20 - 04 - 2024

عندما ضاع الضمير المصري

عندما ضاع الضمير المصري

أدرك المصري القديم أن حضارة بلا قيم هي بناء أجوف لا قيمة له، فكم من حضارات انهارت وأصبحت نسيًا منسيًّا؛ لذا سعى إلى وضع مجموعة من القيم والمبادئ التي تحكم إطار حياته، تلك القيم التي سبقت الوصايا العشر بنحو ألف عام.

وقد تجلى حرص المصري القديم على إبراز أهمية القيم في مظاهر الحياة، فكان أهم ما في وصية الأب قبل وفاته الجانب الأخلاقي، حيث نجد الكثير من الحكماء والفراعنة يوصون أبناءهم بالعدل والتقوى. كذلك كانوا يحرصون على توضيح خلود تلك القيم في عالم الموت. لذا نحتوا على جدران مقابرهم رمز إله العدل ماعت ليتذكروا أن العمل باقٍ معهم.

لقد سبق المصريون العالم أجمع في الضمير الإنساني .

المصري القديم كان يراجع نفسه يوميا في ٤٢ مبدأً يؤمن بها، و لهذا عُرف بزوغ فجر الضمير الإنساني علي ضفاف النيل الخالد خلود التاريخ ، فإيمانه بالحق و العدل و الصدق صنع منه الشخصية العظيمة التي نفخر ونتفاخر بها أمام الاخرين و لكن يبقي السؤال الأكثر أهمية ماذا ورثنا عن الأجداد؟

هل ورثنا تاريخ الأجداد أم مباديء الأجداد؟، هل ورثنا شخصية الأجداد أم زي الأجداد؟، هل ورثنا سيرة الضمير المصري القديم، أم ورثنا الضمير المصري أبًا عن جد؟، وهل وهل …. وماذا تبقي لنا من إيمانهم بالحق بالعدل بالصدق؟

الماعت المصرية واليهودية والمسيحية والاسلام أربع ديانات آمن بها المصري علي مر التاريخ حتي الآن، وأجمعت هذه الديانات علي ألا تسرق، لا تفسد في الأرض، كن كلمة الله في الأرض، كن خليفة الله عليها، كن الحق، كن العدل، كن الصدق.

الرياضة ليست لهوا، أو قل ليست للترفيه عن الأبناء في أوقات فراغ وما أكثره فراغ الأبناء. الرياضة هي بناء شخصية الأبناء، إن فسدت فسد معها جسد وعقل وشخصية المجتمع بأكمله.

الثقافة والفن وكيف نغذي عقولنا بما ينير لنا رؤية الليالي الضبابية، الثقافة ليست وسيلة لقضاء الوقت ولا الفن للترفيه والإغواء.

الضمير الانساني ذالك الموروث القيم للأجداد، صار كصورهم.. مجرد ذكرى، أو تاريخ نتندر به ونبكي عليه بكاءنا علي الملوك العظام القدامى.

ماذا قدمنا للأبناء غير كل ماهو فاسد و قبيح، انشأناهم في بيئة مادية عفنه لاتعرف من المستقبل إلا ارقامه و يأسه و حطامه في القريب. بنينا لهم قصورا وساحات شبابية للتدريب علي مناهج الفساد الفكري والمادي والجسدي.

كل حين تطالعنا الأخبار عن انحرافات الأندية ومراكز الشباب، وهناك من دق نواقيس الخطر حتي صمت الآذان، ولا مستجيب ولا مغيث، جنس وسرقة ومحاباة ومخدرات، وهكذا هي  لغة تسربت إلي بيوتنا عبر أبناء تربوا في بيئة صنعناها لهم بأيدينا، أملا أن يكونوا مثلا يحتذي به في المستقبل القريب.

المنظومة الرياضية بدلا من أن تبني الشخصية المصرية طبقا للموروث الفخري للأجداد، قدمت كل نماذج القبح ليقتدي بها الأبناء والأجيال القادمة. وزير لا يري أي عوار في البيئة الفاسدة، بل هو داعم ومُكافيء لمن يجيد في إطارها. أندية القمة قدمت المثل الاعلي للقبح الأخلاقي، أموال منهوبة وأعراض مهتوكة وليال طويلة من السباب و اللعنات. لاعبون لا يرون أن مكارم الأخلاق هي المعيار لحياتهم، بل كل طريق الي ملء خزائنهم مرحب به. رموز تزين صورهم جرائد الأمس واليوم والغد، لا يرون قبحا في اغتصاب مستقبلنا، وأملنا في أجيال ثتمثل زينة الحياة الدنيا لنا.

هؤلاء يجب أن لا يتركوا وتغمض العين عنهم، مهما طال الزمان، فما أقسي علي الرجل من أن يرى مستقبل ابنه ذبيحا مصلوبا أمام عينه، و العجز يكلْ يديه عن أن يجد له طريقا.

كنت أحادث ابني عن المستقبل وأطالبه أن يطور من نفسه ومن ثقافته ويدرب عقله بالتعليم ويتسلح به وبمكارم الاخلاق، حاولت فصعقني برد هزني كنخلةِ تعصف بها رياح كاسرة، أنت أعلى درجة علمية وثقافية عن كثير من نجوم الفن والرياضة الذين لم يكن لهم أي اهتمام بسلاح العلم هذا، هل تملك دخلا يكافيء عُشر دخلهم؟ وهل يمكنك أن توفر لي حياة كحياة أبنائهم؟ وتضمن لي مستقبلا كمستقبل أبنائهم؟  لقد سحقني سحقاً بلا رحمة أو هوادة.

أسماء كثيرة لكل منهم حكاية ولكل منهم نصيب من خزائن تكية تخضع للمحسوبية و"القسمة و النصيب"، وكم ظلمنا أنفسنا وابناءنا بشروحات القسمة والنصيب، لكي تمر ليالينا الحالكة مرور الكرام، ونجتر اليأس اجترارا.
---------------------
بقلم: محمد عبادة

مقالات اخرى للكاتب

أحلام ضائعة





اعلان