26 - 04 - 2024

انتخابات حقيقية

انتخابات حقيقية

تكتسب أي مؤسسة أهميتها من مصداقيتها وفاعليتها فى حياة الناس وقيامها بالدور المنوط بها والتى أسست عليه. لذلك كانت تجربة انتخابات مجلس الشورى درس لمن يريد أن يفهم، مغزى امتناع الناس عن التصويت رغم التهديد بالغرامة لأنه ببساطة أدرك الناس أنها انتخابات صورية لمجلس ليست له صلاحيات حقيقية ولا قدرة على انفاذ تشريعاته، فاذا ما كان هذا هو الحال فما الضرورة له؟ اكتساب حصانة لبعض المحاسيب أو تكريم بطالة لمن لا شغل له؟ أو مكلمة تلهى الناس فى شائعات وكلام مرسل  تلهيهم عن الاهتمام بالجاد والضرورى من الأمور التى تمس غالبية الشعب البسيط القليل الحظ الذى لم يجد من يحنو عليه؟ 

بالمثل بالنسبة لمجلس الشعب، وتنبهوا لعبارة نواب الشعب ومجلسه أي هو بالضرورة صوت الشعب وحاميه، الذى يراقب نيابة عنه السلطة التنفيذية وليس العكس.. الذى يشرع مشروعات قوانين تصب فى مصلحة اغلبية الشعب ولا تقع كطوبة فى رأسه أو تحول حياته الى عذاب مقيم.. مجلس يوصل مشاكل وعذابات الناس الى المسؤولين ويرغمهم على حل مشاكله. 

فإذا لم يقم بكل تلك الأدوار، فما ضرورته التى تجبر الناس على النزول عامة وفي ظروف جائحة كورونا  والوقوف فى طوابير ليمارس حقه الدستورى لاختيار نوابه الذى يقومون مقامه في مراقبة ومحاسبة من هم من ضرورات وظيفتهم إدارة شؤون البلاد والعباد لتجعل الحياة اقل غلظة وأكثر عدلا لأغلبية الناس، فإن لم يفعل .. فما حاجته إذن؟

أتصور أن ذلك ما يشغل بال الأغلبية غير المسيسة، أي التي لا تعنيها ألاعيب السياسة وضرورات الحكم، إنما تريد حكومة ونوابا وجيشا وشرطة يخففون من وطأة الحياة الغليظة القاسية بطبيعتها، فيشعرون بالاستقرار والطمانينة.. فإذا ما شعروا أن الموضوع كله تربيطات أحزاب .. أو ملفات أمنية .. أو اتفاقيات الغرف المغلقة، يشعر أنه ليس المستهدف أساسا من العملية الانتخابية، فلا تتعجبوا لو جلس على الكنبة فى صالة بيته يراقب اللجان الخاوية ويمصمص شفتيه فى حسرة ساخرة ولسان حاله يقول: مش قلت لكم؟

فإذا ما كانت رغبة الحكومة أن يستجيب الشعب لعملية العرس الديموقراطى كما يسمونه! فمن باب أولى أن تحسن استضافة المعازيم.. بمعنى أن تشجعهم على الحضور بأن تسهل وصول المرشحين للناس فى بيوتهم عبر توفير مساحات إعلامية للمعارضين قبل الموالين، أن يسمحوا للحوارات أن تتناول مشاكل الناس الملحة الحقيقية أيا كانت حساسية تلك الموضوعات أو صعوبتها، فحلها يبدأ بمواجهتها بكل صراحة وإعطاء فرصة للوصول إلى حلول، أن يعثر عليها بالمواجهات والمناقشات المتنوعة والتى من خلالها قد نصل إلى حلول خارج الصندوق لمشاكلنا المتوطنة والمستعصية معا!

أن يشعر الناس أن الانتخابات حقيقية تستهدف اختيار نواب حقيقيين لممارسة دورهم الحقيقي لتدعيم دولة حقيقية، تؤسس لممارسة نيابية حقيقية. دون ذلك، فإنها مسرحية، الناس فى غني عنها وسطأزمة اقتصادية طاحنة زادت من وطأتها الجائحة التى تسببت فى خراب بيوت كثيرين و تعطل الآلاف. ولأول مرة تدرك الدولة مشكورة خطورة تلك البطالة، خاصة العمالة المؤقتة أو العمالة المسرحة، فمددت شهور الإعانة الحكومية لهم، وأعترف أنها تمثل سابقة فى مصر رغم أنه معمول بها فى البلاد الغربية كنوع من تضامن الدولة مع العاطلين، حتى لا يلجأوا للجريمة وتسود فوضى، نحن فى غنى عنها فى ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد!

 كما لا بد من السماح للناس أن ينتقدوا الحكومة والنواب السابقين والمجلس ورئيسه دون أن يتهددهم اتهام بنشر الشائعات وإثارة البلبلة أو نشر أخبار كاذبة، ففى وسط تلك المخاطر سيعزف الناس عن الانتخابات، فبدون حوار.. وكشف المستور وتقييم حقيقي لأداء المجلس السابق ونوابه، لن يجدوا دافعا للنزول، ليظل احمد كالحاج احمد.. عينه على إرضاء سلطة يفترض أنه يراقبها ويحاسبها.. ويظل جل اهتمام النواب أموال الجلسات والرواتب والحصانة لا أكثر، ومن أجل تلك النوعية لا أتصور أن يتشجع الناخبون على انتخابهم.

 ذلك مجلس للسلطة التنفيذية وليس ظهيرا للشعب، والناس يريدون نوابا للشعب و خداما له فى العمل  العاموليس داعمين ومؤيدين لقرارات الحكومة، وتلك سلطة تشريعية يفترض أن تشرع قوانين، لا تبصم على قوانين الحكومة قبل أن تناقشها وتدرسها وتتنبأ بتوابعها الاجتماعية، فروح القانون أهم من  القانون ذاته، وإحساس الناس بأنهم نوابه ومن اختياره وأمناء على مطالبه وظهيره السياسي سيكون الدافع الأساسي لنزولهم للاستحقاق النيابى ولمجلس نيابى يليق بمصر وليس مجلس "أبله نعيمة.. نعمين"! 
---------------------
بقلم: وفاء الشيشيني  

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان