20 - 04 - 2024

عن العشاق

عن العشاق

لما اشتد الوجد بقيس بن الملوح "مجنون ليلى" خشي أهله عليه، فاجتمع أبوه وأعيان قبيلته، وذهبوا إلى والد ليلى قائلين:

- إن هذا الرجل لهالك، وهو في أقبح من الهلاك بذهاب عقله، وإنك فاجع فيه أباه وأهله، فنشدناك الله والرحم، أن تزوجه ليلى، فوالله ما هي بأشرف منه، ولا لك من المال مثل أبيه، وقد حكمناك في المهر، فإذا طلبت كل ما يملك أجابك.

لم يؤثر كلام القوم – على بلاغته - في قلب أبيها الصخري، فأبى وحلف بطلاق أمها، ألا يزوجها منه أبدا وقال:

- أأفضح نفسي وعشيرتي، وأفعل مالم يفعله رجل من العرب؟

فقد كان العرف، أن من يذكر امرأة في شعره، لا يتزوجها أبدا. فانصرفوا والغم يملأ قلوبهم، ولم تمض أيام حتى زاد غمهم، بتزويج ليلى لأحد رجال قومها، وتعجيل زفافها، لينقطع آخر خيط في ثوب الأمل، لدى المجنون وأهله.

وهكذا صار جنون قيس خطرا، فترك الطعام والشراب ولحق بالبرية مع الوحوش، نصح الأهل أباه أن يصحبه إلى الحج، ويجعله يتعلق بأستار الكعبة، داعيا الله أن يبغضها إليه، ويصرف عنه حبها.

فلما كانا "بمنى"، سمعا صائحا يصيح فى الليل:

- يا ليلى

فصرخ صرخة ظنوا أن روحه خرجت معها، وأغشى عليه حتى الصباح، ثم أفاق ذاهلا حائل اللون وقال:

إذا بان من تهوى وصار نائيا / فلا شئ أجدى من حلولك في القبر

ثم قال له أبوه:

- تعلق بأستار الكعبة ، واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى

فتعلق بالأستار وقال:- اللهم زدني لليلى حبا وبها كلفا، ولا تنسني ذكرها أبدا

بعد عودته من الحجاز، هام في البراري، حتى بلغ حدود الشام، وهو لا يدرى زمانا ولا مكانا، فإذا رجع إليه عقله لدقائق، سأل عن بلده "نجد" فيقال له:- أين أنت من نجد؟

ثم يعرض عليه الناس أن يكسوه ويحملوه إلى موطنه فيرفض، وعندما يدلونه على الطريق يتوجه ناحية نجد في هيئة لا تسر عدوا ولا حبيبا.

يقال انه وصل منهكا جائعا بائسا مقرورا ، لكنه يتوجه إلى خيام زوج ليلى ، فوجده جالسا في الفناء، في يوم شات بارد، فسأله والدمع يفيض من عينيه، والأسى يقطر من شعره:

بربك هل ضممت إليك ليلى

قبيل الصبح أو قبلت فاها

وهل رفت عليك قرون ليلى

رفيف الأقحوانة في نداها

وفجأة مد قيس يده، فقبض على الجمر الذي يصطلي به زوج ليلى، فاحترقت أصابعه وفقد الوعي، وصب الزوج الجلف الزيت على النار، وفقد شعوره، وقتلته الغيرة فانتقم من قيس شر انتقام ، فقال له حين أفاق:

هبها نعم يا قيس هل / مع الحلال من تهم؟ 

المرء لا يسأل هل / قبل أهله ؟ وكم؟

أجل لقد  قبلتها / من رأسها إلى القدم.
----------------------
بقلم: سميرالمنزلاوى

مقالات اخرى للكاتب

وما تفنى العناقيد!





اعلان