30 - 04 - 2024

اعقلها وتوكل

 اعقلها وتوكل

التوقيت هو كل شيء فى الحياة، عام أو خاص، سياسة أو علاقات إنسانية.. وخاصة العاطفية منها.. اختياراتك يتوقف نجاحها أو فشلها على التوقيت.. مواجهتك تنطبق عليها نفس النظرية والمعايير، متى يمكنك ان تواجه.. ومتى يطلب منك أن تهادن لتمر العاصفة، متى تعلن الحرب وتوقيت جنوحك للسلم، متى تتقدم ومتى يكون الانسحاب هو الانتصار الممكن والمتاح.. كل يتعلق بلحظة القرار والاختيار.. ربما لو تأخرت لحظة أو استبقتها لجنحت النهايات لما لا ترضاه، فتدفع ثمنا غاليا من طمانينة واستقرار أو فوضى ومعارك واشتباكات تورد الجميع موارد التهلكة!

فلماذا يختار أغلبنا التغافل عن التوقيت عند  اتخاذقرارات مصيرية سواء فى الشأن العام أو حتى فى قررات الزواج والطلاق، التى هى أهم القرارات على الإطلاق.. لماذا لم ينشر التربويون فى المدارس والمعاهد العامة أو المتخصصة ثقافة وأهمية فن اختيار التوقيت وتاثيره على نتيجة القرارات، ومن ثم على حياة الأغلبية من الناس. 

هل هذا جزء من مفهوم التواكل و خليها على الله دون الأخذ بالاسباب والتعقل الذى يلخصه الحديث النبوي "اعقلها و توكل"؟؟

لنقرب المسألة، هل كانت غلطة الاخوان الشهيرة تعجل الهيمنة والسيطرة، فسعوا  للمغالبة وليس المشاركة فى انتخابات مجلس الشعب، ومن ثم خانهم التوقيت عندما دفعهم غرورهم للسعى الى السلطة وكانت فيها نهايتهم بصرف النظر عن أى أسباب أخرى؟

هل كانت غلطة ثوار يناير أنهم لم يدركوا أهمية التوقيت عندما فوجئوا بانضمام الناس اللا متوقع، فسعوا سريعا إلى تجنيب كل القوى والزهو بالانتصار المؤقت بعزل مبارك.. فلم يدركوا أنهم يحتاجون وقتا كافيا لدراسة الواقع والخطورة المحيطة بالثورة، وسعوا سريعا إلى المطالبة بالتغيير الفورى والكلى حتى تم الإيقاع بهم، ومن ثم فشلت الثورة الشعبية الحقيقية، ودخلت أتون سرعة التوقيت و بطء الرشد والعقل وعدم الاستعانة بأهل الثقة والخبرة معا!

اختيار الوقت المناسب للفعل المناسب له أهميته القصوى، فيقال: لسوء الحظ كان موجودا فى الوقت غير المناسب فى المكان غير المناسب، مما أدى إلى مقتله أو فشل مشروعه أو فشل علاقته.. كل أدى إلى نفس النتيجة!

وبالمثل، فإن التعويل على وعى الجماهير فى موضوع الكورونا، وهم يعلمون آثار عقود من الجهل والتجهيل وانهيار التعليم فى عصر مبارك، حتى تراجع تقييم الجامعات المصرية إلى أدنى السلم العلمى، بعدما كانت مقصد طلبة العلم من كل الدول العربية و الاسلامية، يأتون لقاهرة المعز ومنارة  العلم والثقافة الأزهر الشريف.

كان فعلا كارثيا، هذا التعويل الذى كان فى غير محله، وها نحن نحصد نتيجة خطأ التوقيت.. فكان لابد أن "نلم الموضوع بدري بدري" مثلما  فعلت  دول أخرى تنعم الآن بانحسار الوباء أو نزوله إلى حده الأدنى.. بينما نحن نسقط الآن فى ذروة الجائحة!

أدرك تماما موقف الحكومة الصعب بين مطرقة البطالة ووقف الحال، وبين خطورة انتشار المرض!

.. نار البطالة التى طالت الكثيرين وتوقف الانتاج وانتشار الجوع لأول مرة نتيجة لظروف الوباء، ونار اجتياح ثقافة "مناعة القطيع" لعدم قدرة الدولة على توفير البديل المناسب لإطعام عشرات الملايين الذين يحتاجون إلى الدعم فى ظروف توقف نشاط قطاعات كثيرة بالكامل كالسياحة والطيران والمطاعم وأماكن الترفيه، والكثير منها عمالة مؤقتة.. ولكن لو فرضت الدولة الإغلاق التام لمدة شهر بالكامل كما فعلت دول أخرى، لربما ما وصلنا لتلك الإصابات الهائلة الآن، ولأصبحنا على طريق الشفاء والعودة بكل الطاقات لتعويض ما فات، مجرد فرق التوقيت!

 وكي لا نوصف بأننا لا نرى إلا نصف الكوب الفارغ، كان توقيت إصدار قرارات بتعويض العمالة المؤقتة لإعانتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية أكثر من حكيم ومسؤول، وكذلك وقف تسديد أقساط البنوك والفيزا،  ولكن رفع أسعار الكهرباء وشائعات وجود نية لرفع تذاكر القطارات والمواصلات العامة اختار توقيتا كارثيا.. فى ظل أزمة طاحنة تعاني فيها كل الطبقات، وخاصة الفقيرة والمتوسطة بكل مستوياتها!

كيف بالله عليكم اخترتم هذا التوقيت، وعلى أى أساس حكمتم على جدواه، والمكاسب التى ستحصل عليها منه دولة مكبلة بالديون؟

هنا التوقيت قاتل، ومحفز لغضب أغلبية تعانى من تبعات الكورونا.. من وقف الحال وإصابة وموت الأحباب، وليس استشهاد الأطقم الطبية بغائب عن الأذهان ولا اتهام وزارة الصحة بعدم توفير الحماية المناسبة لها مما أدى إلى ارتفاع ضحايا خط الدفاع الأول عن صحة المصريين فى زمن الجائحة (لإنقاذنا من وباء تسلل إلى حياتنا ربما ليعيد تربيتنا مرة أخرى، بعدما اثبتت التجارب انفلاتنا التام وخروجنا عن المعايير الانسانية، فوصلنا لما وصلنا له الآن من فوضى عارمة فى جميع شؤن حياتنا) 

أما الجائحة فانتفض لها العالم سكونا وسكينة، صمت العالم ونامت شوارعه وسكنت أصواته.. ليعيد كل شخص اكتشاف نفسه، وعلاقاته بالآخرين وبربه وذاته، تحليلا لماضيه وتوقعا لشكل مستقبله، بعدما قلب ذلك الفيرووس حياته رأسا على عقب!!

التوقيت يتلاعب بنا ويطلق السؤال المعضلة.. متى نودعه ومتى  نضطر أن نصاحبه فى الدنيا معروفا؟ متى نتعايش معه ونتقبل إصاباته ولعناته.. ومتى نختبىء منه ونلاعبه حتى ييأس منا و يغادرنا غير مأسوف عليه؟

 الإجابة تكمن فى التوقيت، لكن الخطورة هنا قاتلة فى توقيتها ونتائجها ..فلنحسن اختياره وإلا وصمنا التاريخ بأن اختيارنا لقرارات سليمة في توقيتات سيئة.. كان سببا فى ردتنا مئات السنين الى الوراء!.
---------------
بقلم: وفاء الشيشيني  

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان