25 - 04 - 2024

العكشية: الحصول على الجائزة في بدايات مشواري الروائي له معانٍ كثيرة بالنسبة لي

العكشية: الحصول على الجائزة في بدايات مشواري الروائي له معانٍ كثيرة بالنسبة لي

أن تكون كاتبًا في غزة وتقبض على جمر الكلمة يعني أن تُحاصر حصاركَ بالأمل، ذلك الأمل المفقود منذ سنوات لدى الفلسطيني في غزة إلا أن الكاتب ينسج من المعاناة نورًا متجددًا، ويرسم بالكلمات فضاء واسعًا لحمائم الروح، بالإبداع وبه فقط نهزم الحصار ونقهر الموت، كما قال درويش "هزمتكَ يا موتُ الفنونُ جميعها"، في غزة ينهض الفلسطيني من رماد أوجاعه شاهرًا أحلامه في وجه العالم ويقول " نحن هنا" نتسلق جبال الصمود الشاهقة.

محمد العكشية الشاعر والروائي الشاب ابن حي الشجاعية بمدينة غزة يحصل على جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها السادسة للعام 2020 "فئة الفتيان" عن روايته المخطوطة رواية "2222". بحيث تعالج الرواية، التي كتبها قبل جائحة كورونا، مشكلة فيروس يضرب الأرض في عام 2222، وتستحضر الماضي من خلال العثور على نقوش كنعانية تنبئ عن حدث بيئي خطير وتربطه باستشراف المستقبل.

واستهل العكشية حديثه: بدأتُ تلمُّس عالم الأدب عبر القراءة التي كانت دومًا تجذبني وأقضي معها وقتًا طويلًا، وأدخلتني القراءة في عوالم مختلفة جمعت فيها شذراتٍ من عوالم شتى؛ الفلسفة والشعر والرواية والعلوم التجريبية والتاريخ وغير ذلك. حينما تمتلك هذا التنوع المعرفي تبدأ في محاولة الكتابة مدفوعًا بما أثارته القراءة فيك من تأملات وتساؤلات، وقد لاقى الأمر صدى طيبا في نفسي حينما اكتشفت قدرتي على الكتابة بأسلوب مقبول في البدايات، وخاصة في الشعر حيث بدأت النظم بدون أية دراية بعلوم العروض وأوزان الشعر. كانت تجاربي الأولى في المرحلة الجامعية، حيث بدأت نظم الشعر وكتابة المقالات البسيطة ونشر بعض من نتاجي في صحف ومجلات ومنابر محلية في أغلبها، وشاركت في أمسيات وفعاليات متعددة في تلك الفترة مما شجعني على المزيد من الاهتمام بقدراتي الأدبية وصقلها عبر وسائل متعددة.

وأضاف: نشرت بعد ذلك مجموعة شعرية باسم (هديل المدينة)، ثم مسرحية شعرية باسم (ثورة الفلاسفة)، وقد انتابتني فترة تشبه شيئًا من السبات الكتابي بين عامي 2014 و2019 ربما بسبب الإحباط الوطني العام الذي تسببت به حالة الانقسام الفلسطيني وخيبات الأمل المتتالية في رأب صدع الوطن والظروف العامة الذي نحياها في قطاع غزة، كما انشغلت بدراساتي الأكاديمية وعملي المهني وظروف مختلفة، لكن بقيت على تواصل مع الوسط الأدبي وشاركت خلال هذه الفترة في عدد من الفعاليات الثقافية على قلتها أصلًا وضعف حالها في هذه الفترة.

في عام 2019 كانت لي قفزة نوعية في نشاطي الكتابي، حيث كتبت (2222)، وراجعت وجهزت ديوان (أكثر مني) للطباعة ونشرته في مطلع 2020، ونقحت وجهزت كتابات أخرى للنشر مثل (الألفية الرائية في تاريخ القدس العلية) وهي ملحمة تاريخية من ألف بيت في وصف تاريخ القدس، وكذلك (أبناء دوثان)، رواية تاريخية، ومجموعة رسائل وبعض المخطوطات الأخرى المتفرقة.

وعند سؤاله عن سبب انتقاله من الشعر إلى الرواية أجاب: الرواية تعطي الكاتب مساحة واسعة جدًّا من التعبير وتمنحه الأدوات المتعددة ليطرح فكرته عبر تنوع الشخصيات وانفتاح أفق الخيال لبناء حكايته فوق ما شاء من البيئات المكانية والزمانية.

كما أن الرواية تتمتع بجمهور لا بأس به في البيئة العربية نظرًا لميل الذائقة العربية للقص قولًا وسماعًا، ونظرًا لوفرة القصص وتشابهها في بيئاتنا العربية، فترى القارئ يجد نفسه في رواية هنا أو هناك ويقرأ ذاته في قصة أو سردية ما، فيجد في ذلك المتعة والمواساة، وربما الحل لمشكلاته.

كما تمنح الرواية الكاتب مساحة لطرح رأيه وحلوله لمشكلات المجتمع بشكل درامي ذكي، وبحيث يتسلل حله وطرحه العلاجي إلى المجتمع الرسمي والشعبي بشكل لطيف ومؤثر، كما حدث في الكثير من المجتمعات حينما ترك النتاج الأدبي أثره العميق على التغيير السياسي والاجتماعي في بلدان عدة.

وأما عن وضع الأدباء في غزة فقال: الكاتب في غزة يعيش حالة استثنائية ناجمة عن الوضع الخاص لقطاع غزة تحت ظل الظروف الحالية. هذه الحالة ناجمة عن التناقض بين خصوبة الواقع بمادة الكتابة وضعف عوامل تشجيع الكاتب على الكتابة. الواقع في غزة زاخر بالمادة التي يمكن أن يتناولها الكاتب عبر كافة اشكال الكتابة؛ قصة ورواية ومسرح وشعر ومقالة.. إلخ. في المقابل، يعيش الكاتب حالة إحباط عام نتيجة عوامل كثيرة، قد تكون خاصة ناجمة عن ضيق مصادر الرزق والبطالة وغياب الفرص الحياتية عمومًا، أو عامة كضعف دور المؤسسات الرسمية في رعاية والنهوض بالأدب والأدباء وكذلك صعوبات النشر والمشاركات الدولية وغير ذلك.

كما أن حالة الانقسام تزيد من معاناة الكاتب؛ وخاصة من يسعى دومًا للاستقلال بفكره ورأيه منطلقًا من فكرة أن الكاتب من الصعب أن يتحزب. وفي ظل العراقيل التي يجدها الكاتب في طريقه بسبب عدم انتمائه لتيار سياسي معين يسهّل عليه الوصول إلى الجمهور ويمنحه الفرص والمساحة للتعبير تحت مظلة الحزب.. فإن الكاتب المستقل يضطر للسعي بنفسه معتمدًا على جهده الخاص وسط صحراء الواقع القاسية وقلة إمكاناته الشخصية، أو يتقوقع ويقنع بكونه مغمورًا إلى أن تلوح الفرصة. هذا واقع وحال الكثير من الكُتاب في غزة وسط التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية.

وأهدى الأديب العكشية فوزه بالجائزة إلى فلسطين التي كان لها وجد تاريخي في روايته، ويُذكر أنه حاصلٌ على درجة الماجستير في الهندسة، ويعمل مديراً لدائرة المواصلات في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بغزة.
----------------------
حوار: جواد العقاد - قطاع غزة






اعلان