30 - 04 - 2024

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (10-10)

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (10-10)

* عندما رفضتُ نفحة ب1500  متر على شاطيء البحر!!
* ضغوط آل ساويرس أوقفت "طريق الأمل" بذريعة الخوف من نقل الإرهاب للغردقة

شاءت الصدف أن أشهد بنفسي كيف يكسر الفساد كبار المسئولين ويلوي أذرعهم ويجبرهم على الرضوخ له أو الخروج من اللعبة!!.. كان من المقرر أن يلتقي ضيوف مبادرة "العودة للجذور" من رجال الأعمال والصحفيين في مكتب المحافظ سعيد البلتاجي في لقاء تعارف يعقبه القيام بجولة في المنطقة الصناعية بمدينة الكوثر.. وكان رموز عصابة الحزب الوطني قد تواصلوا مع نجيب ساويرس وقالوا له: "المحافظ الذي دعاكم للإستثمار في سوهاج يعطل الإستثمار، حيث أوقف العمل في فندق سياحي بعد أن أنفق أصحابه أربعة ملايين جنيه على منشآته حتى الآن" ( كان ذلك في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي)..     

(اللواء سعيد البلتاجي)

بدأ اللقاء في مكتب المحافظ المجاور للنيل بترحيب اللواء البلتاجي بضيوفه (وكان يظهر في الخلفية الفندق المخالف الذي أوقف المحافظ العمل به لأنه أقيم على أرض مملوكة للري في حرم النهر)، ولكن قبل أن يبدأ في شرح مبادرة "العودة للجذور" والفرص المتاحة للإستثمار في سوهاج، عاجله نجيب ساويرس بسؤال مفخخ وخبيث عن معوقات الإستثمار في محافظته.. وما إن بدأ اللواء البلتاجي في شرح المعوقات والعقبات التي يحاول جاهداً تذليلها، حتى قاطعه ساويرس بسؤال عدواني ومُستَفِز: "أومال عطلت العمل في الفندق السياحي اللي على النيل ليه"؟!.. وهنا ارتبك المحافظ وشعر بأن هناك فخاً نُصبَ له، ولكنه تمالك نفسه وأكد أن "هذا فندق مخالف ومقام في حرم النهر على أرض مملوكة لوزارة الري ولا يمكن أن أسمح ببناء مخالف".. وهنا صاح ساويرس بلهجة متعجرفة ومتعالية قائلاً: "يعني إيه مخالف.. الناس صرفت اربعة ملايين جنيه، انتو كده بتخربوا بيوتهم وتقولوا للناس اوعوا تيجوا لأننا هنوقف حالكم".. كانت اللهجة المُتعجرفة التي خاطب بها ساويرس حاكم الإقليم مثار إستغرابنا وإستيائنا، وتدخل بعض رجال الأعمال وكبار الصحفيين لتغيير الموضوع، ولكن المحافظ رد عليه بحسم متسائلاً: "يعني انت عايزني اخالف القانون، يروحوا يحلوا مشكلتهم مع وزارة الري".. وواصل ساويرس لهجته العدائية قائلاً للمحافظ: "انتو حكومة في بعض وتحلوا مشاكلكم مع بعض لكن الناس دي دفعت فلوس وما ليهاش ذنب"!!.. وكانت هذه هى المرة الأولى التي أواجه فيها الوجه الفاجر والقبيح لرأس المال وجهاً لوجه.. كان ساويرس يدافع عن مقاولين فاسدين تعمدوا إقامة الفندق على حرم النهر، وهم يدركون تماماً أن ذلك مخالف للقانون!!..

(نجيب ساويرس)

وهناك موقف سلبي آخر مُعوِق للتنمية في سوهاج تعاونت فيه عائلة ساويرس مع بارونات السياحة في الغردقة، إذ عارضوا بشدة فتح طريق مباشر بين سوهاج والغردقة بزعم أن ذلك سينقل التطرف والإرهاب من الوادي الى جنة السياحة على ساحل البحر الأحمر.. وحرض هذا اللوبي النافذ محافظ البحر الأحمر الأسبق اللواء يسري الشامي على إقناع مبارك بوقف الطريق.. (شهد عهد الشامي فساداً لم يسبق له مثيل إذ بدد أفضل أراضي الدولة على أجمل شواطيء البحر الأحمر، وقدم الكثير منها الى مبارك وأبنائه وكبار اللواءات في الجيش والداخلية ورجال القضاء وكبار الصحفيين مجاناً، أو بأسعار رمزية.. وكان معظم المحظوظين الذين يحصلون على الأراضي يتنازلون عنها في مكتب المحافظ للمقاولين وتجار الأراضي مقابل ملايين الجنيهات!!.. وقد عُرَض علي أنا شخصياً الحصول على 1500 متر مربع على شاطيء البحر دون أي مقابل إلا مصافحة المحافظ في مكتبه، ثم التوقيع على إستلام الأرض في مكتب السكرتير!!.. ورفضتُ ذلك على الفور، وقلتُ للزميل الصحفي الذي عرض علي ذلك حرفياً: " أنت تعرفني جيداً فهل ترضى لي أن اشارك في هذا الفساد الفج المجرم، وأكون مثل الصحفيين الفاسدين الذي حصلوا على أراضي مثل (م. ق.) وغيره.. يا زميلي العزيز مَن يمد يده لا يمد رجليه".. ولكن للأمانة والموضوعية، يجب أن أعترف بأن هذا العرض جاءني في عهد محافظ آخر بعد رحيل يسري الشامي، وإن كان الشامي هو مَن أسس لهذا الفساد الفاجر، لأنه كان مقرباً من مبارك واولاده وعصابتهم وكان يحظى بثقتهم وتأييدهم على طول الخط!!..

(نظيف وجمال مبارك في أحد اللقاءات)

أقول إن بارونات السياحة في الغردقة، وعلى رأسهم عائلة ساويرس مالكة قرية الجونة السياحية، وقفوا ضد فتح "طريق الأمل" (هكذا سميته في أحد مقالاتي مبرراً ذلك بأنه يحمل أمل الملايين من أبناء سوهاج في التنمية وتعمير الصحراء، واعتمد اللواء طنطاوي هذه التسمية رسمياً)، وحرضوا الشامي الذي مال على أذن مبارك أثناء زيارة له للبحر الأحمر وأسرَ له أن هذا الطريق سينقل التطرف والإرهاب من الوادي إلى الغردقة وسيقضي على السياحة تماماً!!.. ومنذ تلك الهمسة الشريرة فقد مبارك حماسه للطريق تماماً، وبناءً عليه تعطل الطريق وكاد أبناء سوهاج يفقدون الأمل في تنفيذه.. ولم تتحرك الأمور مرة أخرى، رغم الضغط المتواصل والإلحاح من جانب بعض النواب والصحفيين من أبناء سوهاج على ضرورة تنفيذ الطريق، إلا عندما زار "الوريث" جمال مبارك المحافظة ونقل له المحافظ وبعض النواب حالة اليأس والإحباط والبطالة التي تسيطر على الناس مما يهدد بعودة الإرهاب.. وكان من الطبيعي أن يتم إستئناف العمل في الطريق بعد تدخل "السيد جمال مبارك" الذي كان يدير البلد هو وأمه وشلته من كبار اللصوص والفاسدين.. ولكن تنفيذ الطريق تم بشروط بارونات السياحة والمال في الغردقة، إذ تقرر تغيير مسار الطريق ليتجه جنوباً الى سفاجا بدلاً من الغردقة.. وعادت الى أذهان الجميع ذكرى زمن غابر كان يتم فيه تغيير مسار الترع والجسور وحتى السكة الحديد حتى لا تمر في أرض عزبة أو وسية الباشا الإقطاعي!!!. 

(اللواء محمد حسن طنطاوي مع القذافي في إحدى زياراته)

أعود لزيارة وفد الصحفيين ورجال الأعمال الى سوهاج حيث توترت الأجواء نتيجة المشادة بين ساويرس والمحافظ، مما انعكس بالسلب على الزيارة بكاملها.. ولكنه انعكس بشكل كارثي على مستقبل المحافظ الذي شاء سوء حظه أن يتم تغيير وزاري عقب هذا الموقف بعدة شهور، وجاء رجل ساويرس ومساعده السابق الدكتور أحمد نظيف رئيساً للحكومة، وكان من الطبيعي أن يُقال اللواء البلتاجي من منصبه في مفاجأة من العيار الثقيل لأن الرجل لم يأخذ فرصته الكافية وخاصة أن بدايته كانت جيدة.. وحتى الآن لا يعرف اللواء البلتاجي سر إقالته، وفي كل إتصال هاتفي بيني وبينه كان الرجل يتساءل في حيرة عن السبب.. وكنتُ ومازلتُ متأكداً من أن اللواء البلتاجي هو الضحية الثانية للتصدي لفساد الحزب الوطني في سوهاج بعد اللواء طنطاوي.. وكان آخر إتصال بيني وبين اللواء البلتاجي قد تم في نفس يوم تنحي مبارك، وكنتُ قد انتهيتُ للتو من مداخلة على الهواء مباشرة مع قناة الجزيرة قلتُ فيها إن "الشعب قال كلمته وعلى مبارك أن يتنحى"، ثم تلقيتُ مكالمة البلتاجي والذي يبدو أنه كان يود مناقشتي في مضمون المداخلة، ولكن "كان وشه حلو" إذ ما كِدتُ أرد  عليه ونتبادل التحية حتى ظهر اللواء عمر سليمان على الشاشة ليعلن نهاية عصر مبارك، وانقلبت الدنيا رأساً على عقب.. ولا أذكر ماذا حدث بعد ذلك إلا أنني انطلقتُ كالمجنون الى الميدان، وكانت ليلة من أحلى ليالي العمر!!.. 
---------------------------
بقلم: أحمد طه النقر   

مقالات اخرى للكاتب

في وداع





اعلان