قال حسن إسميك، رئيس مجلس أمناء مركز ستراتيجكس للدراسات والأبحاث، إن ثمة قادة انتشر في الأفاق طيب ذكرهم بسبب نزوعهم الإنساني الذي يتجاوز حدود السياسات والدول، مشيراً إلى شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عرفه منذ أكثر من عشرين سنة كقائد عربي ملهم، وشخصية إنسانية عظيمة، منوهاً لحضوره العالمي في تكريس السلام الدولي، وعلاقاته الحسنة مع شرق العالم وغربه، ودفاعه عن قضايا العرب عموماً والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
وأوضح إسميك، أنه حضر مجلس الشيخ زايد 3 مرات، إذ يتأكد له في كل مرة استحقاق هذا الرجل لما ناله من سمعة طيبة ومكانة بين العظماء، فقد كان ودوداً سمحاً قريباً من الناس، متواضعاً في تعامله مع الآخرين، كريماً في عطفه ورعايته، ومستحقاً لتحمل مسؤوليات شعبه ورئاسة دولته.
ومع أنه لا يكاد يوم يمر على الإمارات العربية المتحدة إلا وله في تاريخها المعاصر ذكرى حدثٍ مهم أو مناسبة كريمة أو إنجاز كبير من الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الخمسين الماضية، غير أن للثاني من نوفمبر مكانته الخاصة في نفوس جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة، من مواطنين ومقيمين وزوار، فهو اليوم الذي انتقل فيه الشيخ زايد إلى جوار ربه، العام 2004 بعدما قاد شعبه على امتداد قرابة ستة عقود في مسيرة حافلة نقل خلالها بلاده من أطراف الصحراء إلى رحاب العالمية، وبدأها حاكماً لمدينة العين في العام 1946، قبل أن ينتقل إلى أبو ظبي، حيث تسلم مقاليد الحكم في الإمارة في السادس من أغسطس 1966، ويقود جهود إقامة دولة الاتحاد التي أبصرت النور في ديسمبر 1971، فصارت الغلال أوفر على المستويات كافة، داخل الإمارات وخارجها وارتفع علم الإمارات خفاقاً ولايزال.
وتابع: ومنذ دخوله مضمار الإدارة العامة، التزم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المولود في 1918، منهجية واضحة عبّرت عنها رؤيته للحكم الرشيد وفلسفته الأصيلة في إدارة الشأن العام حتى وفاته رحمه الله، فكان بحق رجل الدولة القوي الذي أصبح نموذجاً يُحتذى في العمل السياسي القائم على الجمع بين الأصالة والمعاصرة في إدارة عملية التغيير الشاملة والجذرية من دون القطيعة مع التراث، خلافاً لقادة كثر انطلقوا إلى الحداثة فارّين من ماضيهم، فبقيت مشاريعهم عرجاء لم يُكتب لها النجاح، ولم تنل ما ابتغته من التميز والابتكار.
وأشار إلى أن فترة حكم زايد استمرت في "العين" عشرين عاماً تبلورت أثناءها سماته الشخصية كقائد مسؤول، وصُقلت تجربته السياسية الأولى حتى اكتملت أركانها.
وأضاف إسميك: رغم أنه وُلد مفطورا على القيادة، فقد مثلت الفترة بين 1946 و1966 الأساس العملي لتكوين الخبرات وتشذيب المهارات واكتشاف قوانين إدارة المجتمع وسياسة الناس وقد حفلت كتب الرحالة والمستكشفين والمؤرخين الغربيين الذين زاروا إمارة أبوظبي بالكثير من أخبار زايد وآثاره، بل إن بعض المستكشفين غيروا خط سير رحلاتهم، ليقصدوا العين ويلتقوا حاكمها الذي ذاع سيطه في عموم الإمارة، فباتت ذكراه خالدة منذ ذلك الحين كنموذج للحاكم العربي الذي كان يعمل مع رعيته يداً بيد، فيصلح أفجاج المياه، ويشرف على شؤون الزراعة، ويعاون في العمران وشق الطرقات، ويشارك الناس أحوالهم ومعيشتهم، ويهتم بالصغائر والكبائر من شؤونهم.
أما في وضع التشريعات والقوانين واتخاذ القرارات الكبرى، فكان الشيخ زايد يأخذ رأي الجميع، ويشاور في الأمر، حتى إذا ما عزم على القرار تحمل المسؤولية كاملة، مؤمناً أن الجميع شركاء النجاح، أما التقصير فمسؤوليته هو وحده.
وذكر أن أهم إنجازات الفترة الأولى من حياة زايد السياسية (1946-1966)، تمثلت في إصلاح قانون ملكية المياه الخاصة بالري، وإشراك جميع السكان في حق التملك، والعمل على توسيع رقعة المناطق الزراعية واستصلاح الأراضي عبر تخديمها بشبكة vd واسعة، حتى غدت المنطقة جنة خضراء في وسط الصحراء، وأسس أول مدرسة في منطقة العين عرفت باسم (المدرسة النهيانية)، وأول مستشفى وسوق تجاري، وربط قرى المنطقة بشبكة طرق واسعة ساهمت في سهولة الحركة والتنقل، ولعل القارئ اليوم لا يرى في هذه الإنجازات الشيء الكثير إزاء ما تشهده الإمارات من تطور مذهل في الوقت الحاضر، لكن المتمعن قادر على تلمس الصلة الوثيقة بين تلك المرحلة و اليوم، فقد مثلت إنجازات زايد في حينها اللبنة الأولى في مسيرة الحداثة التي ستقودها دولة الاتحاد، تلك اللبنة التي وضعها الرئيس المؤسس ليعلّم الأجيال من بعده أن فلسفة الحكم واحدة، وأن مسؤوليات الحاكم لا تصغر أو تكبر بصغر أو كبر الأرض التي يحكمها، سواء كانت منطقة محدودة تضم مدينة صغيرة وتسع قرى، أو كانت دولة اتحادية مؤلفة من سبع إمارات تحت راية واحدة، علماً انه لم يكن مستبعداً في حينه أن تكون كل إمارة منها دولة صغيرة مستقلة.