لا أعتقد أن المبررات التى ساقتها الحكومة لتمرير مشروع قانونها الجديد الذى بموجبه يتم فرض غرامة على الطلاب الراسبين بالجامعة، يمكن أن تقنع طفلا صغيرا مازال يحبو، ولم يعرف بعد خبث وحيل وألاعيب يلجأ إليها المسئولون لتمرير قراراتهم المجحفة الصعبة.
والحقيقة أن الحكومة عودتنا ألا تتعب نفسها كثيرا فى تسويق تلك القرارات ليس لقناعتها التامة بأنها ستحظى برضا وقبول وثناء الشعب، لكن لأنها تدرك تماما أن لاصوت أصبح يعلو على صوت النظام، وأن ما تسنه من قوانين وتتخذه من قرارات وتنتهجه من سياسات، سيقابل بالصمت التام الذى بالقطع ليس تعبيرا عن الرضا، بقدر ماهو ترجمة للعجز وقلة الحيلة وفقدان الأمل.
ولنا أن نتخيل حال ملايين الاسر البسيطة، بل وحتى المنتمية للطبقة المتوسطة المغبونة بعد أن ذاقت الأمرين، لتعبر بفلذات أكبادها من كابوس الثانوية العامة وقبل أن تبدأ أولى خطواتهم إلى الجامعة والتى بالطبع لن ينال مقعدا فيها إلا المحظوظون أصحاب المجاميع الفلكية.. بعد اجتياز طلاب الثانوية العامة وأهاليهم كل تلك العثرات، يصدمهم مشروع قانون فرض غرامة على الراسبين بالجامعة.
الصدمة ليست بالطبع فى الغرامة فى حد ذاتها فقط، ولا فى العقلية التى تمخضت عنها، ولكن أيضا فى تلك الارقام الفلكية التعجيزية التى فرضها مشروع القانون والتى تترواح مابين 6 و12 الف جنيه للراسبين فى كلية الطب وطب الأسنان و 5 - 10 آلاف جنيه لكليات الهندسة والمعلومات والصيدلة والعلاج الطبيعى و4 - 8 آلاف جنيه لكليات الطب البيطرى والزراعة والتمريض و3- 6 آلاف جنيه للكليات والمعاهد الأخرى.
تبدو الأرقام الخيالية ليست فقط مفزعة فى وقعها، لكنها أقرب لتكون سيفا مسلطا وإجراء عقابيا على الطلاب الراسبين.. وفى الحقيقة أنها سيف مسلط على الأهالى التعساء أكثر ما هى موجهة لابنائهم.. فهم وحدهم من يدفع الثمن، وهم وحدهم من يشقون الصخر ويفعلون المستحيل حتى يعبر أبنائهم لبر الأمان حاملين شهادتهم الجامعية كما يحلمون، حتى وإن كانت البطالة تنتظرهم، وحتى وإن كانت تلك الشهادات الممهورة بختم النسر فقدت كثيرا من قيمتها ولم تعد تحقق كثيرا لحاملها، بل وربما ضاعفت من شعوره بالإحباط وتأنيب الضمير عما تحمله أهله من عناء ليحصل على تلك الورقة، التى لم تعد تساوى قيمتها ثمن الحبر الذى كتبت به .
رغم قتامة المستقبل فى عيون طلبة الجامعة وأهاليهم، إلا أن دوامة اليأس تلك لم ترحمهم من مزيد من الدوامات تحملهم إليها تلك الغرامات القاسية.. والتى حاولت الحكومة تسويقها كالمعتاد بحجج معسولة على شاكلة أن حصيلة تلك الغرامات ستصب قى صالح تحسين الخدمات التعليمية بالجامعة، وأن الهدف منها تحميل الطلاب الراسبين جزءا من التكاليف الفعلية التى تتكبدها الدولة نتيجة لإعادتهم السنة الدراسية، كما أكد وزير التعليم العالى الدكتور خالد عبد الغفار .
سيف الحكومة التى سلطتها على رقاب الطلبة الراسبين وأهاليهم لم تحمل أى وعود على الجانب الآخر لأولئك المتفوقين من الطلاب الحريصين على النجاح بتقديرات لاتقل عن جيد جدا وكثيرا ماتصل للإمتياز، فمكافآة التفوق لهؤلاء الطلبة لاتزيد عن 120جنيها سنويا بعدما ظلت على حالها لعقود طويلة لم يطرأعليها أى تغيير حتى فقدت قيمتها ولم تعد تصلح لشراء مجرد كارت شحن.
لكن يبدو واضحا أن الدولة لم تعد تكترث كثيرا بحالنا ولا تخرج قراراتها ومشاريع قوانينها إلا لتحمل المزيد من الضغوط على نفوس وجيوب المواطن الغلبان.. والذى اصبح محاصرا بكم من الرسوم والفواتير والغرامات تكاد تقطع أنفاسه اللاهثة لتسديدها.. فمن فواتير الكهرباء والمياه والغاز المرتفعة لغرامة الرسوب ورسوم تجديد رخصة القيادة ومابينهما غرامة الإمتناع عن التصويت فى إنتخابات مجلس الشيوخ، ليصبح شعار "يا الدفع يا الحبس " كابوسا مفزعا يعيشه الشعب بلا حول ولا قوة.
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد