26 - 04 - 2024

حظر التطبيع يا ناس

حظر التطبيع يا ناس

لم تحظ قضية في تاريخ نقابة الصحفيين باهتمام ، مثل ما حدث مع قضية حظر التطبيع مع الكيان الصهيونى، حيث تفاعلت جمعيتها العمومية مع هذه القضية على مدى زمنى يزيد عن اكثر من نصف عمر النقابة !

كانت البداية، عندما اشتدت معارضة الرئيس الأسبق أنور السادات، بعد قراره الذهاب إلى إسرائيل، ثم توقيعه اتفاقية «كامب ديفيد»، وشرعت أقلام الصحفيين المصريين فى انتقاده، وشهدت النقابة أنشطة أثارت غضبه، فطالب بفصل بعض الذين يهاجمون سياساته، ويكتبون ضد «كامب ديفيد» .لكن النقيب وقتها كامل زهيرى رفع شعار «العضوية كالجنسية»، بل ذهب مجلس النقابة إلى أبعد من ذلك فقرر «حظر التطبيع النقابى» مع الكيان الصهيونى، وفى مارس عام 1980 صدقت الجمعية العمومية للصحفيين على هذا القرار، وكانت أول نقابة مهنية تتخذ هذا الموقف، وتبعتها بعد ذلك بقية النقابات المهنية والعمالية.

والمفارقة التى يجب التوقف عندها هى أنه كلما كانت تشتد الضغوط الرسمية لتفعيل قرارات التطبيع، وكلما ازدادت الحجج المختلفة تحت دعاوى «المهنية» أو المشاركة فى «هجوم وثقافة السلام»، ازداد تشدد الجمعية العمومية للصحفيين فى صياغة و تدقيق قرار حظر التطبيع، فامتد من حظر التطبيع النقابي إلى «التطبيع المهنى»، ثم إلى «التطبيع الشخصى»، وعندما خالف بعض الصحفيين والكتاب هذا القرار، وذهبوا إلى إسرائيل، أو التقوا إسرائيليين كلفت الجمعية العمومية مجلس النقابة بوضع أسس المحاسبة والتأديب للمخالفين.

وظلت الجمعيات العمومية للصحفيين تؤكد على هذه القرارات حتى مارس ٢٠١٣، ثم فى مارس ٢٠١٥ أضافت: «.. واعتبار الدخول إلى أى منطقة تقع تحت سلطة الاحتلال الصهيونى أو التنسيق مع سلطات العدو بأى شكل تندرج تحت الحظر وإحالة من ينتهك هذه القرارات للتأديب». وهنا نوضح ان المحاسبة ليست علي الرأي و لكن علي فعل و علي سلوك نقابي ادي إلي تجاهل الامتثال لقرار الجمعية العمومية .

وأخذنا نمارس الحوار حول هذه القضية باعتبارنا زملاء ننتمى لنقابة رأى ونمارس مهنة ضمير، وأن مواقفنا النقابية أمر لا يدعو إلى الاعتذار أو الخجل أو التنابز بيننا ، وتمسُكنا بعقيدة ألا تتحول النقابة إلى حزب سياسى،  أو أن توظف لحساب تيار معين .لكن يظل كل ما هو وطنى ومشترك تقبض عليه الجمعية العمومية وتتمسك به وتحرسه وتحاسب عليه.

وأدي  هذا الحوار إلى مراجعة بعض «أكلشيهات» شائعة كان يرددها أنصار التطبيع من بعض زملائنا مثل «نقابة للخدمات فقط»، و«المهنية أولا»، وكأننا عندما ندافع عن قرار حظر التطبيع نمارس فعلا فاضحا أو يراد لنا أن ننسى أننا نقابة رأى ومهنة ضمير، ثم إننا على مستوى الأداء المهنى لم يبلغ بنا الكمال إلى الحد الذى لم يعد ينقصنا فيه إلا أن نتذكر هذه المهنية، ونحن نلوك أحاديث التطبيع، فالزملاء الذين انخرطوا فى تحالف كوبنهاجن منذ نحو عقدين أو الذين ذهبوا إلى إسرائيل أو التقوا إسرائيليين بتكليفات سياسية أو باتفاق مع قيادات فلسطينية، لم يفعلوا ذلك من أجل المهنية. ثم لماذا لا تحضرنا هذه «المهنية»، وصحافتنا غائبة عن متابعة أحداث دولية وإقليمية وعربية كبرى، بل إن كثيرا من صحفنا أهملت تغطية أحداث مهمة لا تبعد عن القاهرة إلا بضعة كيلومترات!.

كما ظل بعضنا يدفع بحجة ضرورة ممارسة الحوار مع الآخر، وأن وسائل الإعلام والصحفيين والمثقفين جزء من أداة هذا الحوار، والمثير أن الآخر دائما هو الكيان الصهيونى ومؤسساته، وليست مصالحنا العليا فى الحوارات العربية ــ العربية الغائبة أو الموصومة دوما بعدم الثقة، والممتدة فقط بين كل دولة عربية وإسرائيل بطريق مباشر أو غير مباشر، وليست كذلك حواراتنا المطلوبة مع قوى إقليمية، وغيرها من حوارات مهملة أو أدوار أصبحت فى ذمة التاريخ!.

و الآن علينا أن ندرك أن متغيرات وتطورات كثيرة حولنا فى المنطقة، ستدفع إلى علو صوت دعوات التطبيع لتتصدر المشهد خاصة بعد ما أقدمت عليه الامارات و ستتبعها " في الهرولة "بعض دول الخليج ثم السودان وغيرها ، و المنطقي ان يتبع كل ذلك  موجه من الضغوط وظهور بثور التطبيع علي السطح هنا أو هناك فى محاولة لكسر حالة المقاومة خاصة والمنطقة يعاد ترتيبها، حتي لا يعلو صوت علي صوت اسرائيل . و من هنا تأتي اهمية رفضنا لهذا المسار الذي يؤدي في النهاية الي تصفية القضية الفلسطينية و هيمنة المشروع الصهيوني الذي يستهدفنا جميعا .. و المطلوب هو إحياء  لجان مقاومة التطبيع والدفاع عن ثقافة  المقاومة  لنعيد تذكير أنفسنا وشبابنا ــ كل فى المكان الذى ينتمى إليه ــ بتاريخ مقاومة التطبيع فى النقابات المهنية والعمالية والأحزاب و الاتحادات العربية ،و منها اتحاد الصحفيين العرب الذي يلتزم بقرارات حظر التطبيع . و يجب أن تُسمعنا كل هذه الجهات اصواتها و تجدد مواقفها . فالشعوب وحدها هي القادرة علي إسقاط هذه الاتفاقيات المفروضة و المرفوضة و تجعلها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به .
------------------
بقلم: يحيى قلاش *
* نقيب الصحفيين السابق

مقالات اخرى للكاتب

 الغزالي حرب وثقافة الاعتذار





اعلان