27 - 04 - 2024

«الشيوخ» .. الشكل دون المضمون

«الشيوخ» .. الشكل دون المضمون

على مدى يومين، أجريت الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ 2020، وسط أقبال جماهيري ضعيف ودون المتوسط نسبياً مقارنة بالاستحقاقات السياسية السابقة، ورغم ما وفرته الدولة من إمكانيات بشرية ومادية لانجاح العملية الانتخابية وظهورها بالشكل اللائق، إلى جانب الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتبعتها في كافة اللجان على مستوى الجمهورية، إلا انها لم تستطع جذب الناخبين لا سيما شريحة الشباب التي غابت تماماً عن المشهد الانتخابي، الذي تسيده كما رأينا المرأة والشيوخ كبار السن والموظفين.

ولم تستطع الدولة رغم امكانياتها الهائلة وأدواتها واجهزتها الضخمة، وأحزاب الموالاة والمعارضة التي شكلت ائتلاف من «اجل مصر» برعاية حزب مستقبل وطن، ومرشحو الفردي، الذين ينتمون ايضاً إلى احزاب وتكتلات سياسية وقبلية، حشد العديد من المواطنين للذهاب إلى لجان الاقتراع للمشاركة في العملية الانتخابية، التي لم يتجاوز نسبة المشاركة بها 6 في المئة على أكثر تقدير.

ويبقى السؤال المهم، لماذا تأخذ انتخابات مجلس الشيوخ حيزاً محدوداً من اهتمام الرأي العام؟ وبعيداً عن الأسباب الصحية والتخوف من انتشار جائحة كورونا، الشكل العام لخروج الاستحقاق الانتخابي للغرفة الثانية من بدايته بقائمة وحيدة على مستوى الجمهورية دون منافسة من قوائم أخرى، جعل المواطنين يدركون ان مشاركتهم مجرد تحصيل حاصل لأخذ اللقطة أمام اللجان فقط، كما في فيلم الفنان القدير أحمد ذكي «اضحك الصورة تطلع حلوة»، فنجاح القائمة محسوم قبل عملية الاقتراع.

كذلك لم نر حملات إقناع الناخبين بالمرشحين ولا حتى التعريف بهم، ولم نر المرشحين يتجولون في قرى ونجوع الدائرة كما كان يحدث في السابق،  فكيف ينزل المواطنون للتصويت لمرشحين لا يعرفونهم، ولقائمة واحدة يعلمون جيداً أن المرشحين المنتمين اليها حجزوا مقاعدهم مسبقاً؟!.

أضف إلى ذلك، العناصر التي انتقتها القائمة لم تكن مقنعة للرأي العام، لاعتماد اختيارهم على أساس المال فقط وليس القدرات العلمية أو الجماهيرية، ودون مراعاة المناخ السياسي والطبيعة السكانية ومساحة الدوائر الانتخابية. 

فالمال وحده لا يصنع الرجال ولا قيادات تتحمل مسؤولية المرحلة، وما تمر به البلاد من مخاطر تمس أمنها القومي على حدودها الغربية، ومخاطر وجودية في أزمة السد الإثيوبي، وبدلاً من الاعتماد على معيار الكفاءة وأصحاب الخبرات والعقول في مختلف المجالات، تم ترشيح عناصر تمثل تزاوج الثروة والسلطة مرة أخرى.

كما أن الطريقة التي تم اختيار أعضاء القائمة تشوبها العديد من التساؤلات التي انتشرت أخيراً في الشارع المصري، لذا لا يشعر المواطن بجدية الانتخابات وقوة المنافسة، وسادت المشهد حالة من اللامبالاة وسط الأغاني الوطنية ورقص الناخبين أمام اللجان بعد الإدلاء بأصواتهم، الذي أصبح علامة في كل الاستحقاقات السياسية خلال الفترة الأخيرة، وهي الاهتمام ب "الصورة" والشكل و"اللقطة" دون المضمون.

كلمة أخيرة، البلد تحتاج إلى تضافر جميع جهود أبنائها في مختلف المجالات والفئات العمرية لاسيما الشباب، وكي يتحقق ذلك عليها التقرب من الشباب ومعرفة ارائهم وكيف يفكرون، وتعمل على إقناعهم بالمشاركة لا بالإقصاء، بالحوار وليس بالعضلات، حتى يشعروا انهم شركاء في الوطن، ويشاركوا في الاستحقاقات المقبلة عن اقتناع انها مهمة وطنية تصب في مصلحة الوطن والمواطن، ويجب أن تكون أولوية السلطة هي حماية الحياة السياسية، وإتاحة الفرصة لوجود تنافس انتخابي يشد الناس ويحشدهم أمام اللجان عن قناعة وليس عبر التهديد والوعيد. 

حفظ الله مصر
-----------------
بقلم: محمد الباشا

مقالات اخرى للكاتب

«الشيوخ» .. الشكل دون المضمون





اعلان