28 - 03 - 2024

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (6- 10)

حكايتي مع اللواء طنطاوي وعصابة الحزب الوطني.. ملحمة الجبل الشرقي في سوهاج (6- 10)

*مُرافعة رياض التاريخية في مكتب المحافظ 

أغلقت صفحة سوهاج وكارثة السيول، ولكني واصلتُ متابعة جهود إعادة الإعمار في القرى المنكوبة عموماً وفي قريتي على وجه الخصوص.. ثم سافرتُ في مهمة صحفية الى سوريا لمدة أسبوع، وبعد عودتي هاتفني الاستاذ رياض سيف النصر ليسألني عن أحوال سوهاج، ففاجأته بالقول "مش عايز اسمع إسم سوهاج ولا سيرتها وبحاول أنساها".. فوجيء بردي وسألني منزعجاً: "إيه اللي حصل ..إحكيلي بالتفصيل لأني رايح سوهاج بكره مع وزير الإدارة المحلية الدكتور محمود الشريف عشان يتفقد عمليات إعادة الإعمار".. ولما إنتهيتُ من سرد ما حدث، حاول تهدئتي وتطييب خاطري، ثم سألني: "وتفتكر مين اللي وقع بينكم"؟، فقلتُ: "ليس لدى معلومات مؤكدة ولكن لدى شكوك في عصابة الحزب الوطني" (لم يكن قد وصل الى علمي تفاصيل المؤامرة كما عرفتها بعد ذلك).. وانتهت المكالمة بأن تمنيتُ له رحلة موفقة الى سوهاج، وإتقفنا على التواصل بعد عودته الى القاهرة.

(مع رياض سيف النصر في دوار العائلة بسوهاج)

ذهب الاستاذ رياض الى سوهاج رفقة وزير الإدارة المحلية.. وفي مكتب المحافظ كان كبار المسئولين، وعلى رأسهم الوزير والمحافظ، يستعدون لمغادرة مبنى المحافظة للتوجه الى القرى المنكوبة لتفقد آثار السيول وتطور أعمال إعادة الإعمار، ولكن رياض سيف النصر فاجأ الجميع بتوجيه سؤال غاضب الى المحافظ اللواء طنطاوي: "إنت مزعل أحمد طه النقر ليه يا سيادة المحافظ"؟!!.. أصيب الجميع بالذهول وارتبك المحافظ للغاية ولكنه سارع بالرد: " مفيش زعل إن شاء الله ..أحمد دا صديقي وزي ابني أو أخي الصغير، وهو راجل محترم وابن ناس وانا بحبه جداً".. فقال رياض "على فكرة احنا ما سمعناش عن سوهاج ولا عنك واللي بتعمله في المحافظة، إلا من أحمد النقر.. وهو اللي عملك إسم وكان يتصل بكبار الصحفيين عشان ييجوا سوهاج ويكتبوا عن تجربتك.. وأنا أعرف قد إيه دا كلفه من الجهد والوقت والمال.. وعلى فكرة لولا سمعة أحمد واحترام الزملاء له سواء بسبب نشاطه النقابي أو كتاباته المتميزة، ما كان حد صدق اللي كتبه عن تجربتك".. كل ذلك والجميع وقوف في انتظار تحرك الموكب بينما سيطر عليهم الذهول بسبب اللهجة الحادة التي كان يلوم بها رياض المحافظ ويؤنبه، بينما كان اللواء طنطاوي في موقف لا يُحسد عليه ويشعر بالكثير من الحرج وخاصة أن هذا الموقف حدث أمام الوزير الدكتور محمود الشريف وكبار المسئولين في الوزارة والمحافظة!!.. وهنا رد المحافظ على رياض بلهجة مستعطفة قائلاً: "صدقني يا رياض بيه أحمد زي الفل وانا هصالحه وأكلمه ".. فقال رياض بإصرار وحزم: "خلاص اطلبه حالاً وصالحه".. زاد ارتباك المحافظ وقال: "أوعدك إني هكلمه بمجرد عودتنا من الجولة، عشان محمود بيه (يقصد الوزير محمود الشريف) واقف وما يصحش".. فقال رياض بتحدِ وحسم "محمود بيه مش هيتحرك من هنا، وما حدش هيتحرك إلا لما تطلب أحمد النقر وتصالحه".. وأمام إصرار رياض، رضخ المحافظ وطلب من مديرة العلاقات العامة (صديقة أمين الحزب) أن تطلبني على التليفون فوراً، فأخذت تتململ وتدور حول نفسها لأن أكره ما تكرهه هى وأمين الحزب أن تعود المياه الى مجاريها بيني وبين المحافظ.. تباطأت المديرة متعمدة فنهرها المحافظ، وأمرها بأن تخرج وتستدعي له مدير مكتبه.

جاء مدير المكتب وطلبني في البيت فقالت له المدام إنني في "الأخبار"، وعندما رفعت سماعة الهاتف في المكتب، جاء صوت مدير مكتب المحافظ ليقول لي بعد التحية "سيادة المحافظ معاك"!!..ارتبكتُ وأخذتني المفاجأة ولكن قبل أن يصدر عني أي رد فعل، باغتني صوت المحافظ على الطرف الآخر بشوشاً ودوداً كما كان قبل القطيعة..قال.."إزيك يا استاذ أحمد وازي الأولاد والمدام..انا باكلمك عشان ما تكونشي زعلان مني ..وانت راجل محترم وزي الفل وانا مستنيك تيجي تزورني ومعاك وفد صحفي كمان".. قلتُ له بعد أن أفقت من دهشتي: "انا مش ممكن أزعل منك يا سيادة المحافظ ..المهم تكون عرفت أبعاد المؤامرة اللي اتعملت للوقيعة بيننا ، وكمان يكون الوزير محمود الشريف عرف الحقيقة" ( كان الوزير قد صرح للإذاعة بينما كان يتفقد نجع العزبة التابع لقريتنا ، وكانت العصابة قد وجهته الى هناك بعد الأزمة التي أعقبت مظاهرة الحاجر، بقوله ..الأمور على خير ما يُرام وإحنا عرفنا ان كل اللي حصل وراه صحفي من البلد دي!!.. وكان يقصدني بطبيعة الحال).. أجابني المحافظ  قائلاً " أنا عرفت كل حاجة وكمان محمود بيه عرف وهو واقف قدامي أهه ورياض بيه سيف النصر شرحه له كل حاجة.. المهم انك تكون كويس ومش زعلان وتيجي تزورني وتزور بلدك في أقرب وقت".. وانتهت المكالمة بأن شكرتُ المحافظ ووعدته بالزيارة مع وفد صحفي في أقرب وقت (كان المحافظ قد أجرى تحقيقاً داخلياً وتوصل الى أن من طعنه من الخلف وخانه هو مستشاره العلمي الذي تطوع، بإيعاز من أمين الحزب الوطني، بإبلاغ مندوب الأهرام بأكذوبة غرق منطقة الكوثر، وهى الحقيقة التي صدمت المحافظ وأصابته بالإحباط وكانت سبباً رئيسياً وراء قراره بطلب نقله من سوهاج)!!..

(اللواء محمد حسن طنطاوي بزي الشرطة)

كانت مُرافعة رياض دفاعاً عني حاسمة في تبرئتي وفضح مؤامرة عصابة الحزب الوطني، وذلك موقف لا يجرؤ على إتخاذه بهذه الجسارة والقوة إلا صحفي نزيه يحترم نفسه وقلمه فيفرض إحترامه على الجميع.. تفاصيل المواجهة العاصفة التي دارت في مكتب المحافظ، عرفتها من أكثر من مصدر، ولم يبلغني بها رياض إلا على مضض وبعد أن ألححتُ عليه أكثر من مرة، وجاء كلامه مطابقاً ومؤكداً لما بلغني من المصادر الأخرى.. والمؤكد أن كل مفردات اللغة ليست كافية للتعبير عن شكري وامتناني لرياض سيف النصر.

بعد هذه المواجهة العاصفة بنحو أسبوعين، بادرتُ بتنفيذ وعدي للمحافظ وشكلتُ وفداً صحفياً وتوجهنا الى سوهاج، وبمجرد دخول المحافظة أُصيب جميع الموظفين بالذهول عندما رأوني أقود الوفد متوجهاً الى مكتب المحافظ .. تسمروا في أماكنهم وكأن على رؤوسهم الطير.. إرتبكوا ولم يعرفوا هل يحيونني بحرارة وحماس كما كان دأبهم معي على الدوام، أم يتجاهلونني وخاصة أنهم علموا بتوتر علاقتي مع المحافظ.

كنتُ أعرف أن المحافظ يحبني جداً وأنه في قلبه وأعماقه لم يكن يصدق أن الشخص الذي قاد حملة إعلامية جعلته ملء السمع والبصر دون أي مصلحة شخصية، يمكن أن يتورط في إلحاق الضرر به رغم المؤامرة المحبوكة التي دبرتها العصابة بمشاركة أشخاص قالوا للمحافظ إنهم أبناء عمومتي.. حين علم المحافظ بوصولنا طلب أن أدخل لوحدي أولاً .. وأدركتُ أنه يريد تصفية الأجواء بيننا تماماً قبل إستقباله للوفد.. دخلتُ عليه ففوجئتُ بشخص آخر غير الذي أعرفه.. كان يبدو يائساً ومحطماً ومكسوراً وخُيلَ لي أنه تقدم في السن عشرين عاماً على الأقل.. سلمتُ عليه بتحفظ وليس بالأحضان وبحرارة كما كانت عادتنا، وما أن جلستُ أمامه حتى بادرني بسؤال بدا لي غريباً وخاصة أنه ألقى السؤال بطريقة فيها الكثير من المرارة والقنوط.. قال: "ليه يا أستاذ أحمد أبناء سوهاج بيكرهوني رغم كل اللي عملته عشانهم لدرجة إني اديتهم عين من عنيا الاتنين"؟!
------------------------------
بقلم: أحمد طه النقر

مقالات اخرى للكاتب

في وداع





اعلان