15 - 05 - 2025

مدينتي الفاضلة| سحل الممولين بالساحل الشمالى

مدينتي الفاضلة| سحل الممولين بالساحل الشمالى

مقاول وتاجر من كفر الشيخ، من طبقة أثرياء المُخالفين بضمير مستريح ورشاوى أحياء مطمئنة، رأى مخالب بلدوزرات الإزالة تغطي سماء مصر.. فأدرك أننا أصبحنا دولة قانون.. خاف، وأسرع بطلب تصالح عن 9 عمارات، تصالحا أنقذه من قفص محكمة الجنايات، ومن دفع غرامة تستحق لخزينة العدل، تعادل قيمة المخالفة وهي 33 مليون جنيه أودعها خزينة المالية.. آلاف مثله تصالحوا، قبل بدء تنفيذ القرار رقم 17 للإزالة.. بعدما أزالت الدولة عشرات آلاف التعديات على الأراضي الزراعية، فأثلجت صدورنا، ورفعت قامتها.. وحصدت مئات ملايين أنعشت خزينة المالية والعدل في شهور.. والأهم أن القانون أصبح سيدا أخيرا.

بقدر ابتهاجنا بإزالة تعديات مبان التهمت وصحرت مزارع شاسعة بوقاحة، وهددت حياة ساكنيها ونشرت القبح والعشوائية، بقدر دهشتنا من هجوم جهاز المدينة بالساحل الشمالي كالجراد دون تمييز لجلب المغانم! 

مثلا، قرية الصحفيين بالساحل الشمالي تم تخصيص أرضها في السبعينات، وانتهى بناؤها بطلوع الروح في أوائل التسعينات.. مجرد شاطئ ومبان نوبية نموذجية من تصميم وإهداء حسن فتحي، على خرائطها أحلام بخدمات أساسية لم تر النور إلى اليوم!! أثناء التنفيذ ظهرت عيوب في النماذج المنتهية، وحصل مجلس إدارة القرية على ترخيص من جهاز المدينة بتعديلها.. حيث اختزلت الشركة المنفذة- تخفيضا للتكلفة- أهم احتياجات المصيف، وهو بناء مصاطب متدرجة تتيح للجميع رؤية البحر، وتراسات بدونها تتحول ابداعات حسن فتحي المميزة بالخصوصية، إلى كهوف ومخابئ على البحر!! وتم استخراج ترخيص من جهاز المدينة ببناء برجولات وتراسات لجميع النماذج، تم تجديده عام 2006 .

لما كان الساحل بكرا من 40 سنة، كان المصيف المثالي للطبقات الوسطى، بسيط ونقي كالفجر.. وتجاورت لافتات قُرى بأسماء الجمعيات الفئوية على طول الساحل!! تمر سنوات، تستيقظ وزارة الإسكان والتعمير، وتشيد قرية مارينا 1 فيتكالب المتعطشون للنقاء، وتتوالى المراحل وتتوغل وتصبح مارينا مدينة متكاملة أثارت لعاب الرأسمالية المتوحشة.. تنفض بكارة الساحل، يغزوها النصف في المئة، يتنافسون بمنتجعات وقصور ويخوت كانت صورا وأحلاما من حياة ملوك وأمراء ومٌحتلين واقطاع.. ينقسم الساحل طبقيا، يأكل الثراء مفهوم "قرية"، يتبدل معنى المصيف، حتى تنطفئ أنوار العجمي وينزوي لقطات في أفلام زمان!!  

لكن واحنا مالنا، أغلبية القرى الفئوية مبسوطة بحالها قانعه بما لها.. حتى ظهرت فنادق تسعة وتسعين نجمة، ومنتجعات سحر وجمال وبذخ اسمها الفولكلوري قرية!!

الصيف قبل الماضي، انطلق إعلان وضع أساسات مدينة العلمين الجديدة، فخرج مارد مصباح الجباية يتمطع.. صحونا مفزوعين على هجمة مباغتة من جهاز مدينة الساحل الشمالي، انتشر موظفو المحليات كالنمل الفارسي يشمشمون عن موارد من كل شبر، وأصبح الساحل منجم السكرى!! بدأوا الصيد بديناميت الضرائب العقارية، فحصدوا في أيام عشرات ملايين مستدامة ستدخل خزينة المالية سنويا دون مطاردة!! قدمناها راضيين وقلنا خيرا، الضرائب تصب في الخدمات.. وبالفعل نعمنا بطرق ممهدة، وكباري عبرت الاختناقات واختصرت المسافات بين قلب وأطراف مصر إلى أحضان الساحل والسماء.

لكن النجاح أسكر المارد، فألقى علينا شبكة مخالفات المباني، دون تمييز بين منتجعات سياحية ترفيهية فاخرة، وقرى تنام بعد الغروب.. بين سلامة العقار، والحفاظ على الطابع المعماري وبين مُلاك يؤجرون ويتربحون ويتهربون!! ونشطت كتائب الامداد بتعديل القوانين بمجلس نوابنا، تسهيلا لمهمته!! أسقطوا التقادم، وسًنوا السيوف على قرى قديمة، مُلاكها فئات موظفين مجتهدين شكلوا جمعيات للمصايف، واقتطعوا من رواتبهم زمان أقساط امتلاك قطعة أرض في عمق صحراء معزولة حضاريا، لا يعمرها إلا خيام البدو!! وظهرت بدعة ضرائب حق استغلال الشاطئ!! والتنقيب عن مخالفات تسحل الملاك، لملء مخازن المالية والعدل!! 

اليوم، تكاد صحراء الساحل تخبو تحت ضياء أبراج وطرق مدينة العلمين، الساحل الفيروزي يجلو النفس والبصيرة، جمال ورفاهية وأسعار فاقت الخيال!! في لمح البصر انبثقت الحياة في الرمال الممتدة الموازية للشاطئ، كمبوندات ببحيرات صناعية، تجمعات سكنية مكتملة الخدمات وصولا إلى مطار، وجامعة أهلية في الطريق!! يؤمن غذاؤها صوب الجيش الزراعية. 

صورة رائعة، غيمت عليها سحابة الجباية دون تمييز بين قرية سياحية وخلوة ساحلية للطبقة المتوسطة المسحولة!! جباية لأن محاضر المخالفات القديمة مدونة "إيقاف أعمال" يعني مزورة!! جباية يتنعم منها محامي تحت السلم، ومرتشو المحليات، بسبب ارتباك اللائحة التنفيذية لقانون التصالح!! 

قرى الساحل "القديمة" أصبحت جارة الوادي "الريفية" لمدينة العلمين العالمية، مقر استجمام حكومتنا، ومجلس شعبنا، وشيوخنا، وجنة الأثرياء قناصو فرص شراء شاليه بأقل من خمسين مليون فقط!! بعد شائعة منع البناء في الساحل، فهل على الطبقة المتوسطة واجب الاخلاء!

وسؤال أخير.. حصيلة المخالفات بخزينة المالية تصب في الخدمات العامة، فماذا عن حصيلة غرامات وزارة العدل!!
--------------------------
بقلم: منى ثابت

مقالات اخرى للكاتب

مدينتي الفاضلة | قانون الايجار القديم.. إعدام