29 - 03 - 2024

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (8-10)

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (8-10)

*عدالة السماء تُنصف طنطاوي وتفضح عصابة الحزب الوطني

أبديتُ إنزعاجي الشديد عندما أبلغني اللواء طنطاوي بأنه طلب نقله من سوهاج، وعندما حاولتُ إقناعه بخطر هذا القرار على كل ما حققه من إنجازات، رد بحسم "هذا قراري النهائي" ثم طلب من مدير مكتبه أن يدعو بقية الوفد الصحفي للدخول، وبعد أن إعتذر لهم عن طول اللقاء معي قائلاً وهو يضحك: "أصل كان فيه حساب بيني وبين الأستاذ أحمد وكان لازم نصفيه قبل ما تشرفونا"، بدأ يشرح لهم أوضاع القرى المنكوبة وتطورات أعمال إعادة الإعمار الى أن قال: "أما عن الاوضاع في مدينة الكوثر فسوف ترونها بأنفسكم حالاً، وسوف تتأكدون أن كل الخسائر لم تتعد إنهيار سور مدرسة، وأن كل ما نشرته الاهرام كان كاذباً وبصراحة أنا مش عارف حتى الآن إزاي صحيفة كبيرة وعريقة ترتكب خطأ وخطيئة بهذا القدر"!!..

خرجنا من مكتب المحافظ وقد أمسك يدي بيده، وأصر أن أركب معه في سيارته بينما ركب بقية الزملاء في سيارة ميكروباص فخمة تابعة للعلاقات العامة، وقد حرص المحافظ أن يستأذن الزملاء قائلاً: "اسمحوا لي آخد الاستاذ أحمد في سيارتي لأن لسه فيه كلام بينا لازم نخلصه".. قال ذلك ضاحكاً قبل أن ينطلق الموكب الى الكوثر في آخر رحلة لي وله الى المعجزة التي صنعها في حضن وأعلى الجبل الشرقي، إذ تم نقل اللواء طنطاوي بعد ذلك الى الفيوم حيث بدأ ملحمة جديدة تمثلت في إنشاء منطقتين صناعيتين جديدتين في منطقة كوم أوشيم في وقت قياسي لتخرج الفيوم الى النهار، وتعود سوهاج التعيسة الى عصمة وطاويط "الحزن" الوطني!!..

(اللواء محمد حسن طنطاوي في أحد المساجد)

خرج اللواء طنطاوي أو اُجبِرَ على الخروج بمؤامرة قذرة وشريرة من عصابة الحزب الوطني، وفقدت سوهاج محافظاً استثنائياً لم يسبق له مثيل، وربما لا يلحق له مثيل.. وحُرمت المحافظة من فرصة ذهبية لن يجود بها الزمان مرة اُخرى بسهولة، لتقفز خطوات واسعة على طريق التنمية الشاملة.. فقد غير طنطاوي خريطة سوهاج ووسع مساحتها برؤية وعلم، وهى المرة الأولى التي تتغير فيها جغرافية المحافظة منذ عهد الفراعنة.. ولكن ذلك لم يُعجِب طيور الظلام واعداء النجاح وبارونات الفساد وخاصة قيادات الحزب الوطني والمتواطئين معهم.. وتركزت المؤامرة على ضرب العلاقة بين الصحافة الحرة التي تنقل الحقيقة بأمانة لوجه الله والوطن، وبين السلطة المخلصة التي تعمل بنزاهة ورؤية وإرادة.. وكان أضلاع مثلث الشر الذي تآمر للوقيعة بيني وبين المحافظ هم أمين الحزب الوطني في سوهاج،والقاضي سيء الصيت، وقريبه الموظف حامل رسالة الشيطان الذي قال للمحافظ في مظاهرة الحاجر إن كاتب هذه السطور هو الذي أبلغهم أن طنطاوي هو السبب في أن رئيس الجمهورية لم يزر سوهاج رغم زيارته لمحافظة أسيوط المجاورة!!.. ولأنه لا يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف، لم يكن من الممكن أن يُفلت هذا الثلاثي المجرم دون عقاب بعد أن أساء الى رجل صالح خدم وطنه بصدق ونزاهة، وسرق من  أهلنا في سوهاج أمل الخروج الآمن والسريع من دائرة الفقر والجهل والمرض.. وكان العقاب إلهياً وقاسياً، إذ قضت عدالة السماء أن يُفجع أمين الحزب في إبنه الأكبر، أما الموظف قريب القاضي فقد ضُبط متلبساً في قضية آداب في فضيحة مدوية!!..أما الضلع الثالث من مثلث الشر وهو القاضي، الذي أقسم على أن يحكم بين الناس بالعدل ولكنه لم يصن الامانة وسعى في الأرض بالفتنة والباطل، فإن عقابه كان آية فيها الكثير من الدروس والعِبر.. كان القاضي قد عقد صداقة مع ضابط شرطة صغير أشد منه فساداً بينما كان الأخير يرأس نقطة الشرطة في قرية القاضي الذي استخدمه في تحقيق مصالحه وإبتزاز وقهر الغلابة وخاصة من أقاربه.. وعندما رُقى الضابط ونُقل الى سوهاج توثقت العلاقة بينهما وتعددت الأعمال غير القانونية للضابط حتى تم فصله من الخدمة، ومع ذلك ظلت العلاقة قائمة بينه وبين القاضي الذي فتح له بيته وسمح له بدخوله حتى في غيابه.. وذات مرة أخذ الضابط مسدس القاضي من زوجته وارتكب به جريمة قتل بدافع السرقة.. فقد قتل سائق سيارة نقل تابعة لشركة شاي مشهورة بغرض الإستيلاء علي ما لديه من نقود.. اهتزت المحافظة والهيئة القضائية والشرطة للجريمة البشعة التي ارتكبها ضابط شرطة بمسدس رجل قضاء، وقُبض على الضابط وتمت محاكمته وإدانته وإعدامه في وقت لاحق، ورُفع أمر القاضي الى النائب العام رجاء العربي الذي إستدعاه وأجبره على الاستقالة حتى لا يُضطر الى إحالته للصلاحية، ورغم الفضيحة والعار الذي لحق بالقاضي إلا انه لم يعتبر ومازال يسعى بالأذى ناسياً أو متناسياً أن لكل ظالم نهاية!!.. وأنا لا أذكر نهاية العصابة على سبيل التشفي، لا سمح الله، ولكن لأن فيها عِبرة لمن يعتبر ولأنها جزء أصيل من الحكاية التي تعهدتُ بروايتها كما حدثت بأمانة وتجرد!!..

(المخيم السياحي في مدينة الكوثر)

بقى أن أقول إنه بعد رحيل طنطاوي جاء محافظ جديد (لواء شرطة أيضاً) لا يشبهه في شيء، بل يبدو انه درس تجربته جيداً وقرر الذهاب في الإتجاه المعاكس.. كان الرجل في البداية متحمساً لاستكمال ملحمة الجبل الشرقي ومشروعاتها المتعددة التي تركها طنطاوي في طور الإنشاء.. ولكن، وكما يحدث مع كل الفراعين، جاء كهنة المعبد وعصابة الحزب التي كانت حريصة على وأد حلم طنطاوي وإهالة التراب عليه في الجبل الشرقي بعد التخلص من صاحبه، ليهمسوا في أذن المحافظ الجديد بأن أى جهد سيبذله وأى إنجاز سيحققه في الشرق، سوف يُنسب الى طنطاوي مؤسس المشروع، أما إذا كان يريد أن يصنع له إسماً ومجداً خاصاً به فعليه أن يبدأ ملحمته الخاصة في الجبل الغربي!!.. وقد كان.

أدار الرجل ظهره للشرق ونقل مشروع المطار الى الغرب بعد أن كانت وزارة الطيران قد حددت موقعه بالفعل وأجرت مجساته فوق الجبل الشرقي.. وللأسف الشديد اُقيم المطار في سفح الجبل الغربي على أراضِ مستصلحة ومزروعة تم إنتزاعها قسراً وظلماً من فلاحين وضعوا يدهم عليها وشرعوا في تقنينها  بعد زراعتها!!.. ولكنه العِند الذي يولد الكفر!!.. غير أنني يجب أن أعترف بأنه رغم تدمير هذه المساحة الكبيرة من الأراضي المزروعة ، إلا أن سوهاج كسبت منطقة عمران وتنمية جديدة إذ اُقيمت في الغرب مدينة سوهاج الجديدة والجامعة فضلاً عن المطار.

وكان من الطبيعي بعد الإتجاه الى الغرب أن تدخل تجربة طنطاوي في الشرق دائرة الإهمال!!.. هذا الحلم العملاق الذي كان يشمل مدينة الكوثر ومنطقتها الصناعية فضلاً عن إقامة مدينة لإنتاح الحرير الطبيعي تتضمن زراعة أشجار التوت التي يتغذى عليها دود القز الذي ينتج خيوط الحرير بدلاً من استيرادها من الصين (تم بالفعل زراعة مساحة فدانين بأشجار التوت وإقامة عنبر للأنوال اليدوية التي وزعت على عمال مهرة لنسج الحرير)، وذلك لإحياء صناعة الحرير الطبيعي التي اشتهرت بها أخميم حتى لُقبت ب"مانشستر ما قبل التاريخ"..
--------------------------
بقلم: أحمد طه النقر

مقالات اخرى للكاتب

في وداع





اعلان