20 - 04 - 2024

الإنسانية والتعددية الدينية

الإنسانية والتعددية الدينية

الإنسانية هى المشترك الأعلى والأسمى الذى يربط الإنسان بأخيه الإنسان، فقد أراد الله وخلق كل الموجودات حتى تكون فى خدمة هذا الإنسان، مهما تعددت ألوانه ودياناته وجنسياته وأيا كانت انتماءاته. 

ولما كان الإنسان إنسانا مطلقا قبل الأديان، كانت بداية الأديان هى وصية الله إلى آدم بألا يأكل من "هذه الشجرة"، تلك الوصية التى تتوافق مع آدم (الإنسان) حينذاك، وبما يتوافق مع بساطته الحياتية والثقافية ..الخ. 

والأهم أن العلاقة بين الله الخالق وبين الإنسان المخلوق هى عقيدة الألوهية أي الإيمان بالإله الواحد، هنا مع فكرة التعددية وحكمة الاختلاف، كانت التعددية الدينية المتأثرة بالزمان والمكان والثقافة والعادات والتقاليد ..الخ. ولكن كل هذا فى إطار عبادة الإله الواحد. 

كما أن التعددية هذه كانت أمرا طبيعيا يساير التطور الحادث لآدم الإنسان وعلى كل المستويات الثقافية والذهنية والعقلية، فبعث الرسل والأنبياء ونزلت الرسالات ثم الأديان، أي أن كل المعتقدات وكل الأديان قبل ما نطلق عليه الديانات السماوية أو الإبراهيمية، هى بإرادة الله سبحانه وتعالى لأن محورها وغايتها عبادة الإله الواحد . (ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك) (من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم). 

وهذا يعنى أن هناك ماقبل الأديان الإبراهيمية عدد لا يحصى من العقائد والأديان وكلها أديان محورها عبادة الإله الواحد والدعوة إلى القيم الإنسانية النبيلة والعظيمة، مما يؤكد أن الأديان أيا كانت مسمياتها تتكامل نتيجة للتطور الفكرى والحياتى المصاحب لمسيرة الإنسان والإنسانية. 

فإذا كان الإنسان هو الإنسان، والأديان لكل صاحب دين هو الدين بكل ما يحمل من قداسة وقيم وأخلاقيات تتوافق مع واقع الإنسان، سواء كانت أديانا وضعية - كما نطلق عليها - أو أديانا سماوية، فهذا الفصل راجع إلى حالة من التمايز يمارسها أصحاب الأديان الإبراهيمية عن الأديان الأخرى، ولكن كلها عقائد تخص أصحابها، والكل يؤمن بدينه ويقدسه بل يعليه على الآخر، أيا كان مسمى هذا الدين. 

ولكن ما هى مظاهر هذا التكامل؟ نرى فى الأديان الإبراهيمية الكثير جدا من المشترك بينها فى قصص الأنبياء بل فى سرد المسيرة الدينية المصاحبة للمسيرة الإنسانية ، إضافة لمجموعة القيم والمقاصد العليا المشتركة بين هذه الاديان، بل أهم الأهم هو المشترك الواحد فى عقيدة الألوهية وعبادة الله الواحد مهما تعددت العبادات وتميزت الطقوس. فهناك ما هو مشترك بين الأديان الإبراهيمية وغيرها من الأديان غير الابراهيمية. 

فهناك مثلا بعض نصوص العهد القديم الذى يخص اليهود ما يتطابق مع بعض كتابات الديانة المصرية القديمة (نصا وحرفا!!)، وهذا راجع إلى أن كاتب النص التوراتي فى العهد القديم هو موسى الذى قال عنه العهد القديم (وتهذب موسى بحكمة المصريين)، أي أن الحكمة والقيم والمبادئ والمقاصد العليا هى واحدة فى جميع الأديان أيا كانت المسميات. 

هل هناك مشترك على هذا الأساس بين الأديان الإبراهيمية والوضعية؟ بالطبع ولوحدة الانسان ووحدة الأديان فى عبادة الله الواحد، فلابد أن يكون هناك مشترك بين الأديان، فمثلا الديانة الزرادشتية تفرض على من يريد الدخول فيها يجب أن: ينطق الشهادتين ويغتسل ويتطهر ويقول (أشهد أنى اؤمن بالله الخير .الغنى. واتبع زرادشت رسوله الكريم).. كما أن هذه الديانة تؤمن بالملائكة التى تسجل أعمال الإنسان منذ بلوغه وحتى مماته، كما يحرم على الزرادشتي الارتداد وإلا قتل، كما تقطع يد السارق ويحرم الربا وشرب الخمر واللواط والكذب والانتحار. 

تذكر الزرادشتيه أن قبل خروجه من بطن أمه بلحظات انبثق نور إلهى شديد اللمعان فرحت به الطبيعة ومن حولها السماء، وسمع صوت يبشر بميلاده، وذلك فى الغرفة التى ولد فيها والمضاءة بالنور الإلهى، إضافة إلى أن الزرادشتي يصلى خمس صلوات، قبل الفجر وعند منتصف النهار وقبل غروب الشمس وعند الغروب والخامسة فى الليل، وأهم هذه الصلوات هى صلاة الفجر، ولابد من الوضوء بغسل الوجه واليدين والرجلين. كما دعا إلى التوحيد ونبذ كل الآلهة الأخرى. 

هذه أشياء تتماثل مع ما جاء بالإسلام والمسيحية، وتمثل نماذج لوحدة الإنسان والإنسانية وتكامل الأديان، وأيا كانت المسميات فإنما هى لعبادة الله الواحد الأحد، ولذا يمكن أن نقول إن الصراع بين الأديان لا علاقة له بجوهر وجلال الأديان، ولكنه الصراع الذى حول الأديان من الايمان بالله الواحد إلى أيدولوجية تحتم الصراع بين الإنسان والانسان على خلاف ما أراد الله، فهل نعى هذا ونؤمن بأن التعددية هى حكمة إلهية تتماشى مع طبيعة الخلق وطبيعة الإنسان وأن الاختلاف أراده الله لخير الانسان، وأن الخالق هو الذى سيحاسب الجميع على أعمالهم وعلى معتقدهم الذى أرادوه لأنفسهم، حفظ الله الإنسان من طغيان الذات ووهبه الحب الإنسانى الذى يجمع أبناء آدم.
-----------------------
بقلم : جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان