27 - 04 - 2024

هل تتحقق نبوءة زوال اسرائيل؟.. مسلسلا atanomia -unorthodox نموذجان لتفكك مجتمع الاحتلال

هل تتحقق نبوءة زوال اسرائيل؟.. مسلسلا atanomia -unorthodox  نموذجان لتفكك مجتمع الاحتلال

تزامنا مع تصاعد  الاصولية الدينية داخل اسرائيل :
المسلسلات اليهودية تتحول الى ساحة للصراع على الهوية داخل المجتمع الاسرائيلي.

"هل إسرائيل الى زوال ؟!" كما يتوقع عدد من الكتاب آخرهم الكاتب الصحفى أحمد المسلمانى فى كتابه "مابعد اسرائيل" والذى تحدث فيه عن مرحلة ما بعد الصهيونية، نتيجة زيادة اعداد التيار اليمينى المتطرف داخل اسرائيل حيث لايتعلمون الا العلوم الدينية ولا علم لهم بالعلوم الدنيوية كالفيزياءؤ والكيمياء ولايدخلون الجيش ولايشاركون فى التنمية من خلال العمل فى المصانع والشركات والخدمات، كما يرفضون مشاركة المرأة اليهودية فى شتى مناحى الحياه....هذا ما وصل لى من شعور وانا اتابع مسلسلين اسرائيليين عن حقيقة التيار الدينى المتشدد داخل اسرائيل وهما مسلسل  autonomia  حكم ذاتى الذى عرضت منه اربع حلقات فقط، وفى انتظار عرض بقية الحلقات وايضا مسلسل unorthodox  ضد الارثوذكسية المأخوذ عن رواية للأديبة الاسرائيلية "ديبورا فيلدمان " التى كانت تنتمى للطائفة الحريدية وقد عانت الاضطهاد والقهر داخل تلك الجماعات الأصولية بسبب نظرتهم الدونية  للمرأة على انها خلقت لامتاع الرجل ووظفت لتكون وعاء لإنجاب الأطفال فقط .

وبالرغم من أن الدراما الاسرائيلية ظلت تركز على اظهار المجتمع الاسرائيلى فى حالة من التماسك ضد الفلسطينى المتوحش من وجهة نظر الاسرائيليين تماشيا مع مشروع تيودور هيرتزل الصهيونى، الذى أقيمت عليه اساسه دولة اسرائيل على أنقاض أرض فلسطين الحبيبة، إلا أن الدراما الإسرائيلية اتجهت مؤخرا  الى عمل مسلسلات درامية تبرز الصراع على الهوية فى أبشع صوره داخل المجتمع اليهودى فى إسرائيل، وذلك بين التيارين العلمانى والأصولي اليمينى المتشدد.

تدور احداث مسلسل autonomia حول  أسرة علمانية مكونة من أب وأم وطفلة فى الخامسة من عمرها، وأسرة أخرى متشددة دينيا مكونة من أب وأم وعدد كبير من الأطفال، وفجأة وبعد مرور نحو خمسة سنوات تظهر إحدى الممرضات لتخبر الأسرة المتدينة أن ابنتهم التى ولدت منذ خمس سنوات ميتة على حد زعمها لا تزال على قيد الحياة، وأنها تعيش مع أسرة أخرى علمانية ماتت طفلتهم، وقد اتضح بالفعل بعد اجراء تحليل DNA أن الطفلة تنتمى للاسرة المتدينة، وهنا يحدث الصراع حيث تحاول الأسرة العلمانية الهروب بالفتاة، إلا أن سلطات الأمن فى المطار تحول دون ذلك، فترفع الأسرة المتدينة دعوى قضائية لاسترداد ابنتها، إلا أن القضاء الاسرائيلى يحكم ببقاء الطفلة مع أبويها العلمانيين حفاظا على نفسية الطفلة التى عاشت مع اسرتهما العلمانية وتعودت عليها. ولا ينتهى الصراع عند هذا الحد فتحاول الأسرة المتدينة خطف الطفلة .

وهنا يحاول المسلسل أن يعمل إسقاطا على حالة الصراع على الهوية والتفكك  التى يعيشها المجتمع الإسرائيلي، فالفتاه الصغيرة ماهى إلا اسرائيل التى يتنازع على هويتها كلا التيارين العلمانى المدنى غير المتدين والتيار الدينى المتشدد الارثودكسى، خاصة مع وجود مخاوف لدى التيار المدنى من صعود وهيمنة ذلك التيار  المتشدد ،حيث من المتوقع زيادة تعداده أضعاف تعداد التيار العلمانى المفكك أسريا، والذى ترتفع فيه معدلات الطلاق ويكتفى بعدد قليل من الاطفال بعكس التيار الدينى المتماسك اسريا وتقل فيه معدلات الطلاق ويفضل إنجاب عدد كبير من الأطفال. كما يرى المسلسلان أن حسم هذا الصراع فى ان تحكم إسرائيل القوانين المدنية وليست بتطبيق الشريعة وممارسة الطقوس اليهودية المتشددة كما وردت فى التوراه.

كما يعكس المسلسلان حالة الشيزوفرينيا التى يعيشها افراد تلك المجتمعات اليمينية المتشددة، فهم فى الظاهر يتمسكون بالطقوس والعادات والتقاليد اليهودية بينما فى الخفاء إذا سنحت لهم  الفرصة يضربون بها عرض الحائط، كما ظهر من سلوك ابن عم زوج" استر" الذى كلفه الحاخام اليهودى بالبحث عنها لإعادتها إلى مجتمعها المتشدد، فما ان ترك مجتمعه الحسيدى حتى تحول الى انسان مقامر يشرب الخمر، وكما بدر من " ايوردة " فى مسسل autonomia الذى يعيش حياة مزدوجة خشية نبذ مجتمعه المتشدد له..

ومن الجدير بالذكر مدى قوة الاصولية الدينية داخل المجتمع الصهيوني، ففى اسرائيل أحزاب وجماعات دينية وأشخاص مهووسون يمارسون العنف الدينى ضد اليهود العلمانيين، كما يذكر أحمد المسلمانى فى كتابه مابعد إسرائيل، حيث سبق وان وافق الكنيست بشكل مبدئى على تشريع يقضى بسجن النساء اليهوديات اللاتى يصلين عند حائط المبكى بالقدس. أو يقرأن بصوت عال من التوراه عند حائط المبكى، كما اصدر حاخام بلدية "بنى براك " فتوى بمنع النساء من الاختلاط بعربات المواصلات العامة ومطاردة النساء المتبرجات وضربهن، كما دعا أحد الملصقات الى قتل كل متبرجة في إسرائيل. وبالتالى إلى تحالف الجهل مع ضيق الأفق بصورة تقاوم قيم العقلانية والتنوير فالتراث الدينى والممارسات القائمة ممن ينتمون للاصولية الدينية فى إسرائيل تقف على النقيض من عصر العقل وقيم الحداثة.

لقد انتقد مسلسل autonomia طريقة حياه اليهود المتدينين، حيث ورد على لسان "ايوردة " الذى يقوم بتهريب لحم الخنزير والخمور أنه يريد ان يعيش حرا كانسان رافضا القيود التى تفرضها عليه الطائفة المتشددة. كما انتقد ايضا افكار اليهود حول تحريم الموسيقى لدرجة أنه عندما  توفى أحد الموسيقيين اليهود وحيدا بعد ان نبذته عشيرته لطبيعة عمله كموسيقار مما اضطر زوجته للاتصال باحد ابناء تلك الطائفة سرا حتى تتمكن  من دفن جثمان زوجها الموسيقار  طبقا للشعائر اليهودية.

نفس الفكرة تناولها مسلسل unorthodox المأخوذ عن رواية الكاتبة اليهودية ديبورا فيلدمان تحت عنوان "غير ملتزمة قصة رفضى الفضائحى لجذورى الحسيدية " والتى تروى سيرتها الذاتية وقصة هروبها من مجتمعها الحسيدى المتطرف وعاداته وتقاليده الصارمة، وهو المسلسل الذى قامت بتأليفه آنا وينجر وأليكسا كارولينسكى ومن اخراج ماريا شريدر.

ومن يريد التعرف على مجتمع الحسيدى الذى يتناوله مسلسل unorthodox فهو مجتمع منغلق يوجد فى  نيويورك وتكون عبر هجرة العديد من اليهود بعد الحرب العالمية الثانية، وقد حرص أفراده على ألا يندمجوا فى المجتمع الامريكى خشية الذوبان فيه، وهناك جزء من هذا المجتمع هاجر إلى إسرائيل ويقطن حاليا فى المستوطنات الاسرائيلية.

ولو تتبعنا مدى قسوة  الحياه التى تعيشها تلك الجماعات الدينية اليهودية المتشددة بالنسبة للرجال اليهود بصفة عامة والنساء بصفة خاصة، سنجد أن تلك الحياه المتشددة ادت الى هروب بطلة المسلسل من تلك المجتمعات الدينية، فالمجتمع الذى نشأت فيه الفتاه "استر" يضع القواعد الصارمة لكى لايندمج مع بقية المجتمعات، ويحافظ أفراده على ملابسهم التقليدية وقبعاتهم المصنوعة من فراء الحيوانات ويؤسسون مدارسهم الخاصة التى يدرس فيها الاطفال تعاليم التوراه والتلمود باللغة اليديشية ويلزمون كل الرجال بقصة الشعر الخاصة بالأسلاف، بينما ألزموا النساء المتزوجات بقص شعرهن وارتداء الشعر المستعار والملابس المحتشمة كما ينبذون ويرهبون كل من يحاول ترك المجتمع، ويحرمون استعمال الانترنت والهواتف الذكية والحاسبات الآلية خوفا على ابنائهم من العلمانية وترك مجتمعاتهم.وبالرغم من قسوة تلك الحياه الا ان معظم من يحاول تركهم لايتعدى 2% خوفا من نبذه .

وتتصاعد احداث مسلسلى unorthodox – autonomia ضد الأصولية اليهودية لصالح العلمانية، فها هي " استير" بطلة مسلسل unorthodox تهرب من مجتمعها الأرثودكسى بقيوده الصارمة ضد المرأة لتمارس الغناء وتتعلم الموسيقى التى حرمها منها مجتمعها المتشدد، وكذلك الاسرة العلمانية فى مسلسل     autonomia تحاول الهروب بابنتهما بعيدا عن أعين الحاخام والضغوط التى يمارسها من أجل استرداد الطفلة. 

تناول المسلسلان مسألة الحرية الشخصية والأنا التى تنكرها تلك المجتمعات الاصولية داخل اسرائيل أو خارجها، حيث تستخدم أساليب النبذ والاجبار والتهديد لمن يحاول الهروب والتنصل منها. الا أن المسلسلين يريان أن حل تلك المعضلة فى  التمرد ورفض تلك الافكار المتشددة فى التلمود، مثلما عبرت عنه بطلة مسلسل unorthodox بالهروب من مجتمعها بحثا عن ذاتها، ورافضة أن تكون مجرد وعاء لانجاب الاطفال.

تلك المطاردة فى المسلسلين وهروب الأسرتين هو انعكاس أيضا لما يحدث للعلمانيين فى المجتمع الاسرائيلى على أرض الواقع من جراء صعود الأصولية اليهودية داخل اسرائيل، فالعلمانيون فى إسرائيل يخشون على أنفسهم وحياتهم من جراء المد الأصولى، إذ أن الاصوليين -كما ورد فى كتاب مابعد اسرائيل _يرون أنه بعد الانتهاء من فرض آرائهم على مدينة القدس سيتحولون إلى تل ابيب من اجل اعادتها الى الصواب والصراط المستقيم، لأن 90 %من سكانها علمانيون كما يعتبرونها مدينة الخطيئة والفاحشة التى حل غضب الرب عليها وجعل عاليها سافلها. الأمر الذى يدعو للتساؤل: ما هو مستقبل إسرائيل لو تمت هيمنة مثل تلك الأصولية اليهودية كما تصورها المسلسلات  الدرامية الاسرائيلية من تشدد، وهو ما سبق أن أشار اليه الروائى كانويك انه عندما انقسم اليهود تلاشت حوالى 10 قبائل وأضحت فى عالم الغيب.

ويعد الصراع على الهوية بين الفكر  الأصولى والفكر العلمانى داخل اسرائيل - كما ظهر فى احداث المسلسلين  الاسرائيليين - حلقة أخرى من الصراع بين الدين والعقل  فى الفلسفة اليهودية، فقد سبق ان حصر الفلاسفة اليهود  الأمر فى الدين بعيدا عن العقل مثل الفيلسوف اليهودى "موسى ابن ميمون "الذى عظم مكانة التلمود فى أصول الديانة اليهودية، بعكس فلاسفة إعمال العقل على رأسهم الفيلسوف اليهودى "اسبينوزا "  الذين فندوا التوراه ورفضوا الدين، إلى ان جاءت الصهيونية فجمعت بين دين اليهود ودنياهم كما يقول أحمد المسلمانى فى كتابه... فالحاخامات اليهود فى كلا المسلسلين  يتمسكون بتعاليم التلمود المليئة بالخرافات والتناقضات التى  تتعارض مع المنطق، بعكس أنصار الفكر العلمانى ومنهم البطلة استير ووالدتها واللتين تمثلان التيار العلمانى فى مسلسل unorthodox برفضهما  تلك التعاليم والممارسات المتشددة البعيدة عن العقل وكذلك"ايوردة "بطل مسلسل autonomia المتمرد على شكل الحياه داخل تلك المجتمعات المتشددة.

وأخيرا، ما الذى يمكن حدوثه لإسرائيل إذا تنامى وهيمن هذا التيار اليمينى المتشدد داخلها ... ما الذى يمكن حدوثه اذا زاد تعداد هذا التيار الاصولى البعيد تماما عن شتى مجالات العلم والتكنولوجيا كما صوره المسلسلان الاسرائيليان مقارنة ببقية السكان داخل اسرائيل، إذ يكتفون بممارسة العبادات فقط رافضين الالتحاق بالجيش .ماذا سيحدث اذا هيمن هذا التيار واطبق سيطرته على شتى مناحى الحياه داخل اسرائيل..فى اعتقادى أن ذلك كاف ليكون بداية الطريق لزوال دولة إسرائيل.
--------------------------
رؤية : هدى مكاوى

مقالات اخرى للكاتب

قاتل الأنبا أرسانيوس بالاسكندرية ليس مختلا عقليا





اعلان