18 - 04 - 2024

التعليم بين الترقيع والتطوير

التعليم بين الترقيع والتطوير

قبل عدة أعوام توليت إدارة مجلة تربوية في دولة الإمارات العربية، وذهبت لإجراء حوار مع الدكتور جمال المهيري وكيل وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت، وفي بداية الحوار قال مازحا: "لقد تعلمنا في مصر أفضل تعليم ولكننا نعاني في الوقت الحالي من المناهج والبرامج والكتب التعليمية في مدارسنا، للأسف كل مانطبقه نتاج مصري وأصبح يسبب لنا عبئا كبيرا وأزمات في العملية التعليمية ومستوى الخريجين، لذا شرعنا في تطوير وتغيير المناهج بما يتوافق مع متطلبات العصر ويعزز الثقافة العامة للمتعلم يؤهله لخوض غمار الحياة".
للآسف نظامنا التعليمي الذي صدرناه لعدد كبير من الدول العربية لم يصمد طويلاً وسرعان ما تم تغيير البرامج والآليات التعليمية بكل مكوناتها بينما استمررنا في مصر نعاني من الأزمات والانحدار في العملية التعليمية بكل مشتملاتها حتى افرزت لنا شبابا جامعيين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة ولا يتقنون أي فن من فنون الحياة، فتراجعت أسهم التعليم المصري في التصنيف العالمي وأصبح في ذيل القائمة العالمية، بينما تتسابق الدول العربية الشقيقة التي غيرت من النظام التعليمي المصري إلى أنظمة أخرى إلى مصاف الدول العالمية فأصبحنا نجد دولا مثل قطر والامارات والاردن تسبقنا بمسافات طويلة في القائمة الدولية بعدما كان يتمنى الجميع أن يتعلم في مصر، أصبح الكثير من المصريين أنفسهم يشدون الرحال لاستكمال دراساتهم في دول ظلت حتى وقت قريب على هامش الحياة التعليمية.
فماذا أصاب مصر وتعليمها ولماذا غير العرب وغيرهم وجهتهم بعيداً عن الدراسة في مصر، بل وصل بنا الحال أن نجد اعدادا كبيرة من المصريين تذهب إلى السودان أو اوكرانيا وغيرها من الدول الأخرى حتى وصل ما ينفقه المصريون على الدراسة في الخارج نحو 35 مليار دولار سنويا.

 لم يكن كل ذلك يكفي لكي تستفيق الدولة المصرية من هذا الانهيار وعندما تستفيق كانت تخشى التغيير والتطوير وتكتفي بعمليات الترقيع، حتى جاء الوزير طارق شوقي ليخوض غمار التحدي ويقرر تطهير العملية التعليمية من كل ما علق بها من رواسب على مدار سنوات حتى أصبحت الرواسب مثل الجبال يصعب تحريكها وتحتاج إلى إعجاز، وبما أن المصريين دائما يخشون من كل ماهو جديد فقد شهدت عملية تطوير التعليم جدلا واسعا بين المواطنين.
الكل يجمع على أن الوضع الحالي لايمكن القبول به وأن التعليم يكلف الأسر المصرية الجزء الأكبر من طاقتها ويبتلع ميزانيتها وفي نفس الوقت نقول إن التعليم مجاني فكيف تستقيم الآية بين مجانية التعليم وابتلاع ميزانية الأسرة، لذا كان لابد من البحث عن حلول ولكن هل ما عرضه وزير التربية والتعليم من تطوير وتغيير هو ما يتمناه المواطنون ويتطلع إليه المصريون. أعتقد إننا كنا في حاجة للإطلاع على تجارب الآخرين والاستفادة منها بشكل أفضل وأعمق، وأن يتحول تطوير التعليم إلى مشروع قومي تمنحه الدولة الكثير من اهتمامها وأموالها كما فعلت في مشروع الطرق والإسكان.
فعندما فكرت أحد الدول الخليجية في تطوير برامجها ونظامها التعليمي أرسلت وزيرها المختص إلى عدد كبير من الدول المشهود لها بجودة التعليم عالميا وبحكم عملي في تلك الفترة سافرت مع الوزير في مهمة صحفية إلى ايطاليا وأراد الوزير الاطلاع على تجربة المدارس هناك فطلب من المسئولين هناك زيارة أحد المدارس ليشاهد على الطبيعة كيف يدار اليوم الدراسي، وبالفعل ذهبنا مع الوزير في الصباح إلى إحدى المدارس وحرص الوزير أن يتابع اليوم الدراسي من أوله فقد شهد الحافلات المدرسية وهي تدخل الطلاب إلى المدرسة بملابسهم العادية بلا كتب بلا حقائب ولا أي أدوات مدرسية فأثار ذلك اهتمامنا جميعا ولكن الطلاب دخلوا جميعا إلى غرفة طولية بها عدد ضخم من الدواليب كل دولاب يفتح برقم سري واخرجوا ملابسهم وكتبهم بدلوا ثيابهم وذهبوا إلى الفناء لأداء طابور الصباح وبعدها وقف كل معلم على باب فصله يستقبل طلابه بالضحكة والابتسامة والمصافحة.
وبدأ اليوم الدراسي كالمعتاد وانتهى تقريبا في تمام الثانية بعد الظهر، ولكن لم يخرج الطلاب وجاء معلم الفصل وطلب منهم مراجعة دروس اليوم وأداء الواجبات والاستفسار منهم عما إذا كان هناك أي صعوبات يفندها لهم، وبعد انتهاء المراجعة وأداء الواجبات في تمام الثالثة والنصف توجه كل طالب الى خزانته ووضع كتبه وأدواته وبدل ملابسه وخرج عائداً إلى منزله. وعندما سألنا مدير المدرسة عن ذلك قال" الطالب بعد انتهاء اليوم الدراسي يخرج ليمارس حياته الاجتماعية وهواياته ويعيش مع اسرته، لقد انتهي التعليم عند الساعة الثالثة والنصف تقربيا، ولا يجب أن يكون التعليم وسيلة للضغط بل وسيلة للارتقاء بحياة الطالب"
ماذا لو اطلعنا على تجارب مثل ذلك وغيرها الكثير بدلاً من القص واللصق من هنا وهناك ثم البحث عن التطوير مع أول تغيير وزاري. لقد حاولت الوزارة على مدار سنوات أن تقضى على الدروس الخصوصية وبعد فشلها في ذلك قامت بممارسة هذا الفعل في الوقت الذي قلصت فيه الحصص الدراسة وكأنها تمهد بذلك لإلغاء لليوم الدراسي والاكتفاء بدرسها الخصوصي يبدو أن الوزارة تطبق مبدأ حلال علينا حرام عليهم.
----------------------------
بقلم: رمضان العباسي

مقالات اخرى للكاتب

طالبة الآداب .. هل قتلت بالحب أم بالجهل وغياب الوعي؟





اعلان