25 - 04 - 2024

شاهد على العصر (21) لقاء عاصف في السفارة الأمريكية

شاهد على العصر (21) لقاء عاصف في السفارة الأمريكية

خلال الخمسة عشر يوما التى تم خلالها اتصال السفارة الأمريكية بى وحتى ذهابى، كانت افكارى لا تهدأ، وكانت الأسئلة لا تفارق ذهنى والزيارة لا تبرح مخيلتي، وذلك لأننى أعلم أن هذا الاتصال ليس حبا فى سواد عيونى، ولكنها المصلحة التى تؤمن بها أمريكا من خلال معتقدها البراجماتى النفعى، فمنذ الاتصال بى فى منزلى وكان شعورى أن هذا اللقاء غير عادى ويهدف إلى أغراض سياسية بعينها تريدها السفارة الأمريكية.. لأنهم يعلمون جيدا أننى معروف بموافقى السياسية المناهضة للسياسة الامريكية.. ولم يكن هذا جديدا عليّ، فقد كنت ومنذ بداية انشغالى بالعمل السياسى العام أعلن هذا مرارا وتكرارا سواء من خلال ما أكتبه فى الصحف الحزبية أو التصرفات والمواقف السياسية، إذ أننى أؤمن بأن الولايات المتحدة الأمريكية هى نظام استعمارى جديد استطاع أن يطور نفسه أكثر من الدول الاستعمارية التقليدية القديمة، فهو استعمار ليس سياسيا أو اقتصاديا فقط بل وثقافيا أيضا.. وتستغل أمريكا دائما كل الوسائل لفرض هيمنتها، وكثيرا ما ارتدت قناعا زائفا بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان وما يسمى بالدفاع عن حقوق الأقليات الدينية، وبالطبع ومن خلال متابعة السفارة لكل السياسيين وغير السياسيين المصريين يدركون موقفى هذا، خاصة أن جون هذا الذى اتصل بى فى منزلى اما أنه تصور أننى اتمتع بدرجة كبيرة من الغباء أو أنه ليس لديه ذكاء كاف، لأنه وفى آخر اتصال معى زعم بأنه يتحدث معى من منزله بعيدا عن السفارة الأمريكية؛ وقال أنه مسيحى مصرى وليس أمريكيا وان انتماءه لمصر، بل هو يعرف رأيى فى السياسات الأمريكية بل يوافقنى تماما بأن امريكا لا تبحث سوى عن مصلحتها، ولا يعنيها الأقباط أو مشاكلهم ولكنها تأخذهم ذريعة للوصول إلى مصالحها بالطبع؛ كما أضاف أن (مولى فى) المسئولة السياسية فى السفارة الأمريكية تطلب بإلحاح شديد مقابلتي، ولكنها على حد قوله طلبت منه عدم إظهار هذا الإلحاح أمامي، هذا المدخل الساذج والتقليدى الذى حاول به جون لبيب أن يحتوينى لا يجدى مع أقل سياسى مبتديء، ولكن وبالرغم من أن خداعه كان مكشوفا ومفضوحا، إلا أننى جاريته فى الكلام ولم أناقشه أو أظهر له أى شئ يدل على أننى اكتشفت نواياه الخبيثة بهذه السهولة. 

يوم الأربعاء العاشر من ديسمبر 1997 الساعة العاشرة ذهبت إلى السفارة الأمريكية التى كنت دائم المرور عليها، فهى تقع بجوار ميدان التحرير، وكان هذا المبنى يثير داخلى شعورا غريبا فهو يحيط به سور عال ضخم تعلوه أجهزة اتصالات سلكية ولاسلكية وهو مبنى يعطيك انطباعا بعدم الارتياح من كثرة التحصينات والغموض الذى يحيط به، وكان كل هذا يثير فضولى لمعرفة ماذا يجرى داخل هذا الحصن الغريب، أخذت ألف حول السفارة لأكتشف بابا للدخول، وأخيرا وجدت الباب الرئيسى لأنه يوجد بزاوية داخلية داخل أحد الحوائط، وعندما وقفت أمام الباب قال لى الحارس: ماذا تريد؟ قلت: أريد مقابلة جون لبيب فى قسم حقوق الإنسان. 

قال لي: أنه فى القسم السياسى وليس حقوق الإنسان (أول كذبة). أخذوا بطاقة تحقيق الشخصية وأعطونى كارت الزيارة وطلبوا منى أن أخرج ما بداخل جيوبى. أحسست بالاستفزاز الشديد، وكان جون لبيب قد وصل وحاول التخفيف من استفزازى قائلا: إنهم يفعلون هذا معنا نحن موظفى السفارة يوميا. ركبنا المصعد الذى وصل بنا إلى الدور السابع فى لمح البصر! دخلنا حجرة جون ويوجد بها كمبيوتر وفيديو كاسيت ومكتبة وعلى كل مكتب كم رهيب وتلال مبعثرة من الجرائد والمجلات المصرية بكل اصداراتها. 

طلبت من جون أن يعرفنى بنفسه.. قال إنه حاصل على ليسانس ألسن ويعمل بالسفارة منذ فترة طويلة، وأنه يعمل بالقسم السياسي! ودوره الاطلاع على الجرائد وعمل رصد للحركة السياسية فى مصر وأيضا كتابة تقارير عن كل ما يكتب سواء بالهجوم أو المدح، ويرفع بهذا تقارير إلى الخارجية الأمريكية. 

قلت له: ماذا تريد هذه المرأة من وراء مقابلتي؟ فأجاب: (أنت تكتب كثيرا ضد السياسة الأمريكية فى المنطقة، وقد أدى البيان الذى أصدرته موقعا عليه من قبل قيادات مصرية وطنية إلى انزعاج الدوائر السياسية فى الخارجية الأمريكية، وهذا البيان يعنى أنه تصرف فعلى أخرج الامور من نطاق المقالات السياسية إلى حيز العمل الفعلى وهذا جعلهم يقلقون كثيرا و(مولى في) تريد أن يكون لها السبق الدبلوماسي (على غرار السبق الصحفي) بأن تقول لقيادتها فى الخارجية الأمريكية أنها التقت بجمال أسعد الذى كان يقف وراء صدور هذا البيان. قلت لجون: أنا هنا بحديثى  معك فأنا أتحدث مع أمريكا. قال: أنا لست أمريكيا، أنا مصرى. قلت: الآن أنت موظف فى السفارة الأمريكية، ولقائى معك على أرض أمريكية حسب القانون الدولي، وبالتالى أريد أن يكون حديثى ليس لموظفى السفارة سواء كانوا أمريكان أو مصريين، ولكنى سأتحدث إلى الحكومة الأمريكية، وهذا الذى جعلنى أطلب المقابلة هنا فى السفارة وليس فى مكان آخر، قلت له: أنا دخلت مجلس الشعب شخصا فقيرا وخرجت منه شخصا أفقر، وهذا ما سأورثه لأولادي، فلن أورثهم عزبة أو قصرا أو حتى أموال، ولن أطلب شيئا من أحد، وهذا جعلنى أختلف مع القذافى وأنا داخل الأراضي الليبية لاننى لا أتقاضى أموالا منه، ونفس الشيء حدث مع عمر البشير والترابى فى السودان ولا أريد سوى موقف وطنى لصالح مصر سواء داخلها أو خارجها، لذلك فأنا هنا لنفس الهدف. فقال لي: نحن نعلم أنك لا تريد شيئا من أحد، وهذا الذى يجعلك تعبر عن رأيك فى مواجهة الجميع بجرأة زائدة عن الحد!. قلت ماذا تعنى بزائدة عن الحد؟ فأجاب قائلا: نحن نعلم أنك تعبر عن رأيك بوضوح شديد، وتخلق معارك كثيرة فى كل الاتجاهات لأنك لا تريد شيئا من أحد. قلت: الله ينور عليك ياجون. قلت له: أنا متأكد من وجود ملف خاص بى على (ديسك كمبيوتر) لديكم، ضحك قائلا: بالتأكيد لدينا هذا، فقلت: بالتأكيد أيضا تعلمون كل شىء عنى فابتسم وقال: يعني. 

فى أثناء الحديث نظرت إلى تلال الجرائد الموجودة على المكتب، فوجدت أنها تحتوى على الكثير من مقالاتى التى نشرت فى الجرائد المختلفة حتى القديمة منها، ويوجد حولها خطوط بقلم أخضر اللون حول عبارات داخل المقالات! فتأكدت أن هناك رصدا كاملا لكل ما أكتبه ومن ثم فهناك هدف ما وراء هذه المقابلة وكنت أدرك ذلك تماما، ومن ثم كنت مصرا على خوض هذه التجربة حتى أعلن موقفى السياسى المحدد والذى أعلنته دائما.

 استمر الحوار وكان جون يعلم المزيد من المعلومات عن أفكارى وتحركاتى السياسية وعلاقتى بالكنيسة ومعركتى مع البابا شنودة الثالث وأشياء أخرى كثيرة، ومنذ دخلت مكتب جون لبيب لم يتوقف عن كتابة كل ما أقوله ولم يغادر القلم يده وظل يسجل كل كلمة أقولها. ولكن بعد قليل دخلت شابة أمريكية جميلة قدمها جون لي بالآنسة (مولى في) كمسئولة القسم السياسى وحقوق الإنسان وشئون المسيحيين بالسفارة الأمريكية وهى فتاة فى الخامسة والعشرين من العمر تقريبا رشيقة القوام تتمتع بقدر كبير من الجمال، متوسطة الطول ترتدى جيب مفتوحة من الامام وبلوزة بسيطة.. جلست على المقعد المقابل لى واضعة ساقا على ساق حتى أن فتحة الجيب كانت تظهر مافوق الركبة باكثر من عشرة سنتيمترات. كان معها ورقة وقلما وبدأت فى تحيتى، قالت أنها تتحدث اللغة العربية ولكن ببطء. 

سألتنى وبشكل مباشر: لماذا أصدرت البيان وكيف قمت بجمع توقيعات كل هذا الكم من الشخصيات السياسية العامة؛ ولماذا وقعوا على البيان؟ هل وقعوا على البيان لأنهم يكرهون أمريكا أم أن هناك أسباب أخرى؟ هنا تأكدت أن الإدارة الأمريكية قد انزعجت من صدور البيان الذى يعبر عن موقف سياسى ضد السياسة الأمريكية فى المنطقة، ولذلك يريدون معرفة أسباب صدور البيان. 

قلت لها: أن الأقباط على مدار الحقب التاريخية كانوا ولايزالون يرفضون التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية لمصر.. وظهر هذا فى رفضهم للحملات الصليبية والحملة الفرنسية. وفى القرن العشرين عارضوا تصريح 28 فبراير وفكرة التمثيل النسبى للأقباط فى المجلس التشريعى أثناء مناقشة دستور 1923، ولهم دائما مواقف وطنية ثابتة فى هذا الشأن. والآن يوجد تدخل أمريكى فى شئون مصر تحت دعوى الدفاع عن الاقباط؛ ومن ثم كان واجبا على الأقباط أن يسجلوا هذا الموقف. ولأن الظروف الآن جعلت الحركة السياسية للأقباط ليست على المستوى الذى كان فى العشرينيات وذلك يرجع إلى الممارسات المتطرفة من قبل الجماعات الإرهابية والاحساس بالاضطهاد، كذلك مايفعله بعض أقباط المهجر بالمتاجرة بالمشكلة القبطية إضافة إلى سلبية الاقباط وتقوقعهم داخل الكنيسة، كل هذا جعل بعض الاقباط يستسيغون التدخل الأجنبى! مما جعلنى أستشعر خطورة الموقف فقمت بإعداد البيان ودعوت الرموز السياسية والعامة للتوقيع، وهذه الشخصيات لا تكره الشعب الأمريكي، ولكنها ترفض التدخل الأمريكى فى شئون الوطن. 

قالت (مولى فى): نحن لا نتدخل في شئون مصر سياسيا، بل نتدخل لأن القانون الدولى يعطينا هذا الحق(؟!).. دفاعا عن حقوق الإنسان؟ وكذلك لأن الاقباط المصريين فى أمريكا طلبوا من الحكومة الأمريكية ومن الكونجرس التدخل لصالح الأقباط!. 

قلت: يا آنستى إن التدخل باسم حقوق الإنسان ممكن أن يكون له مشروعية دولية وقانونية، لكن أين حقوق الإنسان عندما تريد امريكا أن تضغط على مصر وتلوح بقطع المعونة، هل هى حقوق إنسان أم ضغط اقتصادى وسياسي؟ وأين حقوق الإنسان عندما يصدر الكونجرس الأمريكى قانونا لمعاقبة بعض الدول التى تدعى أمريكا أنها تضطهد الأقليات، ونقصد مصر على وجه التحديد، بحجة اضطهاد الأقباط.. هل هذا دفاع عن حقوق الإنسان أم ضغط وسياسة؟ خاصة أن هناك مواقف مصرية لا ترضى عنها أمريكا مثل مطالبتها برفع الحصار عن ليبيا والعراق ورفض مصر تقسيم السودان.

قلت لها أيضا: النقطة الثانية والأهم وهى أن أقباط المهجر لا يملكون الحق فى مطالبة أمريكا بالتدخل والضغط على مصر، بدعوى حماية الأقباط، لأن أى مواطن مصرى فى أي مكان وفى أي زمان لا يمكن أن يطلب من دولة أجنبية الضغط على بلده. لكن هؤلاء الذين يفعلون ذلك هم مواطنون أمريكيون لا ينتمون إلى مصر، ومن ثم يسقط ادعاء هؤلاء الاقباط المتأمركين. 

هنا لم ترد وحولت الخروج إلى مجال آخر قائلة: ما رأيك فى مشاكل الاقباط؟ أليست هناك مشاكل للأقباط؛ فهناك موريس صادق المحامى يقول لنا أن هناك مشاكل للأقباط، ونعلم الكثير من خلال موريس صادق وهذا نموذج أقوله لك غير كثيرين مثله!! 

قلت: أنا لا يعنينى موريس كشخص، لكن الخطورة أن موريس وأمثاله لديهم مراكز تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان للاسترزاق؟ هنا قاطعتنى (مولى فى) وسألت: ماذا تعنى بكلمة الاسترزاق؟ قلت: هذا يعنى أن يحصل هؤلاء على الدولارات مقابل المعلومات والادعاءات؛ فابتسمت مولى ابتسامة ذات مغزى ولم تقدم اى تعليق! فواصلت كلامى وقلت: الآن علمت أنك انت من يتعامل مع موريس صادق وأمثاله من أصحاب المراكز التى تتاجر وتسترزق من وراء قضايا الأقباط، وهؤلاء لا يعلمون شيئا عن مصلحة الاقباط. 

قالت كيف؟ قلت: لا يمكن إنكار أن هناك مشاكل للاقباط، بل أصبحت هذه القضايا مادة يتحدث عنها الجميع ومنهم المسلمون المستنيرون، فنحن نقول إن هناك مشاكل للأقباط، والأمريكان والأقباط المتأمركين يقولون كذلك، لكن الفرق أننا نطرح حل هذه المشاكل على أرضية وطنية، لكن أمريكا وأقباط المهجر يطرحونها على أرضية طائفية. قالت: أنا لا أفهم ما تقول؟ 

قلت: نحن نتصدى لهذه المشاكل على أرضية علمية، هناك أربعة أسباب أدت إلى المناخ الطائفي، ولا أقول الاضطهاد الدينى فلا يوجد اضطهاد دينى، والمناخ الطائفى يعنى أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين لم تعد سوية، ولذلك فهناك أسباب تفسر كيف تكون العلاقة غير سوية بين أبناء شعب واحد ووطن ومصير واحد بل تاريخ ولغة وتراث واحد أيضا. 

أولا: هناك تراث تاريخى طائفى جعل التاريخ يقرأ بشكل طائفى وليس بشكل وطنى مصرى، هناك حكام مسلمون قاموا تاريخيا باضطهاد الاقباط، هنا يؤخذ فى الضمير الجمعى للأقباط على أن كل الحكام المسلمين يضطهدون الأقباط، بل إن الإسلام يضطهد الأقباط، وهذا خطأ فهناك حاكم ظالم وآخر عادل، كما أن الإسلام هو حجة على المسلم، وليس المسلم حجة على الإسلام، وعلى الجانب الآخر هناك بعض الأقباط الخونة الذين تعاونوا مع الفرنسيين (الجنرال يعقوب) وهؤلاء اعتبرهم الاقباط والكنيسة خونة، ولكن فى الجانب الآخر يفسر هذا وكأن كل الأقباط خونة تابعين للمحتل! 

ثانيا: هناك ممارسات طائفية وليس اضطهادا من قبل الحكومة، وهذا ما نطالب بوجود حلول له للتخلص من تلك الممارسات ولكن هذا لن يكون عن طريق التدخل الأمريكى على الإطلاق. 

ثالثا: أنه خلال فترة التسعينيات زادت العمليات الارهابية ضد الأقباط من قبل الجماعات الإسلامية، وهنا تم الخلط بين تلك الممارسات وربطها بالإسلام كدين! 

رابعا: هناك ممارسات من قبل القيادة الدينية خاطئة. 

هنا سالتنى مولى بتعجب قائلة: وماهى علاقة الكنيسة بهذا الأمر؟ وهل القيادة الكنسية طرف فى تعرض الأقباط للمشاكل؟ 

قلت: لقد تصورت القيادة الكنسية (البابا شنودة الثالث) أنها ليست قيادة روحية للأقباط فقط، ولكنها قيادة سياسية أيضا وتتحدث باسم الاقباط. وللأسف فإن هجرة الاقباط إلى الكنيسة وعزوفهم عن العمل العام جعلهم يتصورون خطا أن الكنيسة هى بديل للدولة، مما يضع عبئا على الكنيسة لاعلاقة لها به ولا قدرة لها عليه. كما أن الطرف الآخر يتصور أن الكنيسة قد أصبحت دولة داخل الدولة تخص الاقباط وحدهم وتحل مشاكلهم، فى الوقت الذى يعانى فيه المواطن المسلم من المشاكل ولا يجد من يسأل عنه، وهنا لا مانع من تصور أن أمريكا تدافع عن الاقباط فى مواجهة المسلمين مما يزيد الفرز ويعزز الطائفية. 

كما أن البابا يتصور بل يقوم بتصرفات يختصر فيها الأقباط ويسقط حقهم فى المواطنة. فمثلا عندما أعيد ترشح مبارك لفترة أخرى أصدر البابا بيانا يقول: (باسم الاقباط أوافق على ترشيح مبارك!)، فى الوقت الذى رفضت فيه ترشح مبارك وفى مواجهته عندما كنت عضوا بمجلس الشعب، كحق دستورى وقانوني لي وتأكيدا لحق المواطنة. فهل من حق البابا مصادرة رأى الاقباط ويظل رأيه هو؟ ولذا يحق لشيخ الازهر التعبير عن المسلمين ويتم اختصار الشعب فى كل منهما!! 

بعد احساسى باستيعاب مولى لكلامى، قلت: إذن القضية ليست تدخل أمريكا، ولكن القضاء على ذلك المناخ الطائفى اولا. فهل ترون الآن أن التدخل الأمريكى الذى يطالب به أقباط المهجر على حد زعمهم يحل أزمة المناخ الطائفى فى مصر، أو حتى على الأقل ينهى التوتر، أم أنه سوف يزيده اشتعالا؟ 

ثم سألتها مرة أخرى: هل التدخل الأمريكى لصالح الأقباط أم ضدهم؟ بل إن أمريكا نفسها لا تحب الاقباط وتريد أن يتم القضاء عليهم لتحدث الفتنة الطائفية التى تسعى وراءها!، نظرت مولى إليّ بدهشة شديدة، وسألت: كيف يكون ذلك؟ 

قلت: الشيء الذى لا تعلمينه أنتِ، أن أمريكا تتعامل مع الإسلام على أساس نظرية صدام الحضارات, لـ(هنتجنتون) وتزعم أن الإسلام يقف فى المواجهة مع المسيحية واليهودية، وهذا جعل أمر الاختراق الصهيونى لكثير من الطوائف المسيحية أمرا سهلا، من خلال مايسمى بالحكم الألفى للمسيح، وما يزعم حول إعادة بناء الهيكل الذى يجب أن يتم من خلال شعب اسرائيل بصفته شعب الله المختار. 

بعد انتهائى من الحديث تقدم موظف فى السفارة وأعطاها ورقة، قراتها وقالت إنها تعتذر لاضطرارها لمغادرة المكان بعد عشر دقائق لمقابلة السفير الذى سيذهب إلى الأقصر، وإذا كان لدى متسع من الوقت أنتظرها لتكمل الحديث معي، قلت: إن شاء الله. 

(مجلة روزاليوسف وزيارة للسفارة)

فى أثناء المناقشة تناولنا (نسكافيه) وكان جون يسجل الحديث حرفيا. بعد خروجها عاد جون يتجاذب معي أطراف الحديث بشكل شخصي، ليؤكد أنه مصرى وبدأ يحدثنى عن حركتى السياسية. قلت له: أنت كمصرى وليس كأمريكي، هل تشعر أن أمريكا يمكن أن تحل مشاكل للأقباط، أم أن التدخل سيزيد الوضع اشتعالا؟ 

الغريب أن جون لم يعارضنى فى هذا الطرح، بل أظهر تأييده لما أقول، وعندما تحدثنا عن الكنيسة أظهر عدم ارتياحه للبابا!! هنا أخذ جون يحدثنى على أنني زرت الاتحاد السوفيتي، فلماذا لا أزور أمريكا؟ خاصة أن السفارة على أتم الاستعداد لترتيب الزيارة لي للتعرف على الولايات المتحدة . قلت: ألف شكر، أنا لا أذهب إلى أمريكا على حساب أمريكا، لو  كنت أريد الذهاب، سأذهب على حسابي، وأنا والحمد لله لا أمتلك مايحقق هذا، ولذا لا اريد الذهاب إليها.

تحدثنا حتى الثانية عشر إلا ربعا، وانتهى الحديث بيننا بكلام على المستوى الشخصى فقال لى: أنه يتعجب من صراحتي، وأنه لأول مرة يقابل سياسيا بهذه الصراحة والوضوح ولا يتسم بأى دبلوماسية! قلت له: إننى لا أبغى هدفا، ولا أومن بغير موقفى، ولا داعى لأى دبلوماسية. فقال: بصراحة، لقد فوجئنا بمجيئك لمقابلتنا داخل السفارة الأمريكية ولم تطلب أي مكان آخر؟ قلت: جئت لاستكشاف هذا المكان الذى يبدو غامضا بالنسبة لى، كما أننى أريد أن أتحدث مع امريكا على أرض أمريكية، ثم تناولنا الشاي مرة أخرى، وقال لي: إنه تعرف على كثير من الساسة والمفكرين المصريين من خلال عمله فى هذا الموقع، وأنه يلتقى بالدكتور ميلاد حنا وموريس صادق ود. فاروق الميري (عضو مجلس شعب أخذ مقعدى فى انتخايات عام 1984، وتم تعيينه بالمجلس كمسيحى) وشخصيات قبطية كثيرة تستغرب لو عرفت أسماءهم. ولم يذكر اسم سياسى مسلم، بما يعنى أن هؤلاء يقومون بالدور الذى يقوم به موريس صادق وأمثاله فى كتابة التقارير عما يسمى باضطهاد الأقباط! 

وقبل أن أغادر، قلت له: اكتب ياجون مابدا لك لأننى ما أقوله سواء فى الداخل أو الخارج لا يختلف، فليس لدى ما أخفيه، وان كان الجديد فقط أننى أتحدث الآن من داخل السفارة الأمريكية، وأقول ما أشاء ضد أمريكا وعلى أرضها. 

اخيرا اصطحبنى إلى المصعد وأصر على اصطحابى فى سيارته، اعتذرت ولم أصحبه، لأننى كنت سأتوجه إلى مجلة روز اليوسف لأدلى  بحديث صحفى للصديق أسامة سلامة، لكشف المستور فى السفارة الأمريكية،  قبل أن اتركه قال لى إنه متوجه إلى مركز ابن خلدون الذى يرأسه سعد الدين ابراهيم لمقابلة سليمان شفيق الباحث فى المركز، حيث أن هذا المركز كان قد عقد مؤتمرا يناقش مشاكل الاقباط كأقلية، وكنا قد رفضنا هذا المؤتمر حيث أنه يريد التأكيد على أن الاقباط أقلية، بما يعنى أن مشاكلها هى مشاكل أقلية دينية تبرر التدخل الأمريكي، وهذه هى العلاقة بين السفارة وبين مركز ابن خلدون. ذهبت لروزا أدليت بحديث، تم تداول الزيارة فى الصحف والمجلات، وكتب جمال بدوى رئيس تحرير الوفد مقالا فى الصفحة الأولى بعنوان: (زيارة النبيل جمال أسعد السفارة الأمريكية) قائلا: إننى كنت أعرف أن جمال أسعد مسلم واكتشفت أنه مسيحي. كما كنت أتصور أنه من القاهرة وليس أسيوط. وان ماتم فى السفارة من مواجهة جمال لأمريكا يفكرنى بجيل الوطنيبن الأقباط الذين قاموا بأدوار تاريخية لن ينساها الوطن ولا التاريخ.
------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك *
* سياسي وبرلماني مصري سابق

 

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان