19 - 04 - 2024

البلوى الرابعة للتطبيع: ضرب مصالح مصر بمجال الكابلات البحرية

البلوى الرابعة للتطبيع: ضرب مصالح مصر بمجال الكابلات البحرية

يبدو أننا سنكون مضطرين لتركيب عداد لعد البلاوي التي وقعت وستقع علي رأس وطننا من وراء تطبيع بعض حكام العرب مع الصهاينة، فها هي بلوي جديدة تتكشف ابعادها، ويقوم خلالها الصهاينة الأصليين ـ ومن خلفهم المتصهينين المطبعين العرب ـ بإطلاق  أول طلقة في حرب نظن انها ستكون طويلة الاجل، ممتدة المفعول، ضد المصالح المصرية في مجال أعمال الكابلات البحرية الناقلة لحركة مرور الاتصالات والانترنت حول العالم، وذلك بإعلان الصهاينة عن نجاحهم في تحويل مسار كابل بحري تنشئه شركة جوجل، ويبدأ من الهند شرقا وينتهي في فرنسا غربا، متجنبا خط المرور المعتاد لهذه الكابلات العملاقة عبر قناة السويس والأراضي المصرية، ليتخذ مسارا عبر الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، ليخدم مصالح الكيان الصهيوني، بدلا من المصالح المصرية، وذلك بدعم ومشاركة من السعودية وسلطنة عمان.

طبقا لعداد بلاوي هرولة التطبيع الأخيرة مع الصهاينة، فهذه هي البلوي الرابعة، بعد البلوى الأولي التي تبجحوا فيها بأن تطبيعهم مع حكام الإمارات سيجعلهم يقتطعون جزء لا يستهان به من حركة مرور السفن الناقلة للنقط عبر قناة السويس، والبلوى الثانية مع دخولهم علي خط النزاع الحدودي بين مصر والسودان حول مثلث حلايب وشلاتين، بتقديمهم خرائط مزيفة لحكام السودان تبدو فيها أرض المثلث سودانية لا مصرية، وكأنهم اصبحوا مرجعية يعود إليها العرب لحل خلافهم، والثالثة حينما اسقط ممثل التكاتك والسطحية والفجاجة واللا فن نفسه في براثنهم، واحدث فتنة لا مبرر لها، مقدما نفسه كواعظ ديني، وقائدا عقائديا انسانيا، تحت راية التطبيع، فما هي البلوي الجديدة؟

تحتل مصر مكانة فائقة التميز في عالم الكابلات البحرية العملاقة فائقة الطول، الناقلة لحركة الاتصالات والإنترنت حول العالم، وذلك بحكم موقعها الجغرافي الممتاز، او لنقل كعبقرية مكان ـ بتعبير الجغرافي الراحل العظيم جمال حمدان ـ  كنقطة التقاء بين آسيا وأفريقيا، ومعبر رخيص وقريب لأوروبا عبر قناة السويس، وقد منحتها عبقرية المكان، تمرير أكثر من 17 كابل بحري عملاق عبر أراضيها، تحمل ما يقرب من نصف حركة الاتصالات والانترنت بين الشرق والغرب عالميا، ولتحقق من وراء ذلك عائدات تقدرها بعض أرقام المصرية للاتصالات بنحو ملياري جنيه، كرسوم عبور.

في ظل المقاطعة العربية، كان من الصعب ـ إن لم يكن من المستحيل ـ علي الصهاينة الدخول في صناعة الكابلات البحرية المارة من الشرق إلي الغرب، وطرح الأرض المحتلة المغتصبة، كمسار بديل لقناة السويس والأراضي المصرية، تعبر منه الكابلات القادمة عبر البحر الأحمر الي البحر المتوسط، ببساطة لأنه لم يكن يجدون شريكا عربيا، يقبل بالمشاركة في إنشاء كابل بحري هم طرف فيه، ويمر عبر المحيط الهندي وبحر العرب، قبل ان يصل الي باب المندب ثم يدخل البحر الأحمر.

مع موجة التطبيع الأخير، انكسر هذا الحاجز، ووجد الكيان الصيهوني الباب مفتوحا للدخول في مشروعات الكابلات الجديدة والمستقبلية، من بوابة دول الخليج، وباعتبارهم نهازين للفرص، بخاخين للسم، محبين لبث الفرقة وتأجيج الخلافات، محترفين للغواية والإغواء، استطاعوا ضم كل من السعودية وسلطنة عمان إلي صفهم، والدخول معا بصورة مشتركة، في مشروع كابل بحري تموله شركة جوجل، واستطاعوا إقناع جوجل بجعل الكابل يبتعد عن مصر، ويمر عبر ما تحت أيديهم من أرض مغتصبة.

حينما راجعت التقارير الواردة عن هذا المشروع في الصحافة العالمية، والجهات المعنية بصناعة وتشغيل الكابلات البحرية، وجدت الكثير من التقارير، منها أربعة يمكن الوقوف عندها لتبيان الأمر، الأول تقرير  نشرته صحيفة ها آرتس الصهيونية في 14 ابريل 2020، والثاني نشره موقع شبكة الكابلات البحرية يوم 15 ابريل 2020، والثالث نشرته صحيفة وول ستريت جورنال يوم 23 نوفمبر 2020، والرابع نشرته الديلي ميل البريطانية يوم 24 نوفمبر 2020.

من مراجعة هذه التقارير وجدت أن الكابل يحمل اسم " بلو رامان "، وهو احد علماء الفيزياء الهنود، وتبلغ ميزانيته الأولية 400 مليون دولار، ويمتد لمسافة 8000 كيلو متر، من الهند إلي فرنسا غربا، وهناك خريطتان منشورتان حول مسار هذا الكابل، الأولي نشرتها شبكة الكابلات البحرية، وتوضيح أن المسار يبدأ من مدينة مومباي غرب الهند، مارا بالمحيط الهندي، وصولا للشاطئ الشرقي للجزيرة العربية، علي سواحل سلطنة عمان، ثم يخترق أراضي السلطنة والعاصمة عمان، ثم يواصل سيره باتجاه الشمال الغربي مخترقا أراضي السعودية بالكامل، وصولا إلي خليج العقبة، ومن هناك يخترق الأراضي المحتلة وصولا الي تل ابيب ثم حيفا، ثم يخترق البحر المتوسط وصولا إلي جنوة في إيطاليا."

أما المسار الثاني فنشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية، ويبدأ من الهند، ويتجه غربا، وقبل وصوله الي سواحل الجزيرة العربية، تلتقي معه تفريعه قادمة من منطقة الخليج العربي، وتحديد الإمارات، مارة بسواحل عمان، ثم يواصل مسيرته علي السواحل الجنوبية للجزيرة العربية، ثم يدخل باب المندب بمحاذاة السواحل السعودية الغربية ليصل إلي خليج العقبة، ثم الكيان الصهيوني ثم يواصل مسيرته الي إيطاليا.

يظهر في هذه الخريطة المسار الأصلي المفترض للكابل، والذي يبدو بنقط حمراء، تبدأ من باب المندب، وتنتهي بالأراضي المصرية علي البحر الأحمر، ثم تخترقها برا إلي نقطة علي البحر المتوسط، غالبا في سيدي كرير، ومنها الي مارسيليا في فرنسا، وتبين خريطة الديلي ميل الضربة التي تلقتها مصر في هذا المشروع، وكيف انحرف التطبيع بمسار الكابل، ليدخل الكيان الصهيوني.

سواء تم تنفيذ المسار الأول المنشور بموقع شبكة الكابلات البحرية، أو الثاني المنشور في الديلي ميل، فالمؤكد أن الأمر تم بمساعدة توجهات التطبيع لدي السعودية والإمارات وسلطنة عمان، ويدل علي ذلك ما ورد في سياق هذه التقارير، فمثلا ورد بتقرير ها آرتس أن الكابل سينفذ علي جزءين، الأول  يبدأ من ميناء جنوة الإيطالي ، ويستمر تحت البحر الأبيض المتوسط ، ويمر عبر إسرائيل وينتهي في العقبة، والثاني يبدأ من مومباي الهندية تحت مياه المحيط الهندي وبرا عبر جزيرة العرب، وينتهي في العقبة ايضا، حيث يتم ربط الاثنان معا، وانقسام الكابل إلى قسمين لا علاقة له بالتكنولوجيا بل بالجغرافيا السياسية ، حتى لا تعطي الانطباع بأن الجزء "الإسرائيلي" من الكبل يمر عبر الأراضي السعودية.

كلام ها آرتس المنشور في ابريل الماضي، يشير إلي أنه حتي ذلك الوقت، الذي لم تكن موجة التطبيع قد بدأت رسميا بعد، كان هناك بعض الحياء في الإعلان عن المشروع، لكن بعد موجة التطبيع وخلع برقع الحياء، بات الحديث عن المشروع علنيا، فالإمارات وقعت اتفاق التطبيع، ومعها البحرين، ثم السودان، ولا مشكلة في عمان، والسعودية بات الامر مسألة وقت.

أما تقرير الديلي فذكر أن الكابل " يمكن توجيهه عبر الخصمين اللدودين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ويتشكل المشروع في الوقت الذي تذوب فيه الدول العربية عقودًا من العلاقات المجمدة مع إسرائيل ، ووسط مزاعم بأن السعودية تعمل على الاعتراف بالدولة اليهودية، وأي صفقة بين الطرفين ستكون بمثابة دفعة هائلة لمشروع جوجل ، الذي لا يزال يسعى للحصول على إذن من السعودية حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.
------------------------
بقلم: جمال محمد غيطاس *
* نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك

مقالات اخرى للكاتب

البلوى الرابعة للتطبيع: ضرب مصالح مصر بمجال الكابلات البحرية





اعلان