20 - 04 - 2024

وجهة نظري| ضحايا مخالفات البناء (2)

وجهة نظري| ضحايا مخالفات البناء (2)

يستطيع الإنسان أن يتحمل الجوع.. لكنه أبدا لايستطع الحياة دون جدران حوائط تستر جسده، يخلو بيتك من الطعام فتتألم وتتحمل لكن ما يصعب عليك احتماله أن تجد نفسك وأسرتك بلا بيت تسكن فيه يمدك بقدر من راحة مهما كانت بساطة حاله وتواضعه.

أنات المهددين بسيف قانون التصالح فى مخالفات المبانى تتعالى، تعاطف الكثيرون معها حتى تلك الأبواق التى كانت دوما دعما لكل قرارات الحكومة والمؤيدة دوما لسياساتها دون تفكير أو تمحيص وبلا أدنى تعاطف مع تبعاتها على المواطن البسيط بل وحتى أولئك المنتمين للطبقة المتوسطة وشرائح من الطبقة العليا، فلم يسلم أحد من آثارها التى مست كل الجيوب فأصابتها بالفلس والخواء .

كان التعاطف مع ضحايا قانون التصالح كبيرا، لدرجة دفعت الدولة لإعادة النظر لييس بالطبع فى بنوده وتوقيت وإجراءات تطبيقه، لكنها اكتفت كالعادة بوضع عدد من المسكنات علها تنجح فى تخفيف العبء، أو إن شئنا الدقة حجم الغضب المكتوم الذى ترجمه الضحايا بالإحجام عن التقدم بطلبات التصالح.

ولأن حجم النيران تحت رماد الرفض المكتوم من القانون المجحف فى نظر البعض أكبر من تجاهله، تراجعت الحكومة خطوة يراها المهللون لسياستها بأنها ترجمة لإحساسها بحال المواطن البسيط وتخفيفا للعبء الملقى عليه، وتيسيرا لإجراءات تطبيق القانون دون مشقة وعناء تفوق قدرة الكثيرين على تحملها.

لكن الواقع يشير إلى أن الحكومة لم تقدم الكثير، ففى الوقت الذى اكتفت فيه بتقنين سعر المتر للمخالفين فى القرى بخمسين جنيها فقط ومنحت خصما نسبته 25% لمن يقوم بالسداد الفوري للغرامة، ومدت فترة السماح لاستكمال الأوراق لمدة شهرين، واكتفت بنموذج 3 يقدمه المواطن ليتم إيقاف وتجميد إجراءات تطبيق القانون لحين إنتهاء هذه المدة، وأعلنت عن تخفيضات فى قيمة التصالح تتراوح مابين 10 و70%.

لكن مازالت المشكلة قائمة ومازالت صرخات الضحايا تتزايد، فغرامات التصالح يعجز الكثيرون عن سدادها، فضلا عن عجزهم عن استيفاء كل المستندات المطلوبة والتى من بينها رسم الفحص وجدية التصالح، وكذلك التقرير الهندسي لحالة العقار، وهو ما يتطلب عدة آلاف تعجز دخول الكثيرين المحدودة عن تقديمها.

الأهم من كل ذلك أن أحدا لم يسمع عن حيتان وأباطرة المخالفين ممن شيدوا الأبراج والفنادق والشاليهات بالمخالفة للقانون، وكذلك لم يتعرض أحد للنقابات والهيئات والمؤسسات التى احتلت شواطئ البحر والنيل وضربت عرض الحائط بالقانون وبحق البسطاء فى الاستمتاع بتلك الشواطئ .

لم نسمع سوى كلمات مقتضبة عن البدء فى تحرير مخالفات للحيتان، لكن أحدا لم يكلف نفسه جهد شرح تفاصيل تلك المخالفات ولا عرض أسماء المخالفين الوجهاء وحجم مخالفاتهم والغرامات المعرضين لسدادها وفق القانون.

ليبدو قانون التصالح لايطبق فقط سوى على الضعفاء ممن لا حول لهم ولا قوة.. وأكبر دليل صارخ على ذلك أن أحدا من المسؤولين لم يتطرق إلى الفساد الذى طفحت به المحليات، والكل يعلم أن تلك المخالفات تمت تحت سمع وبصر رؤساء الأحياء ومسئولي الإدارات المحلية إما بغض الطرف أو التواطؤ والتكسب والتربح والحصول على الرشاوى مقابل تمرير تلك المخالفات.

فكان من الحكمة، ولا نقول من الإنصاف والعدل، أن نبدأ بمحاسبة أؤلئك الذين تسببوا بفسادهم فى تفشى ظاهرة العشوائيات لا نكتفى بتحميل المخالفين وحدهم ثمن تلك المخالفات رغم أن كثيرين منهم يعدون الحلقة الاضعف فى تلك الدائرة المتردية.

الغريب أن لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب سلطت الضوء على الترهل والفساد الإدارى الذى امتد لأكثر من خمسين عاما، كما رصدته اللجنة وأعتبرته سببا رئيسيا فى ظاهرة البناء المخالف والتعدى على الاراضى والعشوائيات، وهو ما أشرت إليه فى مقالى السابق، لكن يبدو أن آراء النواب الموقرين لايجد هو الآخر آذانا تسمعه، مادام لا يأتى على هوى الحكومة ولايهلل لقراراتها وسياستها!

ميزان العدالة المختل دوما لصالح الوجهاء والمخل على طول الخط بحقوق وظروف وحياة المواطنين البسطاء يدفع صمت العجز يوما أن يتحول لصرخة، وقانا الله جميعا شر غضبتها.   
-----------------------------
بقلم: هالة فؤاد

 

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان