24 - 04 - 2024

شاهد على العصر(12) تحالف كابوسي وشكلي اتجر به الإخوان ولقاء مع مبارك

شاهد على العصر(12) تحالف كابوسي وشكلي اتجر به الإخوان ولقاء مع مبارك

انتخابات مجلس الشعب ١٩٨٧

كان انسحاب الشيخ المعمم مرشح حزب الأحرار من القائمة يعنى عدم تقديم القائمة أي عدم الترشح، ولكن والحمد لله كنت قد اتفقت مع المرحوم محمد عثمان كيلانى من مركز ديروط على الانضمام للقائمة فى رقم ٣، ولكنه رفض طالبا أن يكون رقم اثنين بعدى. وعند انسحاب هذا الشيخ وضعت محمد كيلانى رقم اثنين مكانه وتم تقديم قائمة حزب العمل الاشتراكى المؤتلف مع الإخوان والاحرار ولكن بدون اى ائتلاف أو تحالف أو مشاركة مع الإخوان والأحرار، فهذه القائمة عمليا لاعلاقة لها بهذا الائتلاف الاسلامى. 

أدركت منذ اللحظة الأولى لتقديم القائمة للترشح أننى أصارع وأسبح ضد التيار بمفردي وقد كان، خضت أسوأ معركة انتخابية يمكن أن يمر بها أى مرشح وعلى كل المستويات. 

فقد كانت الدعاية الانتخابية المطبوعة حزبيا ترفع شعار (الإسلام هو الحل) وهذا الشعار لايمثل الدائرة الأولى بأسيوط، حيث أن الاخوان رفضوا الترشح فى هذه القائمة وكذلك الأحرار، ولكن ماذا أفعل والرأى العام يعلم أن هناك ائتلاف بين العمل الذى أنا أحد قياداته ومرشحيه؟ هنا وبدون مواربة وبلا تحفظ أعلن الإخوان فى القوصية العداء العلنى لى وللقائمة، لدرجة أن اخوان القوصية أعلنوا مساندتهم لقائمة الحزب الوطنى وذلك لوجود بعض المرشحين الذين تجمعهم معهم علاقات انتخابية سابقة مثل انتخابات ١٩٧٩ (الحاج احمد عبد الرحيم مرشح مع الحاج محمد عبد العزيز زعيم الإخوان بالقوصية)، وبدلا من تعاون الإخوان مع قائمة ينتسبون إليها انتخابيا ذهبوا مذهبهم الطائفى وليس السياسى، واعتبروا قائمة الدائرة الأولى أسيوط قائمة مسيحية فى مواجهة قائمة التحالف الاسلامى. 

أما الأقباط الذين كانوا معى فى انتخابات ١٩٨٤ قلبا وقالبا فأصبحوا فى موقف العداء ليس العداء السياسى ولكن العداء الطائفي، من منطلق أننى مسيحى اسما ومتحالف مع الإخوان المسلمين الذين يكنون كل شر للأقباط (هكذا الطرح الطائفى البغيض الذى لاعلاقة له بسياسة ولا موضوعية). 

ولذا واجهت عداء غير مسبوق من المسيحيين فى القوصية تحديدا، لدرجة أن البعض منعنى من دخول الكنيسة للصلاة متذرعا بإحداث مشاكل شخصية تغطية على مواقفهم الانتخابية. قام الحزب الوطنى بترشيح أربعة أشخاص من القوصية وحدها فى قائمة تضم عشرة مرشحين اى مايقرب من نصف القائمة، إضافة لترشيح أحد الأقباط (د. جميل كامل مدير الإدارة الصحية، وشلة محمد عثمان اسماعيل عندما كان محافظا، وشلة محمد عبد المحسن صالح امين وطباخ الحزب الوطنى ).

جميل كامل شخص لطيف، ولكن كانت تسيطر عليه النزعة الاستعلائية التى تنظر إلى امثالى بطريقة دونية حتى وإن لم تظهر فى التعامل علنا، مع العلم أنه لم تكن له أى علاقة كنسية فهو لايتعاطى الأمور الروحية مع الكنائس لظروف نشأته. ولكنه أصبح بالنسبة للكنيسة ابنها ومرشحها، خاصة أن الحزب الوطنى كان قد وافق للكنيسة على بناء دورة مياة كرشوة انتخابية كعادته كل انتخابات، مما جعل هناك مبررا لدعوة الاقباط لانتخاب الوطنى (بناء دورة مياه ومرشح قبطى وان كان فى ذيل القائمة)

أما أصدقاء عمرى من الأقباط (خذ عندك ولا تستغرب فكل شئ جائز فى هذه الحياة التى لاتعرف القيم) فتكتلوا ضدى وأصبحوا القوة الضاربة لمرشح الوطنى القبطى فى الكنائس وغير الكنائس، أنزلوا يفط الدعاية الخاصة بى من على منازلهم! والله لم أتأثر وذلك لإدراكى السياسى والاجتماعى بالتركيبة النفسية (السيكولوجية) التى تحكم الأقليات فى التاريخ، حيث الغيرة والحسد والحقد لا لشيء غير المقارنة على أرضية طائفية (ولماذا هذا وكلنا أقباط مثلا، وذلك بعيدا عن المؤهلات الشخصية الخاصة بكل موقع، ولذا صدق السيد المسيح عندما قال: لا كرامة لنبى فى وطنه)

نعود إلى ديروط وإلى محمد عثمان كيلانى الثانى فى القائمة، محمد من عائلة الكيلانية ذات الجذور السياسية والعائلية، أخوه يحيى كيلانى عضو مجلس الشعب لعدة دورات سابقة وكان الحزب الوطنى يضعه على راس القائمة (١٩٨٤ و ١٩٨٧) وذلك لنفوذه السياسى حينذاك وفى مواجهة اولاد قرشى باشا، بالطبع كنت أتوسم خيرا فى محمد كيلانى وفى حصيلة الاصوات التى ستضاف للقائمة، ولكن من الواضح أن الحلقات كانت محكمة ومتكاملة. 

حضر وزير شئون مجلس الشعب والأمين المساعد للحزب الوطنى على مستوى الجمهورية وكان من مركز أبنوب أسيوط الى منزل يحيى كيلانى برسالة من القيادة. كيف تكون أول قائمة الوطنى ويكون أخوك على قائمة التحالف مع الإخوان المسلمين؟ هذا لايليق بك بل يهز مركزك الحزبى والانتخابى، فماذا كانت النتيجة؟ تسرب إلى مسامعى أن يحيى والعائلة أصدروا الأوامر الى محمد عثمان بالانسحاب من القائمة وبعدم مغادرة المنزل حتى انتهاء الانتخابات! ياداهيه دقى على راسى .

فهذا يعنى أن القائمة ستسقط مع العلم أن توقيت هذا الانذار وتلك الأوامر جاءت متعمدة بعد انتهاء مدة التغيير والتبديل فى القائمة، عليه العوض ومنه العوض. تمالكت أعصابى وذهبت إلى منزل محمد الذى أوهمنى أنه لن يتنازل، فهو ضامن للمقعد ..الخ، ثم ذهبت للمرحوم يحيى كيلانى وكان معه أخوه المرحوم شاكر كيلانى. استمرت المقابلة قرابة يوم كامل بلا مبالغة، كنت فى لحظة نفسية غير مسبوقة، كان يملؤنى إحساس بأن الكرسى بات قريبا مني رغم موقف الأقباط والكنيسة اعتمادا على محمد كيلانى فى ديروط، وعلى مرشح القائمة فى موشا. ولم يخطر على البال انسحاب محمد من القائمة وإسقاطها. بعد جولة حوار قاسية لاتعرف الموضوعية بقدر ماعرفت العنجهية التى لم أرها ولم أعتدها قبل ذلك، رغم ما مررت به من ظروف قاسية، جاء الفرج الممتزج بالأوامر حيث قال المرحوم يحيى: إنى احترمك وأقدر رجولتك فأنا أحب الرجال، فعلشان خاطرك سيظل محمد فى القائمة، ولكنه (على الطلاق لن يغادر المنزل ولن يرى الشارع إلا بعد انتهاء الانتخابات). 

شكرته وشكرت الله على هذه النعمة التى جعلت القائمة ستظل بمرشح ديروط الذى هو ليس بمرشح! جاءت الانتخابات بعد هذا المرار المختلط بالطائفية المتداخلة بكل مسمياتها والقبلية المتأصلة بكل تاريخها وخيانة الأصدقاء بكل قسوتها ومرارتها النفسية، قبل يوم الانتخابات اتصل المرحوم عادل حسين مهندس التحالف بالمرحوم حامد أبو النصر المرشد العام للإخوان المسلمين فى منفلوط (موطنه ومركزه وكان مقيما أيام الانتخابات فى منفلوط). طالبا منه اصدار بيان كمرشد للجماعة بأن يساند الإخوان جمال اسعد فى أسيوط، أصدر المرشد بيانا ولكن كانت محصلته عددا من الأصوات فى منفلوط المدينة فقط ذرا الرماد فى العيون، حيث أن باقى الاصوات كانت من قرية بنى عدى مركز منفلوط ، بلدة عبد الحميد بركات أمين تنظيم حزب العمل آنذاك. وكنت قد قمت مع عبد الحميد بزيارة بنى عدى منزلا منزلا وكان التجاوب عظيما جدا من المسلمين والمسيحيين! حيث أن هناك ثقة فى عبد الحميد وهذه هى طبيعة بنى عدى وحتى الآن فى العلاقة الإسلامية المسيحية المصرية الحضارية. 

تمت الانتخابات ولم أحصل فى مركز القوصية على أصوات غير ألف وخمسمائة وعشرون صوتا أغلبها من بندر القوصية (وكانت اصواتى فى بندر القوصية أعلى الأصوات قياسا لأربعة مرشحين من البندر)، حصلت على حوالى خمسة آلاف من منفلوط وحوالى خمسة آلاف من أسيوط (غرب البلد الشباب المسيحى الذى تفهم الموقف وكان معى فى انتخابات ١٩٨٤) مع حوالى خمسة آلاف من المرشح فى موشا ولم أحصل إلا على عشرات الأصوات من ديروط بعد طلاق المرحوم يحيى كيلاني. 

حصلت القائمة على أكثر من خمسة عشر ألف صوت أنتجت مقعدا فزت به وباقى الأصوات استولى عليها الحزب الوطنى كالعادة!. الغريب جدا أنه بعد إعلان النتيجة مباشرة كتب مصطفى أمين في عموده الشهير (فكرة) يثنى على الرؤية المتقدمة والمتحضرة لجماعة الإخوان التى انزلت جمال اسعد القبطى على اول قائمة التحالف فى أسيوط مما جعله يحصل على مقعد وهذه سابقة لم تحدث من قبل! واختطف الإخوان هذه المقولة الخاطئة والتى لا تتوافق مع ماحدث بالفعل منهم معي، ظلوا يرددون هذه المقولة فى أدبياتهم وكأنهم هم الذين وضعونى على رأس القائمة، بل وذكرها القرضاوي فى أحد كتبه بعنوان جماعة الإخوان المسلمين. 

فى مجلس الشعب ومع حسنى مبارك 

بعد فوزى بمقعد فى مجلس شعب ١٩٨٧ وقبل أداء اليمين الدستورية كانت تراودنى كثير من الأسئلة مثل كيف سيكون التعامل مع أعضاء الإخوان فى المجلس؟ خاصة أني غير مستريح بالمرة لهذا التحالف الذى أصبح اسمه شبه الرسمى (التحالف الإسلامي) وليس التحالف الانتخابى. عدت بذاكرتي إلى ما سمعته وشاهدته من التيار الاسلامى فى المعتقل. 

وأنا فى مثل هذه الحالة النفسية وفى مساء اليوم السابق على الجلسة الافتتاحية والتى سنحلف فيها اليمين الدستورية ذهبت إلى حزب العمل وتقابلت مع المهندس إبراهيم شكرى ود. حلمى مراد الأمين العام للحزب بصفتى الأمين العام المساعد، فوجئت بالدكتور حلمى يقول لى تعال نذهب لزيارة مقر الاخوان بالتوفيقية. هنا انتابتنى حالة بين القبول والرفض، فأنا أريد أن أعرف الكثير عن هذه الجماعة التي أصبحت تربطنى بهم علاقة برلمانية، فى الوقت الذى لا أستريح فيه اصلا لزيارة مقر التوفيقية.

كنت قد ذهبت إلى هذا المقر عام ١٩٨٥ لإجراء حديث صحفى لجريدة الشعب مع المرشد العام عمر التلمساني حينذاك، تكملة لأحاديث صحفية لذات الجريدة أجريتها مع الأنبا اغريغوريوس اسقف البحث العلمى للكنيسة الأرثوذكسية وأيضا مع الانبا شنودة الثالث، بعد أن ذهبت إلى التوفيقية وطلبت إجراء الحديث لم يسمح بدخولى إلى المرشد وطلبوا أن أترك أسئلة مكتوبة ليجيب عنها كتابة، بالفعل تركت الاسىئلة وبعد أيام عدت لاستلام الحديث، كانت الردود مستفزه ومثيرة وكأن الإجابة هى رد على ليس كصحفى ولكن كمسيحى! والنتيجة عدم صلاحية الحوار للنشر. 

ذهبت وهذه الأمور تموج بداخلى، تم استقبالنا وأدخلونا فى ممرات ودهاليز متعددة وكأن المكان سري حتى وصلنا إلى مدرج به أعضاء مجلس الشعب من الإخوان وهم فى دورة تدريبية على العمل البرلمانى (قبل بداية الجلسات)، شعرت بالغضب على جميع الوجوه عندما فوجئ الجميع بوجودى وكانهم لايريدون أن يعرف مثلى مثل هذه الأشياء التنظيمية. كما أننى أدركت أن هذا التحالف هو فرصة لدخول الجماعة إلى المجلس تحت اسم العمل ولاعلاقة له بعمل برلمانى مشترك، هذا اللقاء وتلك المقابلة زادت ما فى النفس من تساؤلات وعدم ارتياح. 

كان اليوم الأول الذى اصطحبنى فيه شكرى وقبل الجلسة الأولى إلى مكتب رفعت المحجوب للتعارف، استقبلنا د. رفعت بترحاب قائلا لى: (أنت أول مسيحى معارض ومنتخب بعد الزعيم مكرم عبيد)، بالطبع لم تكن هذه المعلومة واردة فى ذهنى. 

حلفنا اليمين وكانت هذه الدورة الأولى للمجلس التى افتتحت فى آخر أبريل ١٩٨٧ ومن المفروض انهاءها فى يونيو والمطلوب الموافقة على الموازنة العامة للدولة، ولكن وهذا هو الأهم أن على المجلس الموافقة على ترشيح حسنى مبارك لدورة رئاسية ثانية. حيث كان الدستور ينص على موافقة المجلس على ترشيحه ثم طرح هذه الموافقة على الشعب للاستفتاء. 

كانت إعادة ترشيح مبارك أول معركة بين العمل وبين الجماعة، اجتمعت الهيئة البرلمانية للعمل والتى تضم حزبي العمل والأحرار والجماعة، لكى نناقش موقف الهيئة البرلمانية من ترشيح مبارك، خاصة أن فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد كان قد أعلن أثناء لقائه مع مبارك فى القصر الجمهوري قبل جلسة الترشيح بأسبوع أن الوفد موافق على إعادة الترشيح. 

اجتمعنا فى حزب العمل وكلى ثقة فى أن قرارنا سيكون الرفض، وكانت المفاجأة وما أكثر المفاجأت أن جماعة الإخوان توافق كليا على إعادة ترشيح مبارك لفترة ثانية بل وثالثة..الخ، رفض عدد من أعضاء العمل الموافقة، تم أخذ الأصوات وبالطبع وللأسف كان أغلب أعضاء الهيئة البرلمانية من جماعة الإخوان، هنا حاول شكرى إيجاد حالة من التوافق، فاقترح الموافقة على الترشح والتى يعلنها شكرى فى المجلس باعتباره رئيس الهيئة البرلمانية للحزب ولكن على أن يتم تحقيق مطالب المعارضة والتى تبلورت فى اجتماع فبراير ١٩٨٧ قبل الانتخابات والتى كان أهمها الاشراف القضائى على الانتخابات وتعديل الدستور وإلغاء نسبة الثمانية فى المائة للقوائم ...الخ، وتمت الموافقة.

هنا طلبت تسجيل اعتراضى على إعادة ترشيح مبارك فى مضبطة  الجلسة، وافق الجميع على ذلك. 

جاءت جلسة الموافقة على ترشيح مبارك فى جلسة مسائية تم لها كل الحشد، ألقى شكرى كلمة العمل كما تم الاتفاق عليه فى الهيئة البرلمانية وأعلن الموافقة عارضا المطالب التى تحدثنا عنها وهى مطالب المعارضة جميعها. 

أما المفاجأة فهي أن ياسين سراج الدين رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد أعلن فى كلمته عدم موافقة حزب الوفد على إعادة ترشيح مبارك، هنا أحسست بحالة من الخجل الذاتى أن أكون ضمن هيئة توافق على الترشح وأشاهد الوفد الذى أعلن رئيسه الموافقة أمام مبارك يعلن الرفض. 

أحسست أنى اريد أن أقف فى المجلس واقول بعلو صوتى أننى لم أوافق على الترشح ولكنها الديمقراطية الشكلية، والأكثر أن د. رفعت المحجوب الذى أعلن بزهو اعلان الموافقة طلب من الأعضاء (الموافقين على الترشح) الذهاب جماعة إلى القصر الجمهورى لإبلاغ مبارك بالقرار.

تركت القاعة وصعدت إلى نادى الاعضاء بالدور الثانى عشر بالمبنى المجاور للقاعة زهدا وقرفا، طلبت الشاى وكان من العادة أن ياتى ماسح الأحذية (واسمه رفعت) ويجمع أحذية الاعضاء لكى يلمعها، أخذ الحذاء وأصبحت حافي القدمين. جاء مدير مكتب الحزب بالمجلس يطلب منى النزول الى المهندس إبراهيم شكرى لانه يريد أن أذهب معه إلى القصر الجمهورى، قلت له: انزل قل المهندس إبراهيم أن جمال لم يوافق على الترشيح ولذا لن يذهب إلى القصر. عاد مرة أخرى يلح على النزول، قلت كيف أنزل وأنا حافى القدمين. أخذ الرسول يبحث عن ماسح الأحذية حتى أتى بحذائى بنفسه. 

نزلت إلى شكرى قائلا له: ياريس أنا لن أذهب لاننى غير موافق وغير مستريح. أصر شكرى واستعمل الطريقة الأبوية كعادته، خضعت وأنا لا أحس بالراحة. وصلنا القصر الجمهورى، استقبلنا مبارك حيث كنا نحن وأعضاء الحزب الوطنى وهذا أحدث مزيدا من الضيق لي. 

تحدث مبارك الينا وكنت أتوقع تماما أن يشكر حزب العمل على موافقته لإعادة الترشيح، خاصة أن الوفد الذى أعلن رئيسه الموافقة قد سحبها، توقعت أن يقول سنعمل على تحقيق مطالب المعارضة، لكنه لم يقل لا مطالب ولا معارضة. بعد الحديث وقف مبارك وخلفه زكريا عزمي وعن شماله رفعت المحجوب وعن يمينه كمال الشاذلى، واصطف الأعضاء للسلام على مبارك، وقفت أشاهد وأنا غير مستريح لحضورى الذى لم أكن مقتنعا به على الإطلاق، ولم يهتم شكرى باصطحاب كل الأعضاء معه، فلماذا الإصرار على حضوري؟ 

وقفت أشاهد سلام التملق والنفاق والانحناء من الأعضاء لدرجة أننى لم أتقدم للسلام الا متأخرا والغريب أنه لم يخطر على بالى أن اللقاء يذاع على الهواء وهذا طبيعى! ظللت أسائل نفسى: انت نائب فلماذا لا تواجه مبارك بما يعتمل بداخلك؟ واذا كنت لاتستطيع ذلك فما فائدة هذه النيابة عن هذا الشعب؟ وصلت لمبارك ولم أقم باحتضانه مثل الجميع. قلت له: أنا جمال اسعد امين عام مساعد حزب العمل الاشتراكى ولم أكن موافقا على إعادة الترشح، ولكن التزاما بقرار الحزب كنت أتصور أن سيادتك ستعد بتنفيذ مطالب المعارضة. كان هذا الحديث ومبارك ممسك بيدى ولم يتركها، قال لى أننى سأحاول تنفيذ هذه المطالب أن شاء الله ولكن أنت شايف الممارسات السياسية، ففؤاد سراج الدين يأتى إلى ويعلن الموافقة ثم يرفض حزبه فى المجلس. 

قلت ياريس هذه ممارسات حزبية تعود الى ماقبل ١٩٥٢ ونحن أبناء الثورة فلا نعرف اللف ولا الدوران، استمر الحديث وأخذ يضع يده على كتفى وهو ممسك بيدي، هنا قال رفعت المحجوب خلص ياجمال، قلت أنا بقول كلام مهم مع الرئيس موش واقف علشان أتصور. 

ضحك مبارك ونظر خلفه محدثا زكريا عزمى: ابقى حدد ميعاد لجمال يا زكريا بعد الاستفتاء، سلمت على مبارك بالحضن ثم رفعت المحجوب وبعده كمال الشاذلى الذى قال لى انت بتلعب على كبير! قلت له: أنا لا ألعب انت اللى بتلعب. 

عدنا إلى المجلس وفوجئت بوكالات الأنباء والصحفيين فى انتظاري، لكى يعرفوا ما هو الحديث الذى دار ببنى وبين مبارك حيث كان مذاعا على الهواء، وقد لفت الأنظار، وكان خبر هذا الحديث الخاص فى كل الجرائد وفى الصفحة الأولى.

(صورة مع مبارك وانا فى أقصى اليمين وبينى وبينه الحرس)
---------------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك


مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان