28 - 03 - 2024

هذا اليوم "في كورونا".. له ما بعده

هذا اليوم

حتى لا ينهار الاقتصاد قرَّرتْ الحكومات في أنحاء العالم - بدلًا من الاختباء من إعصار الوباء- أنْ تقفز بداخله، وهو اختيارٌ له ما له وعليه ما عليه، وسوف يتحمَّس له داروين - وهتلر بالطبع - وكلاهما يرى أنَّ البقاء للأصلح، وإنْ كان داروين يؤمن بأنَّ الطبيعة هي التي تقوم بهذا الدور فتتخلَّص من المرضى والمشوهِّين والضعفاء، بينما بدأ هتلر في التخلُّص منهم بنفسه لتنقية الجنس الآري.

التوقُّعات

والمتوقَّع بعد فتح كلِّ المرافق والمدارس والأندية والمحلَّات التجاريَّة والمطاعم والكازينوهات وعودة الأنشطة الطبيعيَّة بما ذلك الترفيهيَّة أنْ تتصاعد أعداد الإصابات - مثلما حدث في الولايات المتَّحدة وبعض الدول الأوربيَّة- فيصاب الآلاف أوْ الملايين، ويُقتل الآلاف أوْ الملايين، وفي النهاية يكتسب الجنس البشريُّ مناعة طبيعيَّة، أوْ يضعف الفيروس ويتحلَّل من تلقاء نفسه فينتهي الوباء مثلما انتهى وباء الحمَّى الإسبانيَّة، لكنْ بعد أْن قتل مئة مليون إنسان، وهذه تضحية تتقبَّلها الحكومات بصدر رحب، والأرجح أيضًا أنَّ أكثر الناس يتقبَّلونها من أجل أنْ يعودوا إلى أعمالهم وأنشطتهم وترفيههم ويستردُّوا حريَّتهم وحياتهم الطبيعيَّة.

الوصايا  

فإذا كنتَ من المتحمِّسين لهذا الخيار- أوْ "مكره أخاك لا بطل" مثلي ومثل أكثر الناس- فلا تنسَ ارتداء الكمامة ولا بدَّ من أنْ تغطي أنفك لا أنْ ترتديها تحت أنفك، ولا تعدِّلْ وضعها وأنت في الخارج قبل أنْ تغسل يديْك، ولا تلمسْ وجهك وخاصة عينيْك، وارتدِ قفَّازًا كلَّما أمكن، وتجنَّبْ الأماكن المزدحمة مثل المصاعد والحمامات العموميَّة، وبعد عودتك اغسلْ يديْك بالصابون لمدَّة نصف دقيقة على الأقل، ولا تصدِّقْ أنَّ الشمس تقتل الفيروس أوْ أنَّ الهواء الطلق ليس به فيروسات فقدْ ثبت أنَّ الفيروسات تظُّل عالقة في الجو.  

كلُّ ذلك قدر الإمكان فلا يخفى على أحد أنَّ هناك من هم مضطرُّون إلى التواجد في الأماكن المزدحمة، بلْ إنَّ هناك منْ ليس بوسعهم شراء كمامة وتغييرها يوميَّا. وهذه هي المأساة.

الإسراف في التفاؤل خطر

إنَّ الوباء لمْ يُقهرْ بعد أوْ ينحسرْ، كما أنَّه بدأ ينحو نحو الحمَّى الإسبانيَّة في استهداف الشباب إذْ سُجِّلتْ إصابات بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين- وهذا تحوُّر مخيف في سلوك الفيروس- كما أنَّ هناك موجة ثانية آتية مع مطلع الشتاء، والموجات الثانية تكون في الأغلب أشدَّ وأفتك.

تذكَّرْ الرئيسي البرازيليَّ الذي ظلَّ يقول إنَّه - لكونه رياضيَّا- لا يأبه الوباء، والآن أصيب به وأدرك أنَّ الوباء حقٌّ، لكنْ بعد أنْ تسبب تطميناته الحمقاء وسياسته المستهترة في جعل البرازيل ثاني شعوب العالم في عدد الإصابات. أمَّا ترامب - رئيس أعلى الدول في عدد الإصابات - الذي أعلن باستعلاء أنَّه لنْ يرتدي كمامة لأنَّه لا يرى نفسه في ارتداء الكمامة (لأنَّه لا يريد أنْ يخفي عنَّا وجهه الجميل، أوْ لأنَّ الكمامة للجبناء) فقدْ رضخ وداس بحذائه على كبريائه، وظهر وهو يرتدي كمامة تغطِّي نصف وجهه.

الكوفيد 19 ليس مرضًا تنفسيًّا فقط، بلْ يؤثِّر على الجسم كلِّه إذْ أثبت تشريح المتوفِّين وجود تجلُّطات في كافة الأعضاء ممَّا يعني أنَّ نقص الأكسجين الذي تُعزى إليه الوفاة ليس مركزيًّا فقط - أيْ في القلب والرئتيْن- بلْ طرفيًّا أيضًا، أيْ في كلِّ أعضاء الجسم التي يغذِّيها القلب والرئتان بالأكسجين. كما أنَّ التجلط المتفشِّي في عدَّة أعضاء يكفي وحده لقتل المريض.

إيَّاك أنْ تكتئب!

إنَّ الوضع الحاليِّ كئيب وقدْ أصاب الجميع بالإحباط، بلْ وأغرى البعض بالانتحار. إياك أنْ تستسلم للاكتئاب، أوْ تهمل مظهرك الشخصيَّ بحجَّة أنَّك مكتئب! إيَّاك ألَّا تنال قسطًا وافيًا من النوم لا يقلُّ عن ثمانية ساعات! إيَّاك أنْ لَّا تأكل طعامًا مغذِّيًا أوْ تختزل عدد الوجبات! لأنَّ الأرق والاكتئاب وسوء التغذيَّة من عوامل الإصابة بالوباء.

إنَّ هذا اليوم له ما بعده، وهذه المحنة - مهما طالتْ- إلى زوال. فاتَّخذْ من ذلك شعارًا لك وتطلَّعْ إلى الغد المشرق بدلًا من الاستسلام لأسر حاضر مظلم، فما أكثر المحن التي حاقتْ بالبشريَّة، وخرجتْ منها جريحة لكنْ منتصرة، وسرعان ما اندملتْ الجراح.

---------------------------

بقلم: د. أحمد زكي

مقالات اخرى للكاتب

هلْ الشباب بلا مستقبل؟





اعلان