26 - 04 - 2024

لابد أن تكون امرأة لتفهم (2 من 2)

لابد أن تكون امرأة لتفهم (2 من 2)

كونك امرأة هذا وحده يكفى كاتهام، ليستدعى المجتمع بذاكرته الحديدية كل مقولات أزمنة الهجمية والتدني.. ابتداء من أنها السبب فى طرد سيدنا آدم من الجنة، مع انا ديننا يدحض تلك المقولة ولكن على مين؟

"ابحث عن المرأة فى كل جريمة".. مقولة فرنسية قديمة تثبت أقدامها فى المجتمع الذى يتفاخر بفكره وثقافته وعطائه الإنساني الذي يمجد قيم الحرية والمساواة.

التحرش النفسى يلاحق الفتاة منذ مولدها خاصة فى المجتمعات الشرقية، تبدا بالأمثال الشعبية "لما قالوا ولد اشتد ظهرى واتفرد"، طبعا لما يقولوا بنت اتكتمى واسكتى!

يدافع المجتمع عن نفسه، محاولا تفسير عنصريته. بأن اسم العائلة والميراث يحفظه الولد، وكانت الإجابة تونس.. ترفض أم تقبل فهذا ما يناسب ظروف العصر.

كما ان المجتمعات تجاوزت جريمة العبيد والجواري والاتجار بالبشر. و فعلها سيدنا عمر بن الخطاب الذى  اوقف العمل بعض النصوص لانتفاء الحاجة إليها أو لتجاوز الغرض والعلة.  فعلها التونسيون لمحاولة خلق نوع من المساواة بين الجنسين؟ ما المانع .. العصر يتقبل بعدما أصبحت 30% من النساء معيلات لعائلة ناهيك عن أنفسهن، فما المشكلة؟

لابد أن تكون امرأة لتفهم ماذا يعنيه التحرش فى أماكن العمل، خاصة من المديرين والقيادات.. اتصور أن عقد العمل هو عقد عبودية أو عقد نكاح! البعض يتصور أن المنصب يفرض حقوقا على الموظفات، تبدأ بسياسة العصا لمن ترفض والجزرة لمن تشاور عقلها طلبا للمصلحة!!!

أما القوانين التى تتحرش بالنساء فحدث و لا حرج، أهمها فى قضايا الدعارة أن الزبون الذى هو عماد التجارة الحرام، هم الرجال، ورغم ذلك يخرج من القضية و يعتبر شاهد  ملك وتسجن المرأة مع أن الفعل الدنىء يشترك فيه الاثتان. إنه التحرش القانونى والمجتمعى يتجلى فى أزهى صورة للنفاق الذكوري.  

أما تحرش المحارم وهى القضية المسكوت عنها.. وإن بدأ رفع الغطاء عنها الآن بمحاولات وزراة التضامن ومنظمات المجتمع المدني مساعدة الضحايا ومطالبتهم بالبوح وكشف المستور، وهى محاولات مشكورة لكن لابد أن تصاحبها ثقافة شعبية تطرح القضية على الملأ، وتدخل فى مناهج التعليم بحيث يردع المتحرش وتشجع الضحية على الإفصاح.

هل للوهابية دور فيما وصل إليه المجتمع من ارتفاع نسبة التحرش والتحول من التحرش الفردى إلى التحرش الجماعى، بعدما عاصرنا أزمنة كان مفهوم بنت الحتة هو السائد، ويكفى أى فتاة أو سيدة أن ترفع صوتها بالاستنكار حتى تجد ألف منجد ومنقذ ومعاقب للمتحرش، فكيف وصلنا إلى أن يشترك غرباء فى الشارع في مهاجمة الضحية متعللين بأنها استفزتهم او استفزت هرموناتهم لمجرد كونها امرأة وهذا يعطيهم العذر وطوق النجاة للإفلات بفعلهم الدنيء؟

الموضوع طويل ومتشعب، حتى أن امريكا، بلد الحريات الجنسية، لم تنج من تلك الجريمة وذلك رد على مقولة أن حرمان شباب الدول الشرقية هو السبب الرئيسى للتحرش، أمريكا أطلقت حملة "أنا أيضا" لتكشف تحرش المنتجين والمخرجين، بل حتى الزملاء بالممثلات ولم يجدوا فى فعلهم هذا ما يمس ضميرهم او كودهم الأخلاقى.. بل تعجب البعض منهم من الاتهام نفسه على أساس أنه حقهم الذكورى، فلماذا تصدعون رؤوسنا بهذا الهراء!!

لا ننسى أنه فى المجتمعات الاستبدادية المجرمة يعد التهديد أو الاعتداء الجنسى الفعلى  على النساء و الرجال أيضا من الامور المتداولة ولا ننسى ما حدث فى السلفادور ونيكاراجوا بعدما رفع الغطاء عن التحقيقات فى قضايا التعذيب تلك الممارسات غير الإنسانية  

لاننسى طبعا أن من نتائج مرحلة هيمنة الفكر الوهابى على مصر، بلد الحضارة، فى غفلة من الزمن أن ساد فكر أن لذة الحياة هى النكاح.. فلا ضرورة و لاحاجة لأى فن أو فكر او ثقافة حتى يرتقوا بالمشاعر ويترفعوا عن الغرائز ليضعوها في إطارها الصحيح كجزء هام من الحياة ولكنها ليست الفعل الوحيد الذي يترجم معنى الحياة ياناس!

اختفت صورة المرأة كإنسانة و شريكة فى الحياة والإنسانية، لها مثل الذى عليها بالمعرووف، حقها ان تخرج دون خشية التعرض لها بأي سوء ودون حماية مجتمعية ولاغطاء  قانوني، ولو أنه فى تلك اللحظة صدر قانون يغلظ من جريمة التحرش، أرجو أن يجد طريقه الفعلى للتنفيذ، ولا يتكاتل عليه الرجال لإفراغه من مضمونه وإنقاذ المجرم من العقوبة كما رأينا فى تجارب كثيرة ماضية، خاصة لو كان المتحرش ذو حيثية و من فئة "انت ما تعرفش أنا إبن مين"!

لن أردد كلاسيكية "اعتبرها اختك او مراتك او الست الوالدة" ..فللأسف حتى هؤلاء يتعرضون للتحرش من المحارم وخاصة بعد انتشار التعاطى بين الشباب والرجال، إنما اقول لنبدا حملة قوية تستهدف المجتمع ككل وخاصة الأمهات.

ربوا أولادكم على احترام النساء منذ الصغر.. ربوهم أن جسد الأنثى محرم عليهم وهو  مجرد جسد يحتوى بداخله إنسانة مثلكم بالضبط، لها  نفس ماعليها بالمعروف، احترموها وأحبوها وعاملوها بالمعروف حبيبة وزوجة وأما لأولادكم!

-----------------

بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان