إنها الصدفة، في الوقت الذي كان العالم يتابع الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وحالة الصراع على مقعد الرئاسة في أكبر دولة في العالم، والإعلان على الهواء عن تفاصيل النتائج وحالات التشكيك فيها بكل التفاصيل، والرد والإيجاب، في المقابل كنا في مصر نشهد انتخابات مجلس النواب "البرلمان" في شكل مختلف كليا عن هذا الذي تنقله الفضائيات.
وتحولت مؤشرات التلفزيونات بالمنازل والمقاهي والمطاعم إلى متابعة الإنتخابات الأمريكية، وكان الجميع في حالة تجاهل لما يجري في مصر، خاصة مع ديناميكية الحركة والمعلومات، وحالة المنافسة الحقيقية على معركة حقيقية ووسط جو ديمقراطي، وإن كانت تتجاوز فيه بعض الألفاظ.
وبعيدا عن موقفنا من السياسة الأمريكية تجاه منطقتنا، وغياب مبادئ المعاملة بالمثل في كثير من القضايا التي تمس دول المنطقة، وانحياز المرشحين في كل الإنتخابات الأمريكية لإسرئيل والصهيونية، إلا أن تجربة الإنتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية تجربة مهمة، خصوصا مع مقارنة ما شهدناه ونشهده من تجاوزات وغياب لمبادئ المنافسة في الإنتخابات الأخرى.
قد يقول البعض أن المقارنة ظالما بين الإنتخابات في مصر وأمريكا، ولكن التجربة تستحق أن تكون محل نقاش، إذا كنا نريد أن فعلا أن نخطو للأمام في مختلف قضايا وتجاربنا الإنتخابية.
ما جرى ويجري في الإنتخابات الأمريكية ليس بجديد طبعا، فما شهدناه في انتخابات المتنافسين "دونالد ترامب" و"جو بايدين" قد يكون صور متكررة من انتخابات أخرى شهدناها على الفضائيات، وبعض الناس عاشوها برؤى العين وعلى الأرض، وهي سمة هذه الانتخابات في بلد كبير لا شك أن يقود العالم إلى المجهول أو غيره.
لكن يبقى أن نقارن بين ما تابعناه على شاشات الفضائيات، في معركة اختيار الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة، وما عشناه على أرض الواقع في انتخابات برلمان 2021، ومن أهم الملاحظات، هو بروز المال السياسي في كلا المعركتين، وإن كان كل له طريقته، فالشركات المتعددة الجنسيات تلعب دورا حاكما في معركة الرئاسة الأمريكية، وهي تدافع عن مصالحها، بل هناك من يرى أنها هي التي تحدد وتختار الرئيس الأمريكي، وفق صفقات غير معلنة، وترتيبات محددة، ليؤدي الرئيس ما تريده.
وهذا مال سياسي، حيث تبحث تلك الشركات عن الرئيس الذي يعزز من مبيعات السلاح، ويحافظ على مكاسبها، ويضمن لها حصصا رئيسية لمنتجاتها في أسواق العالم، ويتعاون معها في السيطرة على إقتصاديات الدول، والغزو لكل بقعة في الكرة الأرضية، بل في الفضاء الخارجي.
المال هنا يدخل في "البيزنس"، ولكنه مغموس بل مغمور في قاع السياسة، فمن سيتولي إدارة الدفة على رأس النظام الأمريكي هو الذي سيحدد السياسات التي تضمن للشركات الكبرى مكانًا تحت شمس المنافسة والبقاء والاستحواذ والتهام الصغار حتى لو كانت دولا، وليست مجرد شركات فقط، وضمان الإبقاء على الصراع في كل بقاع الكرة الأرضية.
في مصر المال السياسي له شكل أخر، فهنا هي لعبة فردية أو حزبية، حيث كل يسعى إلى الاستحواذ على المقعد، ليبقى تحت شمس الحماية من خلال "الحصانة"، أو السيطرة من خلال القوائم على مقاليد الترشح التي تضمن للكبار البقاء في الحياة، ويأتي بعد ذلك قضايا الناس، وفي لعبة المال السياسي هنا كل شئ مباح، استغلال الفقراء وحاجة الناس، بكل الوسائل، فكل هذا مباح وحلال ومجاز طالما أن ذلك سيحقق الغرض.
في استخدام المال السياسي في الحالتين، الهدف واحد، ولكن كل "برغوت على قدر دمه"، وفقا للمثل الشعبي، كل منهما يستغل ولكن حجم الهدف مختلف، وإن كان واحدا.. وهذا مجرد تشابه في الحالتين، وسمة سيئة.
ولكن هناك إختلافات كثيرة في الجانب الإيجابي للانتخابات، تلك الحالة من الديمقراطية والمنافسة، والتي بمقتضاها حصل "جو بايدن" على ما يقرب من 80 مليون صوت إنتخابي في معركة اتسمت بالشفافية، وتلك الحالة في الحوارات والتصريحات التي تكشف المستور، وتلك المناظرات لمناقشة وبحث كل ما يريده الناخب الأمريكي، والإنتخابات بحرية، وشفافية، دون تدخل من السلطات، أو استخدام وإستغلال النفوذ، وأصول وممتلكات الدول في الدعاية، ولا مجال لتقديم تسهيلات غير مشروعة للناخب، مع الإعلان عن تفاصيل الإنتخابات والنتائج لحظة بلحظة.
وقد شاهد العالم ونحن منهم، هذا اللهاث وراء المعلومات عن النتائج، فقد تقدم هنا ترامب وسبقه بايدن هناك، ثم تتوالي المنافسة، في حالة لا يمكن التشكيك فيها، والتي فشلت أمامها محاولة ترامب التشبث بكرسي الحكم، ولكن الكلمة الفصل دائما للصندوق.
هذه الزاوية فقط، يكفي أن نراها يوما أو تراها أجيالنا القادمة، ليُدوّن ساعتها التاريخ، عبارة "إنها حقا تجربة محترمة، وتستحق أن نشاهدها ونستمتع بها"، فهل هذا مستحيل على بلادنا ووطنا وناسه، ولكن دون "الإسفاف الترامبي"!.
-----------------------
بقلم: محمود الحضري