26 - 04 - 2024

عجاجيات| خواطر شيكابالاية

عجاجيات| خواطر شيكابالاية

أنا من جيل تابع مباريات كرة القدم أمام تليفزيون الجيران الأبيض والأسود، حيث كان معظم سكان حارة السقايين وضواحيها يتجمعون فى منزل الحاج عبدالعزيز نجم، وهو من أوائل من ادخلوا اجهزة التليفزيون حى عابدين.. كان كبار المشجعين يجلسون على الكراسى والكنب الاسطمبولى، وكان الأطفال وأنا منهم فى ستينيات القرن الماضى نجلس أرضا على السجادة المصنوعة من قصاقيص الاقمشة.. وكان الكبار يشربون الشاى والقهوة ونحن الاطفال نحظي بمشروب الليمون.

كان صوت الكابتن محمد لطيف كفيل بجذب المزيد من المشاهدين لمنزل عم عبدالعزيز.. كل من يطرق الباب يدخل بغض النظر عن انتماءاته الكروية، وبغض النظر عن الفريق الذى يشجعه.. كل الحضور كانوا يشجعون بمنتهى الأدب احتراما لأصحاب المنزل واحتراما للروح الرياضية التى كانت سائدة.. كنا نرى الجماهير فى المدرجات ترتدي البدل الكاملة وأربطة العنق بلا فواصل بين جماهير الأهلي والزمالك أو جماهير الاهلى والترسانة.. وكان محمد لطيف يصف ما يجري فى الملعب بكل حيادية ويشجع اللعبة الحلوة ويقدم التحية لكل لاعب جيد.. وكنا نستمتع بأغنية صباح بين الأهلى والزمالك محتارة والله، الاتنين حلوين الاتنين طعمين..

مؤخرا فشلت فى العثور على قناة تليفزيونية تبث مباراة الاهلى والزمالك فى النهائي الافريقى المصرى.. وقررت ألا أحاول العثور على مقهى تبث المباراة المشفرة احتراما للتعليمات التى تناقلتها وسائل الاعلام باغلاق المقاهى وقت المباراة، فى اطار الاجراءات الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا اللعين.. وصلت الى مسامعى صيحات التشجيع وبدأت الاخبار تتري على الفيسبوك حتى انتهاء المباراة بفوز الأهلى بهدفين مقابل هدف، والفوز بالكأس الافريقية التاسعة.

لفت نظري تعليق أحد الاصدقاء على صفحته يقول: لاعبو الاهلى سمحوا لشيكابالا بالمرور من بينهم وتسجيل هدف الزمالك احتراما لعبور الجنازة!! بكل صدق لم افهم هذا التعليق وكدت اكتب لهذا الصديق ما هذا وماذا تقصد؟! غير أنى بدأت اقرأ عما اسماه البعض تنمر الجماهير بلاعب الزمالك شيكابالا بعد أن احرز هدفه البالغ الروعة والجمال ومعايرته بلونه وبأنه عجز ومات كرويا!!

البعض يدافع عن شيكابالا والبعض يهاجمه بحجة لماذا الغضب من مهاجمة شيكابالا، ولماذا كان الصمت عن مهاجمة رئيس نادى الزمالك للأهلى ورئيسه بل مهاجمته لكل رموز مصر؟!

وبغض النظر عن هذا الجدال، فعلينا ان نعترف بأن المشهد كله يشى بما يحدث فى المجتمع من تراجع للقيم وتراجع للروح الرياضية.. هل سمعنا من قبل أن جماهير الكرة تنمرت على (شطة) أو (عمر النور) أو (طه بصري) أو (عزالدين يعقوب) بسبب بشرتهم السمراء؟ وهل سمعتم كلمة واحدة بذيئة او تحريضية من رئيس نادي فى حجم الفريق مرتجى أو فى حجم الكابتن محمد حسن حلمي، وهل سمعتم كلمة واحدة تنم عن تعصب معلق فى حجم محمد لطيف او حسين مدكور او على زيوار.

أحسب أن أمام علماء النفس والاجتماع والعلوم السياسية دراسة أسباب تراجع قيم التعايش والتسامح فى المجتمع، ولماذا أصبح الميل للانشطار والتشظي لأي سبب.. ولماذا أصبحنا نميل للمواقف الحادة؟ 

رحم الله تلك الأيام التى كانت فيها جماهير الأهلى تصفق لأهداف الشاذلى ومصطفى رياض ثنائي الترسانة فى مرمى عادل هيكل، وكانت جماهير الزمالك تصفق لنجم الأوليمبى السهم الأسود عز الدين يعقوب.. ورحم الله تلك الأيام التى كانت فيها جماهير الكرة تفرح بأى موهبة يمكن ان تنضم لمنتخب مصر الكروي.. رحم الله تلك الأيام التى كانت فيها الرياضة أخلاق قبل أن تكون نتائج وكؤوس.
---------------------
بقلم: عبدالغني عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | ورحل الفتى علوان





اعلان