26 - 04 - 2024

شاهد على العصر (23) الكاتدرائية ترفض مبيت الفنانة رغدة وحشود غاضبة بانتظاري

شاهد على العصر (23) الكاتدرائية ترفض مبيت الفنانة رغدة وحشود غاضبة بانتظاري

بعد سفر عادل حسين تم شن حملة لا هوادة فيها على الندوة وعلى جمال أسعد من الكهنة وتابعيهم الذين يرددون الكلام كالببغاء بلا فهم أو تحكيم عقل، معترضين على وجود مسلمين فى الندوة وأيضا على وجود عادل حسين، وصلت هذه الحملة للأسقف وحاول تهدئة الجو، خصوصا أن الندوة كانت قد أخذت مسارات إعلامية، فكل الضيوف من الشخصيات العامة - فنانين وأدباء وصحفيين وسياسيين - كانوا بعد عودتهم الى القاهرة يكتبون مقالات فى كل الصحف ويشيدون فيها بهذه الندوة التى تعقد بالكنيسة والتى يحضرها مسلمون ويبينون أن هذا النشاط أحد الادوات الهامة لمواجهة الفتنة والإرهاب. 

هدأ الجو مؤقتا وكانت الندوة السابعة للكاتب الدرامى الشهير أسامة أنور عكاشة حول (الشخصية القبطية فى الدراما التلفزيونية)، قبل الندوة ذهبنا لزيارة الدير المحرق وتناول الغداء الذى أصبح تقليدا من رئيس الدير مع ضيوف الندوة. بعد الغداء تم لقاء ثقافي بين أسامة وبين طلاب الكلية الإكليريكية بالمحرق وهم الذين يتخرجون كرجال دين. أقيمت الندوة وحضرت القناة السابعة التلفزيونية لتصويرها فى برنامج (ضيف ولقاء) الذي يقدمه الإعلامى عاطف المليحى ابن القوصية، أذيعت الندوة على مدى حلقتين متتاليتين.

كان أسامة أنور عكاشة هو المؤلف الدرامى الذي له السبق فى إيجاد الشخصية المصرية المسيحية فى البناء الدرامى بالشكل الطبيعي، بعيدا عن تلك الشخصية القبطية التى كانت تأخذ شكلا بلا موضوع كشخصية مقحمة على البناء الدرامي، وكان هناك حوار ونقاش حول الشخصية المصرية وجذورها التاريخية حيث تناول أسامة هذا الموضوع فى مسلسلاته خاصة مسلسل (أرابيسك)، ومن الطبيعى أن يكون وجود أسامة أنور عكاشة فى القوصية حدثا، فعند إذاعة مسلسلاته كان الشارع يخلو من البشر نتيجة لمتابعتها.  هنا زاد الحقد والخوف من الكهنة حيث شعروا أن الكنيسة والمجال الكنسى يمكن أن يتسرب من بين أيديهم. فقامت الحملة مرة أخرى. 

طلب الأسقف من المتخوفين أن يجلسوا معي للحوار، فرفضوا قائلين للأسقف: البركة فيك ياسيدنا فى إلغاء هذه الندوة، جلس معى الأسقف لمناقشة جميع الاعتراضات، والتى كانت تتلخص فى دخول المسلمين إلى الندوة وأن ندوة أسامة كان أغلبها من المسلمين، وهذا أزعج الشباب المسيحى، كما أننى دعوت عادل حسين الإسلامي! هنا أجبت على الاسقف بأن المسلمين الذين حضروا ندوة أسامة لم يتعدوا عشرين شخصا من حوالى ثلاثمائة شخص، كما أن حضور المسلمين هدف فى حد ذاته كما أوضحت قبل ذلك، فهذا دور وطني قبل أن يكون كنسيا، رد قائلا: احنا اتفقنا على حضور عدد رمزى من المسلمين، قلت له: لم اقصد من الندوة هذا ولا أريد أن ألعب دورا مسرحيا بدعوة عدد رمزى من المسلمين، فأنا لا أقصد الشكل بل المضمون، والهدف الأساسى هو دعوة المسلمين وأن تكون الدعوة مفتوحة لكل مسلم ولكل مسيحي، وقلت له: لو جاء عدد من المسلمين أكبر من المسيحيين، فسأكون سعيدا جدا؛ لأن المعيار هو قناعة الحضور بالعمل الثقافى، وحضور المسلم الى الكنيسة لحضور ندوة ثقافية شئ عظيم ويعنى أن هذا الشخص مثقف ومستنير والأهم أنه غير متعصب، حيث أن هناك مسلمين متعصبين لا يقبلون حضور أي نشاط فى الكنيسة، وأضفت أننى سعيد لحضور إحدى بناتى من المسلمات المحجبات وهي أستاذة فلسفة وأنا سعيد أن تشارك فى المناقشات، الشيء الذى شجع الشابات المسيحيات أن يقفن ويسألن، وهذا تحقيق لأهم أهداف الندوة. 

أما حضور عادل حسين فقد قلت للأسقف أنه انتصار فى إطار العلاقة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين ليس لاعتبار عادل هو رمز للمسلمين، ولكن باعتبار أن عادل معروف عنه أنه تيار اسلامي، وهذا هو المقصود بأن ياتى أحد المحسوبين على هذا التيار إلى الكنيسة لكى يدير حوارا مع المسيحيين، وقد تم ذلك أكثر من مرة مع عادل فى ندوة أسقفية الشباب فى الكاتدرائية بالقاهرة، والأهم أن الحوار مع عادل قد أثمر بكل المقاييس، حيث دار حوار موضوعى غير الكثير من مفاهيم عادل، وأقر وكتب هذا فى ثلاثة مقالات بجريدة الشعب، وبالرغم من ذلك فإن الكهنة الحاقدين وغير المدركين لسلامة الوطن لم يتوانوا عن حشد وشحن الأتباع لتشويه الندوة وكأنها من عمل الشيطان، ولكن الأمر أبعد من ذلك، فمثل هؤلاء يعتبرون الفرز الطائفى والتفاف الاقباط حول الكنيسة يعطى إحساسا وهميا بأن لهم دورا يتجاوز دورهم الدينى، حيث يشعرون بأن دورهم دينى واجتماعى وسياسي، وهذا ما يرضى غرورهم، كما أن كل تجار الأديان يسعون إلى تكريس الطائفية والفرز الطائفى. 

حاول الاسقف تمرير الأمور لحين يعلمه الله، كان من المفروض أن يكون ضيف الندوة الثامنة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، وتمت الترتيبات لحضورهولكن كان القدر بالمرصاد، فمرض الأبنودى وسافر إلى أمريكا ولم يحضر إلى القوصية. كان من المفروض أن يحضر مع الأبنودى مصطفى بكري الذي جاء بمفرده وكان لقاء حول الموقف السياسى.

عقد لقاء بكرى فى رمضان وكنا على موعد مع رئيس الدير المحرق حيث تناولنا إفطار المغرب بالدير المحرق مع أسقف ورئيس الدير، في هذا التوقيت كان هناك صيام للاقباط فلم يأكلوا لحوما، فأعد افطار لمصطفى بكرى وطعام صائم للأسقف! 

كانت الندوة التاسعة للصديق الفنان حمدى احمد وكانت بعنوان (الاختراق الأمريكى الصهيونى للثقافة العربية) .كان حضورا رائعا ومحاضرة غير مسبوقة حول الفن (سينما، مسرح، أغنية، وموسيقى) وكذلك الفن التشكيلى وكيف تم اختراقنا من خلال تلك الفنون التى تشكل وجدان ووعى الجماهير، وظهرت فى ندوة حمدي أحمد القيم الدينية والانتماء المصرى الذى يتصف به حمدي، حتى أن أحد القسس الحاضرين قال معلقا على المحاضرة (أننى أحسست أن الأستاذ حمدى يلقى عظة دينية بإحدى الكنائس)، وفى اليوم التالى ذهبنا إلى الدير المحرق وكالعادة جلسنا مع اسقف الدير فى حوار ممتد طول اليوم تخلله طعام الغداء.

كان اللقاء العاشر مع الأديب الصوفى العالمى والعاشق لمصر ولتراثها جمال الغيطاني ، تجلى فيها ومعه جمهور الندوة حتى أن ساعتين هما زمن الندوة لم يكونا من الزمن، تجاوزنا معه الزمان والمكان فى رحلة روحية عبر التاريخ المصرى من العهد الفرعونى حتى الزمن الحالي. ذهبنا فى اليوم التالى إلى الدير المحرق وكان الحوار المعتاد مع رئيس الدير وما لفت نظرى أن الوقت المخصص لزيارة معالم الدير الأثرية قد قضاه الغيطاني فى مكتبة الدير للمخطوطات القديمة والأثرية، والتى تعتبر كنزا ثقافيا ودينيا ثمينا لايقدر بثمن. وكان هذا شيئا طبيعيا من الغيطاني، ذلك العاشق للكتب وللقراءة، فرغم حصوله على دبلوم صناعة النسيج أصبح أديبا عالميا، تمت ترجمة كتبه إلى أكثر من عشر لغات. وكان مقال الغيطاني فى يوميات الاخبار الأسبوعية عن زيارته القوصية وعن الندوة تحت عنوان (القوصية قبلي). 

ثم كان اللقاء الحادى عشر والأخير مع الفنانة الشاعرة والمناضلة رغدة، هنا كانت فرصة رخيصة للمعارضة الجاهلة وغير المثقفة من الموتورين والحاقدين الذين لايسعون لغير وأد أي عمل ثقافى رفيع المستوى وغير مسبوق، فى أي مركز وبهذه الشخصيات العامة وفى كل المجالات على المستوى القومى. والأدهى أن هذا الاعتراض كان يقوده الكهنة وبأسلوب توزيع الأدوار. 

بدأ الاعتراض على دعوة ممثلة، وهم لايعلمون أو يعلمون أن الفنانة رغدة عملت بالصحافة قبل اشتغالها بالفن لمدة اثني عشر عاما وحاصلة على ليسانس الآداب قسم اللغة عربية، وكانت أصغر صحفية فى نقابة الصحفيين بسوريا الشقيقة، جاءت الى القاهرة لدراسة ماجستير فى اللغة العربية وعملت بدار الهلال ثم اتجهت للفن، وإن كانت الفنانة رغدة قد مارست فن الكتابة أي التعبير من خلال القلم الصحفي، فقد مارست التعبير أيضا من خلال قرض الشعر ولها عدة دواوين شعرية، وذلك بجوار التعبير من خلال فن التمثيل فهي فنانة متعددة المواهب لم تقتصر شخصيتها على ذلك، فهي قومية عربية تحمل وجهة نظر سياسية مما يزيدها تقديرا واحتراما، ومارست شكلا من أشكال النضال السياسى العظيم باختراقها الحصار الأمريكى البغيض والظالم  المفروض على اخوتنا شعب العراق الشقيق عبر طائرة محملة بمعونات وأدوية تم جمعها من تبرعات المخلصين فى مصر من خلال لجنة إغاثة أطفال العراق، ذلك الموقف الذى جعل قداسة البابا شنودة الثالث يستقبلها مع أعضاء اللجنة فى المقر البابوى بالعباسية فى القاهرة، وقدم لها وللجنة تبرعات باسم الكنيسة المصرية، وتم التقاط صورة للبابا ورغدة ونشرها بغلاف مجلة الكرازة والتى يرأس تحريرها البابا شنودة. 

كل هذه الصفات شجعتني أن أدعو الفنانة رغدة، وشجعني أكثر استقبال واحتفاء البابا شنودة بها، مع العلم أنها كانت الضيف الوحيد الذي كان الاسقف على علم به، وذلك لأن كل الضيوف السابقين كانوا أصدقائى الشخصيين الذين يبيتون فى منزلنا المتواضع وهو ما لا يصلح فى حالة رغدة. ولذا تم الاتفاق مع الأسقف وبكامل الموافقة والسعادة، وفى حضور القمص بولس ميخائيل، على أن يتم أستقبال رغدة ومبيتها فى المطرانية حيث أن الاسقف والمطرانية يستقبلون طوال العام وعلى مدار الساعة ضيوفا أجانب من الرجال والسيدات ومن كل الدول! 

تم الاتفاق مع الأسقف على كل شىء وبالتفصيل، الاستقبال والمبيت والإستضافة ..الخ، حتى أن الحديث تطرق إلى أسماء الضيوف المزمع دعوتهم بعد ذلك، قلت للأسقف تفضل واذكر اسماء من تريد. قال: لا البركة فيك. قلت: إن شاء الله سندعو فيما بعد جمال بدوى رئيس تحرير الوفد، ود. طارق البشري، والأستاذ عادل حمودة فقال عظيم وهذا شئ يشرف!  

أعددنا ولأول مرة دعوات مكتوبة لندوة رغدة، وذلك لكثرة طلب الحضور حيث أن مكانها كان عبارة عن بدروم القصر الذى يقيم فيه الأسقف، والذى لا يسع أكثر من خمسمائة شخص فقط. 

جاء اليوم السابق لموعد الندوة، اتصل بى الأسقف، ذهبت إليه فأخبرنى بأنه لن يستقبل رغدة فى المطرانية! سألت لماذا؟ قال هناك وفد من الأجانب ولا يوجد مكان لاستضافة رغدة!! أسقط فى يدى وارتبكت كما لم ارتبك فى حياتي، وقلت: هل لايوجد مكان لثلاثة ضيوف فى الوقت الذى سيكون هناك عشرات الأجانب؟ قال: نعم واقترح عليك أن تطلب من الدير المحرق أن يبيتوا هناك. ذهبت صاغرا إلى الدير المحرق، قابلت الراهب المسئول، رحب أيما ترحيب. ونحن نغادر الدير فوجئت بأسقف القوصية داخلا إلى أسقف الدير، وقبل أن ننصرف لحق بنا الراهب المسئول وقال: نحن نعتذر عن استقبال رغدة، بل حتى طعام الغذاء المعتاد الذى يقدم لضيوف الندوة نعتذر أيضا عنه. ولكن يمكن أن تزور الدير فقط. 

هنا تيقنت أن اسقف القوصية هو الذى أوعز إلى اسقف الدير بعدم استقبال رغدة، ماذا يريد؟ ولماذا يحدث هذا؟ وهل هو اسلوب يليق؟ 

في كل الأحوال تم إعداد منزلى لاستقبال رغدة ومعها فريدة الشوباشى ومصور قريب لرغدة، في الثانية عشر ظهرا ذهبنا الى مركز ديروط حيث ننتظر القطار الذى يقل رغدة، وجدنا المحطة ممتلئة بالشرطة مأمور مركز ديروط والضباط والأمن المركزى مع ضباط من مديرية الأمن بأسيوط كل هؤلاء فى انتظار رغدة بل تم مرافقة السيارة التى نحن فيها بقوة أمام السيارة وخلفها حتى حدود مركز القوصية حيث تسلمت قوة أخرى من مركز القوصية الحراسة التى ظلت مرافقة لنا فى كل تحركاتنا حتى مغادرة رغدة فى اليوم التالي، ومن محطة ديروط أيضا وذلك لظروف الأمن، حيث كنا نعاني من العمليات الإرهابية. 

ذهبنا من ديروط الى الدير المحرق مباشرة لزيارنه، تجولنا فى الدير انتهاء بزيارة الكنيسة القديمة والأثرية والتى أقامت فيها العائلة المقدسة لمدة ستة أشهر وعشرة أيام. وقفت رغدة ومعها فريدة الشوباشى أمام المذبح فى حالة خشوع لاتخفى على أحد، فى حالة تمتمة ساكنة بلا صوت. عدنا إلى منزلنا تناولنا طعام الغذاء، كنت لا أدرى كيف أتصرف مع فنانة مشهورة مثل رغدة، اكتشفت أن رغدة من صعيد سوريا(حلب) وحتى تزيل هذا الشعور ونحن نتناول الطعام قالت أنا لا أحب أن أتعامل مع الشوكة. الخ، وأخذت تاكل المحشى بيديها دون استعمال الأدوات! ذهبنا الى الكنيسة فى ميعاد الندوة وكنت قد قلت للأسقف إذا لم تكن تريد استقبالها بشكل شخصى فلك ماتريد، قال: لا سأستقبلها. 

بالفعل دخلنا صالة استقبال المطرانية وجدنا الاسقف فى الانتظار ومعه مجموعة من الأجانب قاموا بالاستقبال، بل فوجئنا بالاجانب يرحبون برغدة، لدرجة أن قاموا بتقديم أغنية لها باللغة الإنجليزية، تكريما لها باعتبارها فنانة مشهورة وكانت المفاجأة أنهم يتابعونها، ثم قاموا بالتصوير معها، كما قام الاسقف بالتصوير مع رغدة مرحبا بل سعيدا بهذا اللقاء. 

نزلنا إلى موقع الندوة، تم استقبال رغدة بعاصفة من التصفيق والترحيب، ألقت كلمة موجزة ثم قامت بالرد على الأسئلة التى طالت ولم تترك مجالا لم تتحدث فيه، كما قامت فريدة الشوباشى وهى كانت مذيعة مشهورة فى إذاعة مونت كارلو بالرد على بعض الأسىئلة، كما أن فريدة كانت قد أعلنت عن أنها من مركز القوصية.

انتهت الندوة وذهبنا إلى أسيوط لتلبية دعوت أحد الأصدقاء لتناول العشاء فى أحد الفنادق، عدنا مساء وفى اليوم التالى كان البرنامج الذهاب إلى إحدى الحدائق والغذاء هناك. طلبت رغدة وفريدة الذهاب الى زيارة الدير المحرق مرة أخرى بدلا من الجنينة، ذهبنا إلى الدير بدون اتصال وذهبا إلى الكنيسة الأثرية ووقفا أمام المذبح وقاما برفع أيديهما للمناجاة، على اعتبار أن المكان مقدس وكانت تعيش فيه السيدة العذراء. 

أما موضوع فريدة الشوباشي فهي مسيحية تزوجت من على الشوباشي، وكان من الكوادر الماركسية. كنت اعلم أن فريدة هذه قريبة من عائلتى وأنها تزوجت من مسلم. وكان هذا شئ يؤلمنا ولا نريد أن يعرفه أحد. جاءت فريدة بالأقدار والى منزلنا!! ولا تعلم القرابة بيننا، فماذا أفعل؟ وماذا سأقول لأهلى؟ 

ونحن في السيارة متجهين إلى الدير قلت لفريدة ما اسمك؟ قالت: فريدة الشوباشى. قلت ما اسمك الحقيقى؟ استغربت وانتبهت رغدة للحديث، فقلت لها: إسمك فريدة ملك جورج ميخائيل جادالله، ذهلت. قلت لها: لاتستغربي، فأنا جمال أسعد عبد الملاك جادالله، يعنى أنا بمثابة عمك. لاشك كانت مفاچأة للجميع، تخوفت من أن أخبر والدتى بهذا الأمر، ولكن فى المساء قامت فريدة بالذهاب إلى شقة والدتى بمفردها وأخذا يتجاذبان الحديث عن العائلة والأقارب وتناست ونسبت والدتى "عملة" فريدة وتعاملت والدتى وأختى مع فريدة كابنة عم! بعد زيارة الدير وبعد تناول الغذاء فى المنزل ذهبنا لوداع رغدة فى ديروط وبنفس الموكب الشرطى الذى استقبلها، فى مساء الخميس وبعد مغادرة رغدة تم عقد اجتماع صاخب فى المطرانية ومع الأسقف للمطالبة بإلغاء الندوة وكان الحضور بعض الكهنة وبعض الشباب الذين يؤدون الأدوار المطلوبة منهم بكفاءة. صباح الجمعة قمت من النوم على تليفون ارضى من نائب رئيس أمن الدولة بالقاهرة يهنئنى على زيارة رغدة قائلا: أننا نشكرك على هذا النشاط الذى نتمنى أن يكون فى كل مكان حتى يمكن أن نحاصر به الفتنة والإرهاب! 

بعد هذه المكالمة كانت مكالمة أخرى من المطرانية لمقابلة الأسقف، ذهبت تقابلت معه، تحاورنا حول الندوة، قال: هناك هجمة ضد الندوة ويريدون إلغاءها، قلت فلتلغى الندوة.. هذا نشاط أريد به خدمة وطنية أؤمن بها لصالح هذا الوطن بمسيحييه ومسلميه. قال الأسقف: لا، أنا أعلم اهمية الندوة ومصر على بقائها. ولكن اقترح أن تأتى مساء ومعك خمسة أشخاص، وسيكون هناك خمسة أشخاص من الذين يعترضون على  الندوة ويتم حوار تقنع به هؤلاء، وتحاول أن تمسك نفسك لو تجاوز أحد فى حقك!، بسلامة نية وثقة فى الموقع الكهنوتي، قلت تمام. 

فى المغرب ذهبت مع خمسة من القائمين على الندوة إلى المطرانية، فهل وجدنا الخمسة الآخرين حسب قول الأسقف؟ وجدنا تجمعا حاشدا لا مكان فيه لموضع قدم فى مبنى المطرانية بالكامل، بينهم من ليس له فى الثقافة ومن لم يحضر ولا ندوة واحدة وليس لهم علاقة بمثل هذه الندوات، بل وجدنا البعض من الذين يقيمون فى بعض قرى أسيوط من أبناء الكنيسة. دخلت فوجئت وسمعت الإهانات التى توجه إليّ. لم استطع اختراق التجمع فوقفت فى الخلف أشاهد واستمع، وجدت من مع ومن ضد، سخن الحديث وفى الوسط الأسقف، وفى لمح البصر وجدت الجميع يشتبك ويتعارك ويضرب ويشتم، كنت فى موقف لم أمر به فى حياتى. ماذا يحدث؟ ولماذا؟ وهل إلغاء الندوة يحتاج إلى هذا المخطط؟ وهل مخطط الاعتداء جسديا عليّ؟ تدخل الأمن لفض المهزلة، وأعلنت إلغاء الندوة. 

كنا قد دعونا الأستاذ جمال بدوى للندوة التالية لرغدة وحجزنا تذاكر السفر لحضوره إلى القوصية، علم جمال بدوى وعلم الرأى العام عن طريق مقال كان قد نشر فى جريدة الشعب للصديق مصطفى رمضان المحامى يتحدث فيه عن الندوة ودورها وما تم بها. اتصل الأستاذ جمال بدوى بى يدعونى الى حفل عشاء بمنزله وعلى شرفى تكريما لدورى فى هذا النشاط. ذهبت إلى منزل بدوى مع زوج ابنتى هايدى وصديقى رأفت توفيق وابنى جون. وجدت ضيوف الحفل الفنان عادل إمام والأديب جمال الغيطاني والاستاذ مصطفى بكرى والاستاذ صلاح منتصر والاستاذ نبيل زكى رئيس تحرير جريدة الأهالى. وكانت أمسية أكثر من رائعة بصحبة رموز مصرية وكان حوارا رائعا فى ظل كرم واستقبال الاستاذ جمال بدوى وتم نشر خبر الحفل فى جريدتي الوفد والأسبوع. 

فهل تم إلغاء الندوة لأهداف ترتبط بعلاقات غير معلومة مع جهات غير معلومة؟
--------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك *
*كاتب وسياسي وبرلماني مصري سابق

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان