكنها العلاقات العاطفية والاحتياجات المادية، إضافة لسلوكيات المتاجرين والمدعين للتدين الذين يحولون الأديان والايمان بها إلى صراع اجتماعى وقبلى متخلف تحت أسماء ( التبشير ...والدعوة) فى الوقت الذى يكون فيه التبشير وتكون فيه الدعوة بالأعمال الحسنة وبالمجادلة بالتى هى احسن، وخلاصة رأيى هو عدم الإكراه أو الضغط أو التهديد، فهذا لا علاقة له بأى دين ولا اى تدين. 

وكان أن طرحت مع الأخ وائل الإبراشى فى برنامج الحقيقة بقناة دريم، هذه القضية وكان تشجيعى وإقناعى لوائل بتقديم هذه القضية إعلاميا هو الاختراق الذى يزيل الحساسية والمناقشة الموضوعية التى نرسى بها المفاهيم الصحيحة لقضية التحول هذه، كما أن ما جعلنى أطرح هذه القضية إعلاميا هو تلك الحالات التى تدخلت فيها واقنعتنى بهذا الرأى، ففى أحد الأيام كانت هناك حالة تحول لفتاة مسيحية بالاسم وبالطبع أثارت المناخ الطائفى فى القوصية، كانت الفتاة بمركز الشرطة وكان المأمور قد سلمها لأحد العاملين بالمركز لتظل بمنزله فى إحدى القرى، طلبت مقابلة الفتاة وذهبت إليها وتحدثت معها للتأكد من عدم اكراهها أو إجبارها على التحول، أدركت أن هذه الفتاة لا علاقة لها بالاسلام ولا بالمسيحية ولكنها الحاجة والعلاقة العاطفية، أصرت الفتاة على البقاء، هنا كان من الطبيعى بعد التأكد من عدم الإكراه أن تفعل الفتاة ما تريد. مرة أخرى كنت عضوا بمجلس الشعب وكانت هناك سيدة مسيحية متزوجة تعمل فى مباحث الجوازات بمجمع التحرير ، ارتبطت بعلاقة عاطفية مع أحد الضباط ، كلمنى أحد اقربائها فقابلت زكى بدر وزير الداخلية وقتها، قام زكى بدر باحضار الضابط وأعطاه الطريحة المطلوبة والمعروفة وقال له (يعنى ياابن....لازم تعمل معها علاقة وهى مسلمة!!) عادت السيدة إلى اسرتها وبعد شهر هربت مع الضابط ومعها كل ما تملك من ذهب وخلافه فهى كانت ثرية ولم يكن معها شئ فى المرة الاولى!!! .وذهبت بلا عودة.

وهناك حالات غير هذه الحالات مما جعلنى اقتنع بطرح القضية إعلاميا حتى نضع الامور فى نصابها السليم، ولكن وللظروف التى اوضحناها سابقاً والتى تحول هذه العملية الى صراع دينى واجتماعى، فبالطبع كانت ارائى لا تلاقى قبولا لدى المتشنجين من المسيحيين، والرفض الأهم كان من الأسر التى ذهبت بعض سيداتها وفتياتها إلى التحول فهذا أولا وأخيرا عار اجتماعي قبل أن يكون عارا دينيا ، فالفتاة حتى المسلمة لو هربت مع شاب مسلم وتزوجته بعيدا عن إرادة أهلها فهذا عار، فما بالك لو هربت فتاة مسيحية مع شاب مسلم دون إرادة أهلها ؟ ولذلك يكون من الطبيعى أن يعلن الموضوع وكأنه اختطاف قهرى حفظاً لماء الوجه.

قدمنا مع وائل حالة تحول من الإسلام إلى المسيحية وكانت الفتاة خارج مصر وعلى التليفون وكان معنا فى الاستديو والدها، أما حالات التحول من المسيحية إلى الإسلام كانت الأكثر. نذكر هنا اهم الحالات . كان هناك أختان مسيحيتان هربتا مع شابين مسلمين والفتاتان كانتا مخطوبتين ، كنت فى البرنامج ومعى والدة الفتاتين واحد الاقباط المتاجرين بهذه القضية والذى كان يصور  للأقباط بأنه المناضل والمدافع عن الاقباط فى مواجهة هذا الاضطهاد الذى ينظم حالات الاختطاف هذه ضد المسيحيات، فى البرنامج عرفت من الأم أن بناتها هربتا مع سائق توك توك واخيه ثم عادتا مرة أخرى إلى من خطبهم للزواج ، ثم هربتا ثانية مع نفس الأشخاص، هنا ادعى مدعو الاختطاف أن هذا اختطاف ويمثل اضطهادا للأقباط .....الخ . تدخلت قائلا : كيف يكون هذا اختطافا والفتاتان قد عادتا قبل ذلك ثم هربتا مرة أخرى ومعهم شبكة الخطوبة ؟ ثم قلت :  وعلى ذلك أنا أطالب وزير الداخلية أن يحضر الفتاتين ونتأكد، إذا كان اختطافا يتم محاكمة الخاطفين فهذه جريمة لاعلاقة لها بالاديان ، وإذا كانت الفتاتان قد ذهبتا بمخض إرادتهما دون إكراه فهذا حقهن.

انتهى البرنامج التاسعة مساء وفى الساعة العاشرة كان برنامج العاشرة مساء بقناة دريم وكانت تقدم البرنامج منى الشاذلى،  فوجئ المشاهدين بمداخلة تليفونية من الرئيس حسنى مبارك يقول : أنه تابع برنامج الحقيقة وان هذه القضية لابد أن تؤخذ بشكل جدى ، وأنه قد أمر وزير الداخلية بإحضار الفتاتين ومعرفة إذا كانتا اختطفتا ام ذهبتا بإرادتهم، فى اليوم التالى تمت استضافتى فى التليفزيون المصرى ومعى الفتاتين وقد اعترفتا بأنهما ذهبتا بمحض إرادتهما ودون إكراه وأنهما يعيشان فى سعادة (هكذا قالتا) وطلبتا منى أن اقنع والدتهما بأن تتركهما وحالهما ، وخلال الأسبوع اتصل بى هذا المتاجر بالقضية تليفونياً فقلت له مارايك فيما حدث بعد اعتراف الفتاتين بعدم اختطافهما وبانهما ذهبتا بإرادتهما؟ فماذا قال هذا المدعى المتاجر الذى يؤجج الفتنة؟ قال أنا أعرف ان مثل هؤلاء ( .......  ) بس احنا لازم نقول كده تغطية للموقف!!! قلت له أنا لا اتاجر ولا أكذب ولكنها الحقيقة حتى يتم توصيف القضية توصيفا صحيحا حتى نُفعل القانون الذى يفرق بين الاختطاف وغير الاختطاف. وقد نشرت هذا الحوار مع هذا المدعى بجريدة العربى الناصرية حينذاك.

الأهم  أن وجهة نظرى هذه قد جاء الوقت وتبناها اسقف أسيوط الانبا يؤانس قائلا : لا يوجد اختطاف ولكن أمور أخرى للاغراء والمتاجرة بالدين. فلنضع الأمور فى نصابها ونعترف بالحقيقة والأهم هو تفعيل القانون . فالاختطاف والإجبار والاكراه يستحق المحاكمة العاجلة بلا هوادة وبلا استثناء لهذا أو لذاك، أما الاختيار الحر فهذا حق الشخص الذى أقرته الأديان والدساتير والقوانين. 

فهل نحاول أن نناقش الأمور بدون افكار خاطئة ومحفوظة حتى لانظلم أحدا؟ أو نوزع الايمان والكفر بناء على الاختلاف فى الراى؟ وهل كل من يخالفك فى الرأى البعيد عن الدين يتحول إلى عدو للدين مع تخيل أنك أنت المدافع عن الدين. ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا ، ومازاد على ذلك فهو من الشرير.

-----------------------------

بقلم: جمال أسعد عبدالملاك

سياسي مصري وبرلماني سابق

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان