29 - 03 - 2024

التطبيع وتغريدة عمرو موسي!

التطبيع وتغريدة عمرو موسي!

لقد فاجأتنى مثل آخرين تغريدة السيد عمرو موسى وزير خارجية مصر والأمين السابق للجامعة العربية تعليقا على تصريح الرئيس ترامب فى 13/8/2020 عن توقيع اتفاق سلام تاريخى بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية بمشاركة أمريكية ، وبصرف النظر عن معنى كلمة سلام وتاريخى ، فإن ما لفت نظرى هو السرعة التى علق بها الرجل على هذا التصريح بعد أقل من أربعة وعشرون ساعة من صدوره ، وقبل أن يعرف أحد تفاصيل ذلك الإتفاق ودون أن تكون هناك ضرورة تفرض عليه ذلك . كما لفت نظرى أيضا خلو تصريح  ترامب من أى إشارة لقضايا الشعب الفلسطينى وحقوقه . وهكذا فإنه وحين يوكل للرئيس ترامب شرف الأعلان عن هذا الإتفاق فإن الخطاب كما يقول المثل الشعبى . . قد قريء من عنوانه ! .

ووجه المفاجأة هو أن تعاطف الوزير مع الخطوة الأماراتية لا يتوافق مع صورته الشعبية المحبوبة ، ولا مع ماعرف عنه من تصريحات غاضبة تفيد رفضه للتطبيع وتضامنه مع الحق الفلسطينى  وحتى أصبح إسمه عنوانا لأغنية شعبية شهيرة ،  كما أنه يتعارض مع الموروث السياسى والثقافى لسيادته باعتباره كان يوما ما عضوا فى التنظيم الطليعى الذى أسسه عبدالناصر فى منتصف الستينات ليضم أكثر القيادات إيمانا بمبادىء يوليو، ومواثيق الثورة وفى مقدمتها التناقض الطبيعى لثورة يوليو مع الطبيعة العنصرية للصهيونية ، وتضامنها مع حقوق الشعب الفلسطينى .

و تعقيبا على ماجاء فى تغريدة السيد عمرو موسى عن عالم مختلف يسقط مسلمات ويبنى أسسا جديدة للعلاقات الدولية لا تلتزم بميثاق الأمم المتحدة أو قرارتها  ، فهو أول من يعرف من هى الدول التى لا تحترم قواعد القانون الدولى ، وترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، إنهما إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وهذا الموقف قديم لا جديد فيه منذ زرعت إسرائيل على أرض فلسطين  ، كما أن هذا نفسه هو سلوك الغطرسة الأمريكية التى تتعامل بها مع العالم فلا تهتم بحقوق ولا تخشى قانونا.

وأما عن النصيحة التى يقدمها سيادته للدول التى ستحذو حذو الإمارات ، وهى أن يكون للتطبيع مع إسرائيل مقابل لصالح الفلسطينيين . فهنا يصح أن نذكره بمبادرة السلام العربية التى أعلنت فى قمة بيروت فى مارس 2002حيث كان سيادته أمينا للجامعة العربية ـ وموجزها الحقوق المشروعة للفلسطينين مقابل التطبيع مع جميع الدول العربية ـ وهى المبادرة التى رفضت إسرائيل التعامل معها لأنها لا تريد أن تدفع أى ثمن مقابل التطبيع . ولن نكرر (الردود المهينة لأسرائيل على كل ما ورد فى هذه المبادرة من حقوق للفلسطينيين) ، و السؤال الذى تغنى إجابته عن كل إجابة ، هو لماذا ترحب إسرائيل وتهلل الآن للتطبيع مع دولة واحدة و نعنى بها (دولة الامارات) ، وهى التى رفضته مع الدول العربية مجتمعة منذ 2002 ؟

والحقيقة أن الإمارات وبتوقيعها على هذا الإتفاق تكون قد تراجعت عن تعهدها الرضائى فى مواجهة الشعب الفلسطينى من جهة والدول العربية مجتمعة من جهة أخرى ، بأنه لا تطبيع مع إسرائيل إلا بعد استرداد الشعب الفلسطينى حقوقه كاملة ، وقبل ذلك فإن أحدا لايشك فى أن الوفاء بالعهود واحد من قيم العروبة والإسلام ، وأن هذا التراجع لا يتوافق مع ميثاق الجامعة ولا قرارات القمم العربية السابقة  ، فضلا عن أن ذلك يعتبر نكوصا عن التزامها الأخلاقى والأنسانى المفاجىء فى مساندة شعب يتعرض لمحنة ليس لها مثيل ، وأن رفض الدول العربية للتطبيع كان هو حائط الصد الأخير لهذا الشعب البطل .

وإننى إذ أناشد ضمير الرجل الذى تولى أرفع منصب عربى ، وكان أمينا لايمثل نفسه ولا حكومته ولكن كان فى اعتقادى يمثل الضمير العربى أن يتراجع عن هذا التعاطف ، وأن يعود إلى أحضان الشعب الذى غنى له (بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل ) وقبل أن يتاجر الأخرون بموقفه ، كما اناشد كل من ينخدع بأوهام الرخاء والسلام أن يتوقف وأن يتراجع ، وإن لم يكن ذلك من أجل الشعب الفلسطينى الذى يراق دمه كل يوم ، فمن أجل الدم المصرى الطاهر للأسرى المصريين الذين إغتالتهم فرقة روح شاكيد الإسرائيلية وهم عزل من أى سلاح ، وإننا وشهدائنا الذين سبقونا إلى الجنة لمنقلبون .
----------------------
بقلم: محمد الشهالى

مقالات اخرى للكاتب

التطبيع وتغريدة عمرو موسي!





اعلان