19 - 06 - 2024

مقابلة ماكرون مع الجزيرة.. ما لها وما عليها؟

مقابلة ماكرون مع الجزيرة.. ما لها وما عليها؟

فيما لها..

 أسعدني حرص رئيس الجمهورية الفرنسية ان يخصص ساعة كاملة من وقته، لتوضيح موقفه وتصريحاته لعالم عربي، انفك عقده، وتهافتت عواصمه على كسب ود "اورشليم/القدس".. تل أبيب سابقا..

 ولم يعد أحد من حكامه يهتم بالحديث اليه مباشرة، إلا بتعليمات السامسونج من المساعدين، أو تصوير احتفاليات وإنجازات الزعيم أو ولي النعمة. وإن احتاج توجيه رسالة فبدون مذيع يجلس أمامه بندية على كرسي مشابه لكرسيه الصغير، الذي لا يسع حجمه السموات والأرض التي تقع تحت لوائه.

رسالة ماكرون التي وصلتني، اهميتها ليست في مضمونها، لكن في الاهتمام بإرسالها وبتطييب خواطر من يعتقد أنها وصلتهم، بغض النظر عن اتساقها ومضمونها ومصداقيتها. فالاهتمام بالاعتذار أهم من مضمونه، طالما رسالة الشارع المستاء منه، رغم أنه من غير ناخبيه، لكن استياءهم يؤثر على قدرته على تلبية احتياجات ومصالح ناخبي شعبه، وتضع حدودا لمرونة السياسي في إرضاء اليمين واليسار، الداخل والخارج معا، لإمساك العصى من النصف.

ما للمقابلة أيضا، بشاشة وأدب الحوار من جانب المذيع (الزميل السابق/ عياش دراجي، مدير مكتب الجزيرة في باريس).. فهدوء عياش يدحض التنميط السائد على مستويين: صورة مذيع الجزيرة المتشنج عالي الصوت، والإدعاء النمطي بحدة طبع المهاجر الجزائري في فرنسا.

رغم ذلك الهدوء كانت هناك ثلاثة أسئلة جيدة، أحدها عن تقييد حرية الرأي بفرنسا عند "معاداة السامية" وآخر عن وصفه "الإسلام في أزمة" قبل الحادث الإرهابي الأول ضد مدرس الصور المشينة.

لكن، ما على المقابلة:

أولا، ثلاثة أسئلة قوية فقط في مقابلة لساعة، تتخللها خطب سياسية لا تقل كل إجابة منها عن عشر دقائق الى ربع ساعة، وبدون أسئلة تعقيبية أو سرد للعديد من التناقضات في قوانين وممارسات فرنسية أخرى تكبل حرية التعبير، وما تعرض له روجيه غاروديه إلا مثالا واحدا.. فهل يمكن تصور مقابلة يجريها صحفي غربي مع مسئول يكون جمهور الصحفي هائجا وثائرا عليه، بينما يصول المضيف ويجول ويتعب من الكلام وحده حتى يجف ريقه مرتين ويشرب كأس ماء كاملا قبل أن ينتهي اللقاء!

ثم، هل جمهور الجزيرة من المتحدثين بالعربية مهتم بأول سؤال عن العلاقات الدولية يكون عن الرئيس التركي أردوغان، وبصيغة وإجابة تبدو تصالحية! وكأنها مطلوبة من أعلى المستويات، لإرضاء باريس وانقرة في وقت واحد؟! مالذي يعنيني كجمهور عربي بأردوغان، وأين تصريحات شيخ الأزهر وهو ليس سياسيا ليرد ماكرون على ما قاله وأقترحه؟

اما "ما على" ماكرون، الذي يُفترض انه ملم بسياسات وتجاذبات العالم العربي، وإن كانت تصرفاته ووزارة خارجيته في الأزمة لاتوحي بذلك، أن يعرف أن الجمهور والإعلام العربي منقسم ومستقطب بين الدوحة واسطنبول، او العكس، من ناحية، وبين ابوظبي والرياض والقاهرة، بالترتيب، من ناحية اخرى.

فكيف تعطي مقابلة "حصرية" لطرف دون غيره. ألا تثير بذلك حفيظة الطرف الذي كان يدعمك ويهدئ جمهوره ناحيتك، وكأنك تقول له: "أنا بأخاف مبختشيش" او إعلامكم مضمون في جيبي الخلفي!

ألم يكن من الأحرى، مع ساعة كاملة، استضافة ثلاثة مذيعين لحوار مع الرئيس في الإليزيه، يمثلون:

 الجزيرة، والعربية، وفرانس24 بالعربية، القناة التي تجاهلها الرئيس التي تمولها بلده لشرح سياسة فرنسا وقيمها للعالم.. وهو يضربها بهذا اللقاء "الحصري" في مقتل.

وكيف ستطلب من باقي الشاشات العربية ان تنقل بالكامل او مقاطع دون اجتزاء من لقاء مكتوب على شاشته انه "حصري" و Exclusive للجزيرة وحدها!  ناهيكم عن الأجواء والاتهامات المتبادلة بين هذه القنوات.

لكن لو تقاسمت الحوار قناتان او ثلاثة، لكان المذيعون المحاورون سيتنافسون على أسئلة قوية للرئيس، كل يخاطب جمهوره، بدلا من أن يبدو اللقاء "بوس لحى" بين الدوحة (وانقرة) وباريس.

أكرر: مازال جمهورنا يحتاج قناة "الجزيرة" "العربية" معا.. لتكتمل للمشاهد العربي الصورة أو نصف الحقيقة الغائب أو المُغيب.
------------------------------
بقلم: حافظ الميرازي *
* نقلا عن صفحة الكاتب على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"

مقالات اخرى للكاتب

مقابلة ماكرون مع الجزيرة.. ما لها وما عليها؟





اعلان