14 - 05 - 2025

الجار والمجرور

الجار والمجرور

لا يمكن لعاقل اليوم، أن يتصور ما حدث لجدي الأعلى الحاج إبراهيم في الثلاثينات، فقد حمل مقطفا من الخوص لابنته زمزم، التي هي جدتي لأبى، يضم زيارة تتألف من برام معمر وعدة مقالى من لحم القراميط المخلوط بالبصل والزيت،والمتروكة في الفرن البلدي المغلق حتى يتم إنضاجها.

لقد خرج من القرية بعد صلاة الفجر، وفى ذهنه عنوان غريب لها، لا يغنى ولا يفيد لرجل لم يهبط الإسكندرية، ولم يغادر موطنه منذ ولد.

قيل له إنها تقيم بجوار سيدي أبى الدرداء رضي الله عنه، فاكتفى بذلك، وركب قطار الإسكندرية، واضعا المقطف بين قدميه، وساندا رأسه الدائرة كالساقية. لم يجرب من قبل تلك اللقلقة التي تخض بطنه، وتجعل كوب الشاي وربع الرغيف، يحاولان القفز من فمه.

أغمض عينيه لحظات، لكن المحصل اقتحم العربة ، وباغته أنه يركب هو ومقطفه عربة الدرجة الأولى، بينما تذكرته تقول انه من أهل الدرجة الثالثة.

فتح عينيه وفمه بحذر حتى لا يهرب كوب الشاي وربع الرغيف،وأسعفه عقله المرهق بكلمات جعلت المحصل يبتسم وكذلك فعل الركاب من حوله، ثم تركه ومضى بلا غرامة، لقد قال له ببساطة:

-هوا يا بني مش وابور وجارر الكل؟

حين وصل إلى المحطة،كانت هناك عربات كارو يجرها رجال طبقا لطقوس ذلك العصر.  جلس على إحداها قابضا على الزيارة، وعندما سأله الحوذي عن وجهته، تاهت منه بعض حروف العنوان فقال:

-زمزم بنتى، عند سيدي أبو جعران

أدرك الرجل أنه يحمل وليا من أولياء الله، فمضى يخب به في الشوارع مطمئنا إلى سلامة الوصول.

وفى ميدان أبى الدرداء بالذات دون بقية الميادين ، بل في نفس الشارع الذي تسكن فيه ابنته، يقف العربجى كأن روح الراكب الصامت هي التي تقوده.

مسح جدى الأعلى عرقه، وظل ينظر في الشرفات بعينيه الكليلتين،في نفس اللحظة وقفت جدتى زمزم تنشر الغسيل، لتلمح أباها مقرفصا فوق العربة.

دخلت لتوقظ زوجها النائم صائحة بفرح صوفي:

- الحق يا أحمد، أبويا في الشارع

ينظر بدهشة فيراه ويضرب كفا بكف، ثم يهرع فيعود بالرجل الطيب.
-----------------------
بقلم: سمير المنزلاوى

مقالات اخرى للكاتب

وما تفنى العناقيد!