28 - 03 - 2024

" السلام الإسرائيلى " و"الاشتراكية الأمريكية"

ما من شك فى أننا نقف على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة فى المنطقة العربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الحقبة بمقدماتها المختلفة، تُرجعنا إلى تلك التى عاشها العالم فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وعُرفت حينها بـ "حركة الحقوق المدنية"، والتى تزعَّمها مارتن لوثر كينج، وأطلق عليها البعض الآخر "حركة اليسار الجديدة"؛ لتسفر بعد عدة عقود عن أول رئيس أسمر اللون للدولة الأكبر فى تاريخ البشرية بالعصر الحديث.

ربما يمكننا بدء الحديث عن "مخاض" الحقبة المقبلة من الأزمة المالية العالمية فى عام 2008، حينها كتبت مجلة "نيوزيويك" الأمريكية مقالةً بعنوان "نحن الآن جميعاً اشتراكيون"، وذلك على الرغم من أن الفضاء السياسى والنخبوى فى واشنطن امتلأ بعبارات من قبيل "نهاية التاريخ"، و"هزيمة الشيوعية"، و"تناقص الاشتراكية الديمقراطية"، فى إشارة على ما يبدو لانتصار "أبدى" و"نهائى" لتلاميذ ميلتون فريدمان ومريديى مدرسة شيكاغو الاقتصادية!

الأفكار الاشتراكية واليسارية "ابنة" التجربة التاريخية الغربية، ولا يمكن فى لحظة ما اختفاء وهجها، حيث شهدت رواجاً كبيراً خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالتالى فإن ما يشهده "تيار" السيناتور بيرنى ساندرز، ومن خلفه السيناتور اليزابيث وارين يُمثل عنواناً جديداً للولايات المتحدة خلال الحقبة المقبلة، ومن غير المنتظر أن يتحول هذا القطب العالمى إلى اتحاد سوفيتى جديد، ولكن هذا النموذج الجديد يمكننا تسميته بـ "الاشتراكية الأمريكية"، حيث سيحاول مقاربة التجربة الاسكندنافية الخاصة بإعادة توزيع الثروة والضمان الاجتماعى، ولكن بصبغة أمريكية.

هذا التحول الذى من المتوقع أن تشهده واشنطن، تقابله حقبة جديدة فى المنطقة العربية تتربع فيها إسرائيل – دون كثير عناء – على عرشها، فالحديث الآن يدور داخل أروقة الحكم الأمريكية عن احتواء خطر صعود الصين، وإعادة التموضع بالمنطقة العربية بما يفسح المجال للدولة العبرية للعب دور "شرطى" المنطقة، خاصة فى ظل الزخم الذى اكتسبته تل أبيب بعد سلسلة الاتفاقات التى أبرمتها مؤخراً مع الدول العربية للتطبيع.

ليس هذا فحسب، فالقوتان الآخريان " إيران- تركيا " اللتان تتنافسان مع إسرائيل على اقتسام النفوذ، تبدوان "منبوذتين" من الدول الغربية، فالنظام الإيرانى ومن خلال مقاربة تجارب تاريخية لا يمكنه أن يبقى مغرداً خارج السرب، سيتم إخضاعه بشتى الوسائل إن لم يكن التخلص منه، وليس ببعيد عنه تركيا التى تعانى الكثير من المشاكل تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث تحتاج أنقرة – وبشدة – لتغيير دماء نخبتها الحاكمة، وإلا ستستمر أزماتها المتعددة مع القوى الغربية.

لأجل كل هذا، ومع الأخذ فى الاعتبار التقارير الاستشرافية ذات الصبغة المشتائمة بشأن مستقبل الدول العربية، فإن المنطقة ستعيش على ما يبدو فترة "السلام الإسرائيلى" بقواعد الدولة العبرية.

------------------------

بقلم: أحمد بهجت صابر

صحفى بجريدة الأخبار المسائى

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب






اعلان