19 - 04 - 2024

شاهد على العصر (16) أنا والإخوان وتوظيف الأموال

شاهد على العصر (16) أنا والإخوان وتوظيف الأموال

كان تحالف جماعة الإخوان مع حزب الوفد عام ١٩٨٤ تحالفا انتخابيا فقط، لم يصل إلى رؤية أو برنامج انتخابى مشترك بينهما، ولكن كان تحالف الإخوان مع حزب العمل الاشتراكى عام ١٩٨٧ تحالفا استند إلى برنامج انتخابى لعب على العاطفة الدينية فاتخذ شعار (الاسلام هو الحل)، هنا وجد الإخوان الفرصة السانحة التى يرتكزون عليها فى قابل الأيام واحتياطيا سياسيا مستقبليا، مع استغلال اسم حزب العمل حتى يمكن أن يمروا من خلاله إلى مجلس الشعب فى ظل نظام القوائم الحزبية. 

كانت الهيئة البرلمانية باسم حزب العمل الاشتراكى، ولكنها كانت تضم نوابا ينتمون إلى حزب العمل والإخوان والأحرار، كما أن البرنامج الانتخابى ذا البنود العشر لم يفعل عمليا أثناء الممارسة البرلمانية، فكانت كل مجموعة حزبية على حده تتسابق فى إظهار الخط السياسى الذى يميزها عن الآخرين. في الغالب لم يكن هناك توافق بين حزب العمل الاشتراكى وبين الإخوان في الممارسة البرلمانية سواء فى الرقابة أو التشريع، فكثير من مشروعات القوانين كانت تتباين خلال مناقشتها الآراء والرؤى بين الإخوان وبين العمل، وإن كان المهندس إبراهيم شكرى دائما ما يحاول إظهار حالة من حالات التوافق، وذلك حفاظا على الشكل البرلماني، خصوصا أنه الرئيس الفعلى والرسمى للهيئة البرلمانية لحزب العمل الاشتراكي والإخوان ليسوا حزبا معترفا به. 

كانت هناك اتفاقية معروضة للمناقشة في المجلس، تتضمن حصول مصر على قرض من إحدى الدول الأجنبية بفائدة بسيطة، ومطلوب موافقة المجلس كى يتم تطبيقها وحصول مصر على القرض، وجدنا نواب الإخوان مستفزين، يتصايحون ويرفضون هذه الاتفاقية بحجة أنها تُحمِّل مصر فائدة، كما أن الفوائد حرام شرعا طبقا للشريعة الإسلامية. 

هنا أُسقط فى يد نواب العمل بمن فيهم إبراهيم شكري، لأن العلاقات بين دول العالم الإسلامية وغير الإسلامية تتم فى إطار الاتفاقيات التجارية التى تضمن منفعة الطرفين، فمن هى الدولة التى تعطى دولة أخرى لسواد العيون؟ هنا وقفنا كنواب حزب العمل نفند شروط الاتفاقية من حيث توافق قيمة القرض مع المشروعات المزمع إنشاؤها، كذلك مناقشة مدة سداد القرض ومواءمة سعر الفائدة مع مدة القرض، وهذا هو الأداء البرلمانى في مثل هذه الاتفاقيات. 

انتظر د. المحجوب أن ينتهى نواب الاخوان من حديثهم الذى يأخذ مسارا دينيا لا علاقة له بالسياسة إطلاقا، ثم قال: حديثكم هذا حديث ذا أرضية دينية وليس أرضية اقتصادية، فالاقتصاد مصالح مشتركة ومتبادلة ولا يوجد من يعطى لوجه الله ولا لسواد العيون. إذا كان لديكم بديل يعطى قروضا ويعقد اتفاقيات قروض بلا فوائد أخبرونا حتى نستفيد، هنا سكت الجميع ولم نسمع تعليقا واحدا. 

كانت هذه الاتفاقية مثلا يظهر سيطرة النظرة الدينية على ممارسات نواب الإخوان، حيث أن هذه النظرة والممارسات التي اتبعتها، بوابة الدخول الى العاطفة الدينية للمصريين. أما المثل الأهم والأخطر فهو ما سمى بشركات توظيف الأموال، تلك الشركات لم تكن بنت لحظتها كما يتصور البعض ولكنها كانت تطورا طبيعيا لظاهرة اقتصادية فى منتهى الخطورة تهدف إلى السيطرة الكاملة والمحكمة على مجمل الاقتصاد المصرى حينذاك . 

هذه الشركات اتخذت مسمى الإسلام زورا وبهتانا واستغلالا رخيصا للعاطفة الدينية المتأججة لدى المصريين قبل الزمان بزمان، فقد جمعت أطيافا سياسية ودينية واجتماعية تضافرت وتشابكت مصالحها عبر كشوف البركة، وهى كشوف بأسماء مسؤولين مهمين على أعلى المستويات السياسية وغير السياسية تمنحهم مبالغ لا علاقة لها بأى استثمار اقتصادى من قريب أو من بعيد. وكذلك منح البعض فوائد تصل إلى نسبة مائة فى المائة من الودائع لدى هذه الشركات، كشوف البركة هذه لمن ليس لهم ودائع من الأساس لتستفيد بتمريرهم وتبريرهم وتحليلهم للفكرة، وجدنا شخصيات ذات ثقل دينى وسياسي داعمة، بل الأفظع أن القيادة السياسية كانت تفتتح تلك المشروعات الوهمية للشركات، ناهيك عن الحملات الإعلامية غير المسبوقة فى التلفزيون والصحف والمجلات والتى يتصدرها رجال دولة ودين!!. 

استمر الحال وتدفق المودعون المغرر بهم باسم الدين والمبرر أن فوائد شركات التوظيف حلال، فى الوقت الذى كانوا يحرمون فوائد البنوك التى لا تقارن بتلك الفوائد الربوية بالفعل. 

فى لحظة إبصار متأخرة وضحت الصورة وظهرت خطورة تلك الشركات على الاقتصاد المصرى. 

ولابد لنا من أن  نعود الي الوراء حتى نربط بين تلك الشركات وما تقوم به من دور اقتصادى واجتماعى، وبالطبع يتحول بعد ذلك لدور سياسى تستغله الجماعات التي توظف الدينى لصالح السياسى. ففي عام 1977 تم إنشاء بنك فيصل الاسلامي، الذى أسس وفقا لقانون خاص أصدره مجلس الشعب برقم ٤٨ لسنة ١٩٧٧، وذلك كمؤسسة اقتصادية واجتماعية تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. كان ذلك أول بنك إسلامي يدخل منظومة البنوك فى مصر، وهو بنك سعودى مالا وإدارة فى المقام الأول، فى ظل رئاسة انور السادات وفى عام ١٩٧٧ - الذى أخذ فيه السادات ونظامه درسا جماهيريا عالي الصوت وعميق الأثر- إضافة إلى أنه فى هذا العام وصلت العلاقة بين السادات وبين شنودة الثالث إلى ذروة التصادم، وكانت قضية تطبيق الشريعة أحد ادوات هذا الصراع.

شعار الشريعة جمع كافة فصائل الإسلام السياسى، وكان مصدر توافق بين هذه الجماعات وبين السادات والمقربين منه مثل عثمان أحمد عثمان ومحمد عثمان إسماعيل.

فى تلك الاجواء، كانت تتم التهيئة لأسلمة الفضاء المصرى بمجاله العام والخاص سواء كان ذلك عن إيمان من هذه الجماعات وتحقيقا لمصالحها السياسية والاقتصادية، أو قناعة من السادات فى أن يظهر بمظهر الرئيس المؤمن لدولة مسلمة. 

على هذه الأرضية الممهدة جاءت فكرة إنشاء بنك فيصل الاسلامى الذى تبنته ومولته وساعدته بل ساهمت فى إنشائه كل فصائل الإسلام السياسي، فكان من بين أعضاء مجلس إدارته يوسف القرضاوي وعبداللطيف الشريف (شركة الشريف) ويوسف ندا (وزير مالية الإخوان) - هنا لابد أن نتوقف عند اسم يوسف ندا وهو من قيادات الاخوان التاريخية ولايزال- كان بنك فيصل الاسلامى هو كسر لشوكة البداية في تأسيس البنوك الإسلامية، وبعده جاء بنك التقوى الذى كان ولايزال الممول الأساسى لجماعة الإخوان.

ورغم أن الفكرة والتنفيذ تحت مسمى اسلامى استغلالا للدين الحنيف، ولكن لمصلحة ذاتية وعملا بمبدأ النفعية وجدنا رموزا اقتصادية وسياسية تساند هذه الشركات مثل د.عبد العزيز حجازى رئيس وزراء مصر فى عهد السادات والشيخ الشعراوي، كان المناخ قد أعد أعدادا جيدا لظهور مسمى اقتصادى يأخذ الأسلمة مظهرا اجتماعيا للوصول إلى الاستفادة بأقصى درجاتها الدينية والسياسية والاقتصادية، فظهرت هذه الشركات وسيطرت على المشهد الاقتصادى تماما، ولم تقتصر على قبول أموال المسلمين فقط ولكن كانت قد فتحت أبوابها لغير المسلمين!.

بدأت شركة الريان درب الآلام، عندما دب الخلاف بينها وبين الحكومة في فضيحة صفقة الذرة الصفراء مع بنك التنمية الزراعى ١٩٨٦/١٩٨٧. فقد مثل الريان تهديدا لمؤسسة بنكية حكومية، ما دعى إلى فتح الملف الاسود للشركة وتقديمها للمحاكمة. كان أحمد الريان قد حصل على ثلاث مليارات و٢٠٨ مليون جنيه مصرى وكانت الفوائد التى يغرى بها المودع تصل إلى ثلاثين وخمسين فى المائة، طرحت القضية على مجلس الشعب، وحدث التباين - بل التناقض- بين موقف الإخوان وبعض نواب حزب العمل – وليس كلهم للأسف-  المفاجأة المؤلمة انه كان هناك نواب من الحزب الوطنى وحزب الوفد يدافعون عن هذه الشركات فى المجلس أثناء مناقشة القضية!!.

كنت ضمن من رفضوا هذه الشركات وطالبوا بإدانتها لما أحدثته من تخريب خطير للاقتصاد المصري، إضافة إلى استغلال الدين الاسلامى الحنيف أسوأ استغلال، وهنا يتأكد أن النائب يدافع عن مصالح تاجماعة التي يدين لها بالولاء، فالاخوان هم من أنشأ هذه الشركات وهي تصب فى صالحهم، ولذا كان من الطبيعى تبنى هذه القضية والدفاع عنها حتى ولو بالباطل، إضافة إلى أنها فتحت سوق بيع الضمائر لكبار المسؤلين فى السياسة والدين والاقتصاد والاجتماع. هذه قضية تاريخية نذكر بها الاجيال حتى لا ننساق وراء من يستغل العاطفة الدينية لصالح جماعته أو حزبه أو مصلحته، وستظل مضابط مجلس الشعب شاهدة ومسجلة للتاريخ على من يتاجر بالدين والدين منه براء. 

كان التحالف الانتخابى مع الإخوان يضمنا برلمانيا، ولكن ليس له أى دور أو تأثير فى اقترابنا سياسيا أو فكريا، بدون شك كانت افكارى وقناعاتى السياسية تتناقض كل التناقض مع أفكار وقناعات الإخوان دون أن يكون للدين أي دخل فى هذا التناقض. فقناعاتى ومعتقداتى السياسية لاعلاقة بكونى مسيحي الديانة، كما أن قناعاتهم السياسية لا علاقة لها بالاسلام كدين بقدر ما يضعونه شعارا للاستفادة السياسية - أي تسخير الديني لصالح السياسي - ولذا كان من الطبيعى أن تكون مواقفنا داخل المجموعة البرلمانية لحزب العمل الاشتراكى لا تتطابق ولا تتقارب فى مجمل القضايا، باستثناء الحديث عن الديموقراطية والحريات التى كانوا يتشدقون بها عند اللزوم (والتى ظهرت على حقيقتها بعد ٢٥ يناير). 

وكان قانون شركات توظيف الأموال هو مثل ونموذج هذا التناقض، فقد عقد اجتماع للهيئة البرلمانية لحزب العمل فى مقر الحزب بالسيدة زينب لمناقشة الموقف الذى ستتخذه الهيئة البرلمانية تجاه هذا القانون، حضر نواب الإخوان فى حالة استفزاز واستنفار شديدين، مطالبين برفض الوصاية الحكومية على هذه الشركات. 

بحكم الأغلبية الإخوانية خضع ابراهيم شكرى لهذا القرار، خاصة أن التحالف يقتضي بعض الخضوع والممالأة للجماعة حتى يحافظ على وجوده، هنا كان قرارى الشخصى والذاتى، فكيف أخضع لمثل هذا القرار الذى يتناقض مع كل قناعاتى السياسية، والائتلاف ذاته لا يمثل أفكارى ولا قناعاتى بدليل رفض الاخوان ترشيحى بما يؤكد قناعاتهم أيضا بهذا التناقض والفرقة الفكرية والسياسية بيننا.

عند مناقشة القرار داخل المجلس، وقف مأمون الهصيبى يتكلم باسم جماعة الإخوان وليس كممثل للهيئة البرلمانية للعمل قائلا: أن هذه الشركات تؤدى دورا اقتصاديا يساعد المودعين ويستثمر أموالهم بطريقة استثمارية ناجحة تجعلهم يجنون مكاسب تساعدهم على استثمار أموالهم وعلى مواجهة أحوال معيشتهم! واستطرد مدافعا عن هذه الشركات بطريقة تدلل بكل وضوح على انحيازه لقناعات تخدم مصالح الجماعة ولا علاقة لها لا بالاقتصاد ولا الوطن. طالب الهضيبى الحكومة أن تترك هذه الشركات لكى تسوى مشاكلها مع المستثمرين بنفسها لأن الحكومة لو استولت على أصول الشركات لن تستطيع الوفاء بالتزامات المودعين. 

هنا طلبت الكلمة رافضا ما قاله الهضيبى شكلا وموضوعا، حيث أن أصحاب الشركات قاموا بالاستيلاء على أموال المودعين من خلال النصب والاحتيال طمعا فى الفائدة التى تصل إلى ٣٥ فى المائة للمودع، رغم أنه بالمنطق العلمي والاقتصادي لا يوجد أي بنك أو أي دراسة جدوى لأى مشروع استثمارى يمكن أن تتوقع هذه الفائدة. كما أن هناك تناقض جوهرى فى هذا الحديث عن الفائدة بهذه الأرقام فى مقابل إعلان الإخوان فى هذه القاعة حرمة الفائدة! وأضفت: والأهم أن أصحاب هذه الشركات قد استباحوا سرقة ونهب هذه الأموال للتمتع الشخصى الذى تجاوز كل القيم الدينية والأخلاقية، ناهيك عن كشوف البركة التى دفعت الكثيرين للصمت، بما يجب أن يجعل الجميع فى وضع خزي. 

(خصخصة التعليم والتعليم الدينى)

طالب الإخوان بخصخصة التعليم وفتح المجال للتعليم الديني، وكان ذلك تعبيرا حقيقيا عن خططهم التى يسعون إلى تطبيقها بلا ملل ولا كلل، تحدثت رافضا كل الرفض خصخصة التعليم حيث أن هذا المطلب ليس التفافا وتصفية حسابات مع النظام الناصرى فحسب، ولكن هذا سيكون بداية لتصفية قيمة اجتماعية وسياسية وإعادة هيكلة للطبقية المصرية، بعدما أحدثت مجانية التعليم نقلة اجتماعية وطبقية بطريقة سلمية. أما التعليم الدينى فهو الطريق السريع لقسمة الوطن وإحداث الفرز الطائفي الذى يصنف المواطن بين مسلم ومسيحي، حيث أن هذا التعليم سيكرس الجانب الدينى الأحادى لدى كل منهم، فيزيد الفرقة ويعمق الشقة. قلت أن التربية والتنشئة الأحادية بعيدا عن العلاقات الإنسانية والشخصية والأنشطة الاجتماعية تخلق إنسانا لايدرك  الآخر ولايجيد التعامل معه، وهذا لن يكون فى صالح الوطن ولا فى صالح المصريين. 

القضية الاخرى هى تطبيق الشريعة الإسلامية، كانت هذه القضية تأخذ أبعادا سياسية وإعلامية امتدادا للمناخ الذى كرسه السادات للمتاجرة بها ومانتج عنه من أحداث سبتمبر ١٩٨١، ظل الحديث يتكرر فى المجلس من جانب الإخوان مطالبين بتطبيق الشريعة . 

إحدى الجلسات خصصت لمناقشة بعض الحوادث الطائفية التى حدثت ضد مصريين مسيحيين، وكانت الأسئلة موجهة لزكى بدر وزير الداخلية، فالقضية الطائفية تمثل أهمية خاصة جدا بالنسبة لى وذلك حفاظا على مصر والمصريين، وقفت متسائلا: ماهو موقف الاقباط وموقعهم عند تطبيق الشريعة؟ فنحن نعلم أن هناك منابع كثيرة تتحدث عن التطبيق. هناك فكر المودودى وفكر ابن تيمية وسيد قطب، وهناك تراث طائفى موروث تخطاه الزمن لا يجعل المواطن المسيحى فى وضع شبه مواطنة. هناك من لايساوى بين المواطن المسلم والآخر المسيحي، ومن يطرح قاعدة "لهم مالنا وعليهم ماعلينا"، فأين الدستور والقانون وما وضع المسيحى فى ظل هذه الاجتهادات وتلك الآرأء؟ وأكملت: القضية هى التربية الأسرية التى لا تعتمد على الطائفية والتفرقة بين هذا وذاك، القضية دور التعليم والإعلام والمسجد والكنيسة لإعداد المواطن المصرى المتدين فى مسجده وفى كنيسته والمنتمي لوطنه حتى تصبح مصر وطنا لكل المصريين، وهنا لاعلاقة للكنيسة بأى دور سياسى أو تصور خاطيء أنها تمثل المسيحيين سياسيا. وبغير ذلك لا يستطيع ألف زكى بدر أن يغير من الأمر شيئا.

(الجيش والجزية) 

فى ٣/٤/١٩٩٧ كان هناك حديث مع المرشد العام للإخوان المسلمين مصطفى مشهور نشر فى الاهرام ويكلي، وفى رده على سؤال حول تطبيق الشريعة الإسلامية على الأقباط وشرعية دفع الجزية، قال مشهور أن الجزية هى جزء من الشريعة الإسلامية. وهذا معناه إبعاد المسيحيين عن التجنيد فى القوات المسلحة لأنهم ينتمون لغير الإسلام، وباعتبار الجيش حجر الاساس فى الدفاع عن الدولة الإسلامية، فلا بد أن يكونوا مسلمين، لأن غير المسلم سيكون ولاؤه لجيش العدو الذى يواجه جيش المسلمين. بل وأضاف مشهور أن الجزية هى ضريبة دفاع عن المسيحيين، حيث أنهم لايحق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم. 

قمت بالرد على هذا الكلام فى مقال نشر بجريدة العربى الناصرية فى ١٤/٤/١٩٩٧، فندت فيه هذا الكلام الخطير، وقلت إن كتب التراث تقول عن الجزية أنها فرضت فى آخر العام التاسع للهجرة؛ أي بعد غزوة (تبوك) وهى فى مقابل عدم مشاركة المسيحيين فى الجهاد مع المسلمين؛ اى مقابل حمايتهم وشرطها الحرية والذكورة والتكليف؛ اى تؤخذ من القادرين ولا تؤخذ من الضعفاء ولا النساء ولا الأطفال، وقد كان المسلمون يردون الجزية لأهلها عندما عجزوا عن حمايتهم؛ فقد ردت الجزية لأهل (حمص) عندما عجز المسلمون عن حمايتهم؛ ولم يأخذها عمر بن الخطاب من نصارى تغلب، وعلى ذلك فالجزية بدل إعفاء رمزى بسيط وتسمى ضريبة ولاء؛ ولا تجوز الآن حيث يسمح القانون للمسيحيين أن يشاركوا فى الدفاع عن الوطن. مع العلم أن هناك كثير من الشخصيات الإسلامية يؤكدون أن تجنيد المسيحيين ومشاركتهم فى الدفاع عن الوطن حق لهم وتلك المشاركة تلغى دفع الجزية. بالإضافة إلى ذلك فإن منهج دفع الجزية كانت له ظروفه التاريخية الخاصة، حيث كان جيش المسلمين فى صدر الاسلام يجاهد ضد جيوش غير المسلمين ومن أجل الدعوة الإسلامية فى بدايتها يمكن أن يكون مبررا مقبولا، ولكن نحن الآن كمصريين مسيحيين نعتبر أن الحضارة الإسلامية جزء من تكوين شخصيتنا المصرية. مضافا إلى ذلك أن الحروب الآن لا تقوم على أساس حرب بين جيش اسلامى فى مواجهة جيش غير إسلامى أو دفاعا عن الدين الاسلامي، إنما الحروب الان مصالح اقتصادية وسياسية وعلمية ..الخ. وهنا أذكر فضيلتكم بحرب العراق مع الكويت كانت السعودية ودول الخليج الإسلامية مع أمريكا ودول التحالف التى فى نظرك مسيحية.

هنا نؤكد كمسيحيين أن مصر وطننا الذى نعتز ونفخر به وندافع عنه والتاريخ يشهد على ذلك. وما أزعجنا أننا كنا نتصور أن الإخوان قد أصبح فكرهم السياسى يقبل الآخر. واختتمت المقال قائلا: ماهو الرأى اليقين فى مثل هذه القضايا، خاصة أن بعض الشخصيات الإسلامية تقول غير ماقلت. ومارأيك فى كلام عبدالصبور مرزوق فى جريدة العربى يقول: (أن الذين يطالبون الأقباط بدفع الجزية هم أناس لا يفقهون الإسلام ويسيئون إليه أبلغ إساءة فهم ليسوا جهلة فقط وإنما مدفوعون من جهات لاتحب الإسلام ولا المسيحية وتريد دمار مصر جميعا) 

جاء رد مصطفى مشهور فى العدد التالى بتاريخ ٢١/٤/١٩٩٧ قال فيه: (اطلعت على ما جاء فى مقال الأستاذ جمال أسعد تحت عنوان (الأقباط والجزية والإخوان). أرجو أن نؤكد على الحقائق : أن الإخوان لهم أدبياتهم المستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله والتى تؤكد موقفهم من الإخوة أقباط مصر منذ نشأة الجماعة عام ١٩٢٨وحتى اليوم دون لبس أو تغيير أو تبديل، لأنه موقف مبدئى ينهض على أساس واضح ثابت، وهو أن لهم ما لنا وعليهم ماعلينا. وقد أرسلنا لنيافة البابا شنودة الثالث رسالة تحوى هذا التصحيح وعلى ثبات موقفنا من هذا الأمر!.

فهل هذه الآراء وتلك المواجهات الموثقة فى مضابط مجلس الشعب وفى الصحافة كانت استقراء لمستقبل أثبت صحة قراءته للمشهد الإخوانى الذى ظهر جليا وبلا رتوش في ٢٥ يناير؟
---------------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك *
* سياسي وبرلماني مصري 

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان