30 - 04 - 2024

معركة الصحافة و التطبيع

معركة الصحافة و التطبيع

تطورت إتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني من " الاتفاق المنفرد " الي ما كان يسميه عمرو موسي " الهرولة " ، ثم بلغنا الان مرحلة  " السُعار " . و انتقلنا من مرحلة إدعاء التطبيع "من أجل خدمة القضية الفلسطينية" إلي مرحلة السلام من اجل " وأد القضية الفلسطينية " .                             

السوابق و خبرة المقاومة تقول أن الشعوب اقوي و ابقي من الاتفاقيات المفروضة و المرفوضة ، و أنه كلما زادت الضغوط من اجل قبول سلام زائف لا يحقق إلا مصالح العدو ، تجد دائما صحوة الضمير الوطني عند الشعوب رغم سوء المناخ العام وكثير من المتغيرات . هذا هو الذي يؤرق " إسرائيل "  لانها تدرك أكثر من بعض حكامنا أن المراد لا يتحقق بأوراق الاتفاقيات فقط،  فالشعوب في وادٍ و الحكام في وادٍ آخر ! .                                                    

هنا أتوقف عند واحدة من أهم المعارك النقابية والفكرية والسياسية فى تاريخ الصحافة المصرية، ففى أغسطس عام 1997 أصدر مجلس نقابة الصحفيين قرارا بإحالة الزميل المرحوم لطفى الخولى والزميل د.عبدالمنعم السعيد للتحقيق، لمخالفتهما قرارات الجمعية العمومية بحظر التطبيع، عقب مشاركتهما في تحالف كوبنهاجن ، وفى ٢٣ من الشهر نفسه نشر الدكتور محمد السيد سعيد مقالا فى " الأهرام "بعنوان «نقابة الصحفيين ضمير جماعى أم روح قطيع؟!» اعتبر فيه قرار النقابة قيدا على حرية التعبير. 

أثار هذا المقال المهم ردود فعل واسعة وكان بداية حملة صحفية كبيرة شاركت فيها كل الأقلام المهمة والرموز النقابية والصحفية من مختلف الأجيال فى كل الصحف والمجلات ( قومية وحزبية وخاصة) . تنوع فيها التناول بين مقالات و تحقيقات و متابعات و رسوم كاريكاتير . 

قمت بحكم عضويتى بمجلس النقابة بمتابعة وحفظ جميع تفاصيل هذه الحملة . شاركني في ذلك من الجمعية العمومية الزميل الراحل خالد السرجاني و هو شخصية دؤوبة وجادة و صاحب موقف ، كما تحمس النقابي والوطنى المرحوم صلاح الدين حافظ بنشر كل ما جمعناه من مادة فى عدد خاص بمجلة الدراسات الإعلامية التى كان يرأس تحريرها وتصدر عن المركز العربى الإقليمى للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والبيئة، تحت عنوان «معركة الصحافة والتطبيع»، ليحفظ هذه الحملة التي استمرت عدة شهور لتكون فى خدمة الذاكرة النقابية و الوطنية .

تضمن هذا الملف او العدد الخاص قراءة وتحليل مضمون للحملة ( أعده الزميل السرجاني ) أكد من خلاله أن رصد المواد الصحفية المتنوعة التى شملتها هذه المعركة الصحفية أظهر دون عناء أن أنصار التطبيع داخل مهنة الصحافة أقلية ضئيلة للغاية و ان الاغلبية الكاسحة ضد التطبيع .

فرض مقال د محمد السيد سعيد ( الذي لم يخالف أبداً قرار حظر التطبيع )، جدول أعمال هذه المعركة، وطرح أهم الأسئلة والأفكار التى دار الحوار حولها، مثل ما هو التطبيع؟ وما هى حدوده؟ وهل قرارات الجمعية العمومية مجرد توصية أم لها صفة الإلزام؟ وهل توقيع عقوبة على أى من يخالف هذه القرارات مصادرة للحرية وملاحقة للضمير ووأد للاعتقادات السياسية والفكرية؟ وهل منوط بالنقابة لعب دور سياسى عام، أم لا بد أن يقتصر دورها على الشأن النقابى فقط؟ وهل يجوز أن تلعب دورها العام خارج إطار قانون البلاد؟            

 توالت ردود الفعل وكتب المرحوم سعد زغلول فؤاد مقالا حادًا فند فيه كل ما جاء في المقال . ودافع نقيبنا كامل زهيرى عن قرار المجلس وقرارات الجمعية العمومية بحظر التطبيع، لأنها تمت عبر آليات ديموقراطية ملزمة لكل أعضاء المنظمة النقابية، وأكد أن النقابة تحاسب على سلوك وفعل نقابى لمن يخالف قراراتها و لا تحاسب على الرأى، وأضاف أن هذه القرارات من صميم صالح مهنة تعمل بالرأى، وتتفاعل مع الوجدان والضمير الوطنى فى كل عملها ، وانه لا وصاية علي الجمعية العمومية من أحدٍ.

ورفض صلاح عيسى زعم أن يكون وراء من أصدروا القرار دوافع سياسية، و اوضح : قرار الجمعية العمومية موقف نقابي و ليس ممارسة سياسية و هو ملزم وليس توصية والادعاء بغير ذلك هو دعوة للقضاء على النقابة وتقويض لبنيانها، و اكد عيسي : «لا أظن أن هناك علاقة بين الالتزام بقرارات النقابة وبين حرية الرأى حتى لو كان الأمر الذى صدر بشأنه القرار مما يدخل فى نطاق الآراء مثل قرار حظر التطبيع، إذ من البديهى أن هذه القرارات قد صدرت بعد مناقشات حرة واحترامها وتنفيذها واجب على الجميع. 

و كتب النقيب جلال عارف أن موقف الصحفيين من التطبيع واحد من المواقف العظيمة لهم  وانهم اتخذوه على الرغم من الضغوط وتمسكوا به، وها هى الأيام تثبت صحة موقفهم، و اشار عارف إن النقابة لا تحاسب أحدا على رأى آمن به، وإنما على سلوك نقابي قام به . 

و رد فهمى هويدى " إن البعض يخلط بين الالتزام بقوانين الدولة والالتزام بسياستها، كما أن اعتبار قرارات الجمعية العمومية مجرد توصيات يجافى المبادئ الديمقراطية، فضلا عن أنه يعد ازدراء للجمعية واستخفافا بقراراتها، و إنه لا يوجد أى تعارض بين قرار أو قانون النقابة وقوانين البلاد، لأن قوانين الدولة تبيح للنقابات أن تحدد ضوابط السلوك المهنى لأعضائها “، و اكد هويدي ان النقابات حين تدافع عن قرارات جمعياتها العمومية، إنما تدافع فى الوقت ذاته عن ضمير الجماعة التى تمثلها.                                                        

وانتهت هذه المعركة، التي شاركت فيها عشرات الاقلام من كافة الأجيال ، بانتصار منطق الضمير الوطنى والمهنى والنقابي و سطرت صفحة مهمة في تاريخ مؤسسة مدنية استطاعت مع نقابات مهنية و عمالية و روابط واتحادات مصرية و عربية أن تعكس و تعبر عن موقف الشعوب التي تعطي إرادتها وحدها اي قيمة حقيقية لأوراق الاتفاقيات مهما كانت عناوينها . وأعيد التأكيد علي أهمية ان تقوم الآن النقابات و الاتحادات بالتأكيد علي مواقفها و التمسك بها قبل انفراط العقد .
-------------------------
بقلم: يحيى قلاش *
* نقيب الصحفيين السابق

مقالات اخرى للكاتب

 الغزالي حرب وثقافة الاعتذار





اعلان