25 - 04 - 2024

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (7-10)

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (7-10)

* عندما قلتُ للمحافظ: الصحفي المحترم أهم من الوزير ورئيس الجمهورية

قلتُ في المقال السابق إنه ما إن بدأت جلسة المصالحة مع اللواء طنطاوي في مكتبه، حتى بادرني بسؤال بدا لي غريباً وخاصة أنه ألقى السؤال بطريقة فيها الكثير من المرارة والقنوط..قال "ليه يا أستاذ أحمد أبناء سوهاج بيكرهوني رغم كل اللي عملته عشانهم لدرجة إني اديتهم عين من عنيا الاتنين"؟! (كان اللواء طنطاوي قد اجرى بالفعل جراحتين في إحدى عينيه نتيجة تواجده الدائم وسط التراب وبين العمال الذين كانوا ينفذون ملحمة الجبل الشرقي)، فأجبته من فوري "هذا كلام غير صحيح .. الغالبية الساحقة من أبناء سوهاج بيحبوك ويحترموك ومقدرين اللي حضرتك حققته لبلدهم..اللي بيكرهك يا سيادة المحافظ شلة من الفاسدين والمرتشين، وانت تعرفهم جيداً، كانوا يعيثون في البلد فساداً فقطعت عليهم كل الطرق.. يعني اللي كان يكسب له مليون في السنة من الفساد اللي بترعاه عصابة الحزب الوطني، انت حرمته منه.. وبما انك ليك في هذا المنصب حوالي خمس سنين فدا معناه إنك ضيعت على كل واحد من الحرامية الكبار خمسة ملايين جنيه، فلازم يكرهوك ويكرهوا اليوم اللي جيت فيه سوهاج"!!..

بدت علامات الارتياح واضحة على ملامح الرجل، وبدا أن كلامي الواثق والصريح رفع معنوياته فاسترخى في جلسته وواصل الكلام بهدوء وود ولكن بمرارة واضحة "عارف يا أستاذ أحمد أنا قبل ما آجي محافظ في بلدكم كنت مدير أمن الدولة في محافظة الغربية وكان دخلي الشهري 85 ألف جنيه، ولما تعينت محافظ.. عارف مرتبي بقى كام..المرتب ألأساسي 1200 جنيه زائد عشرة آلاف من رئاسة الجمهورية.. ومع ذلك أنا راضي ومبسوط بفلوسي الحلال.. أنا يا أستاذ أحمد الوحيد من زملائي اللواءات الكبار في الداخلية اللي ما خدتش ولا حاجة .. لا أراضي ولا فلل ولا شاليهات في الساحل أو الغردقة.. يعني ما عملتش لعيالي أي حاجة ومش هسيب لهم أي حاجة.. وانت عارف طبعا اني عندي بنت واحدة متزوجة وولد واحد ضابط في أمن الدولة اسمه حسن"..

حسن محمد حسن طنطاوي نجل محافظ سوهاج الاسبق

(كنت أعرف عن نزاهة اللواء طنطاوي الكثير.. وحتى عندما وصل الى استراحة المحافظة ووجد ثلاجتها مملوءة عن آخرها بما لذ وطاب أمر الموظفين بإفراغ الثلاجة من محتوياتها وتوزيعها على عمال المحافظة وأعطاهم نقودا من جيبه كي يشتروا طلباته على حسابه الخاص، وسمعتُ بعد ذلك أن هذا الموقف الذي انتشر بين الجميع، أصاب عصابة الحزب الوطني بالصدمة والغضب لأنهم أدركوا أنهم أمام رجل نزيه ونظيف سيتعبهم تماماً، وأن ممارساتهم الفاسدة لن تمر بسهولة من الآن فصاعداً.. كذلك حكى لي مصدر موثوق أن مرتب اللواء طنطاوي نقص مبلغ 200 جنيه عندما انتقل من سوهاج الى الفيوم بناءً على طلبه، وأن هذا العجز في دخله دفعه لعقد إجتماع طاريء لأسرته الصغيرة لبحث كيفية تسيير ميزانية البيت بما يتماشى مع ذلك العجز)!!.

قلتُ للمحافظ، وقد زاد تعاطفي معه، " ممكن تكون ما سيبتش لاولادك ثروة وعقارات زي ما بتقول، ودي حاجات معظمها حرام وإستغلال نفوذ، بس سيبت لهم الأهم والأبقى.. سيبت السمعة الحسنة والسيرة الطيبة والأعمال اللي هيذكرك بيها التاريخ"، فرد علي مُستَفَزَاً "ومين هيكتب التاريخ يا أستاذ أحمد"؟!.. ووجدتُ نفسي أرد بقوة وحسم قائلاً "أنا اللي هكتب التاريخ، وزي ما كتبت عنك هكتب تاني وتالت، وهتيجي ناس بعد مئات وآلاف السنين تقراه وتقول إن اللواء طنطاوي عمل ملحمة في سوهاج، أما زملاؤك من آكلي المال الحرام فلن تُذكر أسماؤهم إلا مقرونة بأعمالهم.. هذا عن جزائك في الدنيا، أما في الآخرة فأنت رجل مؤمن وصالح والمؤكد أن ثوابك سيكون عظيماً عند مَن لا تضيع عنده الأعمال الصالحات".. وقد وفيتُ بوعدي تماماً إذ لم يحدث أن كتبتُ مقالاً عن سوهاج أو الصعيد عموماً إلا ذكرته فيه بما يستحق.. وكنتُ أحرص على الإتصال باللواء طنطاوي ليقرأ ما أكتبه فيشكرني مُردداً في كل مرة: "شكراً يا استاذ أحمد ، طول عمرك أصيل وإبن ناس"..

طالت جلسة المصالحة وتصفية الأجواء بيني وبين المحافظ حتى استغرقت نحو ثلاثة أرباع الساعة لدرجة أن بعض الزملاء شعروا بالإستياء والضجر من طول الإنتظار، وهو ما تطلب أن أعتذر لهم أكثر من مرة، وقد تفهموا الأمر عندما أعطيتهم فكرة مختصرة عن مؤامرة عصابة الحزب الوطني ضدي.. ولكني تعمدتُ ألا أدع هذه الجلسة التاريخية تنتهي دون تفنيد الأكاذيب التي روجتها العصابة عني لتشويهي لدى الرجل.. قلتُ له: "على فكرة أنا عرفت كل اللي قالوه عني.. قالوا لك إني عاوز أبقى نقيب صحفيين وهذا أمر لم يخطر في بالي، وإن كان من حقي ولا يُضيرني في شيء، لكن أقصى ما طمحتُ اليه هو عضوية مجلس النقابة ودخلتُ التجربة مرتين ولم أوفق ولكني خرجتُ من  المعركة مرفوع الرأس وحائزاً لتقدير واحترام كل زملائي لأني رفعت شعاراً مهنياً مبدئياً يُعلي المباديء على الخدمات وهو (الحرية قبل الخبز)، وحضرتك عارف إن دا طبعاً ما يكسبش الإنتخابات "!!.. وأضفتُ: "وقالوا لك أيضاً إني عايز أعمل أخي عمدة.. على فكرة يا ريس العمودية فضلت في عيلتنا 75 سنة لدرجة إنهم شبهونا بالإستعمار الإنجليزي.. واحنا لو عايزين العمودية كنا رجعناها من زمان قبل ما تيجي حضرتك، ولكنها لم تجلب للعيلة سوى وجع الدماغ والخسائر المادية وكراهية الناس، وحضرتك تعرف أكثر مني أن الناس تكره السلطة وخاصة عندما يطول أمدها"..

ضحك المحافظ لأنه أدرك أن في كلامي إسقاطاً على حكم مبارك، ثم واصلتُ حديثي قائلاً: " وأخيراً قالوا لك إني عايز أبقى عضو مجلس شعب.. وأعتقد أنك تعرفني جيداً ولا ترضى لي، ولا أرضى لنفسي بالطبع، أن أكون واحداً من النواب الدلاديل المهزئين الذين لا تتوقف عن تحقيرهم أمامي كلما دخلوا عليك لتخليص مصالحهم"!!.. وختمتُ مرافعتي بالقول:" يا سيادة المحافظ .. الصحفي النزيه المحترم واللي بيحترم قلمه، أهم من عضو مجلس الشعب، بل أهم من الوزير ورئيس الجمهورية كمان، وإنت شفت بنفسك الموقف العظيم اللي عمله رياض سيف النصر".. أومأ المحافظ برأسه مؤمناً على كلامي قائلاً: " عندك حق .. رياض شخص محترم جدا وهو بيحبك ويحترمك جدا، وكان له دور في كشف المؤامرة التي عملوها عشان يبعدوني عن سوهاج، وعلى فكرة اللي حاولوا تشويهك كان فيهم إبن عمك عميد كلية التربية!!.. أجبته على الفور: "ليس إبن عمي..هو بلدياتي ومن نفس القبيلة وأي حد من القبيلة يبقى إبن عم حتى لو في محافظة تانية"!!..

صمت المحافظ فترة ثم فاجأني بقوله: "بس لعلمك ،وإنت أول واحد يعرف الكلام ده، أنا طلبت نقلي لأني تعبت وصحتي ما عادتشي تستحمل".. قلتُ له "هذا كلام يؤسفني ويحزنني وأرجو أن تعيد التفكير فيه لأن الصعيد وسوهاج بالذات في حاجة للبنائين الشرفاء أمثالك، وإلا فإن المحافظة ستعود حظيرة للفساد ترتع فيها عصابة الحزب، كما كانت قبل مجيئك"..
---------------------------
بقلم: أحمد طه النقر

مقالات اخرى للكاتب

في وداع





اعلان