هل يمكن أن يختفي كاتبٌ أو ناقد أو مثقف، فجأة؟
نعم، ما دام مواطنًا عربيًا فهذا طبيعي ومشروع، وما أكثرَ ما حدث هذا في بلادنا ومجتمعاتنا.
لكن أغلب حالات الاختفاء المفاجئ يصاحِبها أمران، الأول حدوث سؤالٍ وضجةٍ وصخب حول الاختفاء، الأمر الآخر أنه يتبيّن بمرور الوقت أن وراء الاختفاء سببًا، كأنْ يكون المختفي معارِضًا سياسيًا مثلا، أو أن يكون قد تعرّض لاعتقالٍ عشوائي،ـ أو أن وراءه ثأرًا وانتقامًا، أو أنه لقي حتفه إثر حادثةٍ ما.
القصد أن الناس لن تنكر اختفاء الرجل، ولن تصمت، بل إن أصحاب المختفي أو معارفه، لن يجرؤ أحدهم على الإدعاء أنه لا يعرف شيئًا عنه!
وفي كل الحالات لا يمكن مثلا أن تسأل عنه في مكان عملِه، فيقول لك زملاؤه "لا نعرف عنه شيئًا"! أو "متأسفون لن نجيب عن سؤالك"!
ولقد استنفدت كل السبل والوسائل المتاحة قبل أن أكتب هذا المنشور، أكتبه الآن متوسلاً ومستجديًا أي صديقة أو صديق أن يتفضل بأي إجابة تبعث الاطمئنان حول مصير كاتب وأديب وناقد ومثقف، اختفى فجأة، وباءت كل محاولاتي في البحث عنه بالفشل!
الكاتب هو الأستاذ ياسين سليماني، ناقد ومثقف جزائري، صفحته على الفيس بوك باسم (Yacine Slimani) له كتب ومؤلفات، ويشارك بكتاباته نشرًا في الصحف والمطبوعات المصرية والعربية، وأكثر اهتمامته النقدية بالمسرح.
وتبدأ القصة منذ سنوات، إذ جمعنا الفيس بوك، وصرنا صديقيْن، يتابع ما أكتب، وأتابع ما ينشر، وكنا نتبادل المناقشات والتحايا، شأن أي صديقين على الفيس بوك.
وحدث قبل عام 2020 بشهرين، أن تواصل الرجل معي عبر الخاص، وذَكَرني كعادته بخير، وقال إنه بصدد تأسيس دار نشر، هو ومجموعة من الأصدقاء، وطلب مني ديوانًا شعريًا للطبع عنده. وذَكر لي اسم دار النشر (دار سؤال) فاستجبتُ له دون أي شروط، خاصةً وأنه صديق ومبدع ومثقف، وأدركت جيدًا ما يتمتع به من وعي ثقافي وفني.
في يناير 2020 أبلغني الصديق ياسين سليماني بإصدار الديوان، وأرسل لي غلافه، ثم نشرت الدار الخبرَ والغلاف، ووعَدني بإرسال نسخي في أقرب وقت.
وفجأة، اجتاحت العالمَ كورونا، وحدثَ أن كَتب الصديق ياسين سليماني على الفيس بوك أنه مضطر لإغلاق صفحته، ولم يذكر أسبابًا لذلك!
ومرت شهور .. وصفحته غير موجودة، وكلما خاطبت الدارَ على صفحتها على الفيس بوك متسائلا عن مصير الديوان، تكون الإجابة "قريبًا لأن الإرسال والنقل متعطلان بسبب كورونا".
ولمّا طال غياب الصديق – الذي هو مدير النشر - تركت الديوان جانبًا، وبدأت أسأل الدار عن الصديق سليماني، لأسمع أغرب إجابة "لا نعرف شيئًا ... نحن لا نرد على شيء بعيدًا عن النشر"!
كانت الإجابة صادمة، حاولت معهم مرة إثر مرة، ولكن دون جدوى! كتبت منشورًا على صفحة الدار، منشورًا على العام .. لكن الدار لم تعلّق!
كتبت تعليقًا على أحد منشوراتها، لكنها لم تعلّق!
استعنت بصديقات وأصدقاء جزائريين، أسألهم عن الرجل، بعضهم لم يجد جوابًا، والبعض يحاول ويبحث.
أين اختفى الأستاذ ياسين سليماني؟
لو أنه مات ... فليس ذلك سرًا!
لو أنه مريض أو مصاب، فليس ذلك سُبّة ولا عارًا!
لو أنه سُجِن أو اعتُقِل، فكلنا معرّضون لهذا.
لكن السؤال المؤذي، كيف تتكتم دار النشر، التي كان هو مديرها ومؤسسها، عن مصيره؟ وكيف ترفض الإجابة؟!
أقسِم بالله، أنني لست مهتمًا الآن بديواني الشعري، قدْرَ اهتمامي بمعرفة مصير الرجل.
ياسين سليماني ... صديقي الكاتب والناقد الجزائري، مِن مدينة وهران، مدير دار سؤال للنشر ... أين هو وفيمَ اختفاؤه؟!
يمنعني الحياء أن أطلب منكم مشاركة منشوري، لعل أحدًا يلتقِط سؤالي، لعل أحدًا يعرف أين ذهب، وكيف اختفى الصديق ياسين سليماني.
ـــــــــــــــــــــــــ
بقلم: أشرف البولاقي