25 - 04 - 2024

حافظ محمود يواجه مبارك.. و نظرية الغطاء و الحلة

حافظ محمود يواجه مبارك.. و نظرية الغطاء و الحلة

آخر مرة رأيت فيها شيخ الصحفيين وشيخ النقباء والمحرر رقم واحد بعضوية النقابة حافظ محمد في يونيو ١٩٩٦، أثناء لقاء جري مع الرئيس مبارك ضم نقيب و أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، خلال أزمة القانون ٩٣ لسنه ١٩٩٥، الذي تم تمريره بليل و فرض قيودا علي حرية الصحافة. وأعلنت الجمعية العمومية رفضها للقانون وظلت في حالة انعقاد مفتوح لمدة عام. 

كان هذا اللقاء هو الثاني لمجلس النقابة مع مبارك خلال الأزمة عندما رفضت النقابة كل طرق الالتفاف والتحايل علي مطالب الصحفيين وأعلن اعضاء المجلس استقالتهم الجماعية، ثم انضم اليهم بعد ذلك النقيب إبراهيم نافع، وتأزم الموقف، فتم الترتيب لهذا اللقاء، تفاديا للإنفجار، والذي حضره - بناء علي طلب النقابة - كل النقباء و النقابيين السابقين و كان في مقدمتهم شيخهم حافظ محمود الذي كان يخطو بعمره نحو التسعين، لكنه جاء ملبيا الدعوة، مهيبا ببدلة من طراز ينتمي الي العصر الذي احبه و قدم فيه ذروة عطائه. 

كانت الازمة محتدمة و تحدث "أغلب الحضور" كل بما يستطيع مراعيا أنه في حضرة رئيس دولة يعتبر الحريه منحة وسماحة. 

وأذكر أن أحد اعضاء المجلس المعروف عنه الخفه و التفكه شرح للرئيس نظرية " الغطاء و الحلة" وعندما استطرد وسط دهشة مبارك وتضاحك الحاضرين، شارحا ضرورة رفع الغطاء عن الحلة عندما يغلي الماء لخروج بعص البخار وحتي لا تنفجر، و عندما حاول أن يزيد عاجلة مبارك "خلاص مش عايزه شرح " وكانت المرة الوحيدة التي ابتسم فيها مبارك خلال الاجتماع. 

وعندما اخذ شيخ الصحفيين الكلمة أنصت الحضور وكأن الطير علي رؤوسهم، ولم يقاطعه مبارك، كما فعل مع غيره، لفرملة ولخفض سقف التوقعات من الاجتماع.

كانت البلاغة والمهابة والكبرياء تُشع في المكان عندما بدأ حافظ محمود يتحدث قائلا: " لم نأت لنطلب شيئًا لأنفسنا أو لمهنتنا، أنت الذي تختار موقفك يا سيادة الرئيس وأنت الذي سيدفع ثمن ذلك، حرية الصحافة تخلد أي رئيس ينحاز اليها، وتُذهب بأي رئيس يحاول أن يُنكل بها.. نتمني أن يكون خيارك اليوم هو الانحياز لحرية الصحافة، وثق ان القلم الذي يختلف معك يدعمك، والصحافة ليست نحن يا سيادة الرئيس، الصحافة هي نبض الناس و بصيرتك، والحرية لايمكن سجنها أو فرض القيود عليها، وندعو لك أن تتخذ ما تراه الصواب". 

ضمير الرجل - الذي رحل بعد هذا اللقاء بعدة شهور و تحديدًا في شهر ديسمبر من العام نفسه - كان هو الذي ينطق فلم ير رئيسا أو سلطة، رأى فقط مهنته التي عرف قدرها، ورأى ربه الذي سيلاقيه والأكبر من أي سلطان.
----------------------
بقلم: يحيى قلاش *
* نقيب الصحفيين السابق

مقالات اخرى للكاتب

 الغزالي حرب وثقافة الاعتذار





اعلان