24 - 04 - 2024

أحزاب مولانا

أحزاب مولانا


بقلم / د. محمد قسم الله محمد إبراهيم

أكاديمي وكاتب صحفي من السودان
[email protected]


يتشيَّع الاتحاديون شيعاً وطوائف، ويتشظَّوْن كل حين، متخذين من صفحات الصحافة منبراً لإدارة المعركة التي تضرمها الكلمات واللكمات وتبادل الاتهامات حتى غدا الاتحاديون أبعد ما يكونون عن الاتحاد المأمول في خطهم السياسي التاريخي الطويل.

ويتشيأ الاتحاديون رويداً رويداً .. كشيء مثل سائر الأشياء .. شيء علي قارعة الطريق لا يُسمن ولا يُغني من جوع.
والتشيؤ (reification) في المعني الأنثروبولوجي التجريدي _ بلا استطراد_ هو تصور الظواهر الإنسانية كما لو كانت أشياء.
والتشيُّع المفضي للتشيؤ علي النحو الذي نراه من تشرذم يُمسك بتلابيب حزب الوطنية الأول لَهو من بواعث الأسي الذي ينضاف للخيبات الكبيرة لأحزابنا ولمجمل الممارسة السياسية.

ويعتبر الحزب الوطني الاتحادي هو أحد أعرق أحزاب السودان فقد تأسس باندماج عدد من الاحزاب الاتحادية وهي حزب الأشقاء بزعامة إسماعيل الأزهري وحزب وحدة وادي النيل بقيادة الدرديري أحمد إسماعيل وحزب الأحرار الديمقراطيون.

عملت مصر بقيادة اللواء محمد نجيب، أحد أهم قيادات ثورة يوليو 1952، على التصالح مع مختلف القوى السياسية السودانية بعد التاريخ المرير من الاحتلال التركي، ومن ثم الحكم الثنائي البريطاني المصري. وعمد اللواء محمد نجيب إلى منح الأحزاب التي تدعو إلى استقلال السودان تماما عن مصر مساحة في العمل على تحقيق مراميها في الواقع على مسار تحقيق المصير، وعمل على دمج الأحزاب التي تدعو إلى شيء من الشراكة مع مصر كالأحزاب المذكورة أعلاه، حيث كان لكل حزب رؤيته الخاصة للشراكة مع مصر. جمع محمد نجيب تلك الأحزاب وسعى لتوحيدها، واتفقت الأحزاب المجتمعة على تشكيل حزب جديد سمي بالحزب الوطني الاتحادي وتقلد رئاسته الزعيم إسماعيل الأزهري.

حصل الحزب الوطني الاتحادي على أغلبية مطلقة في أول انتخابات تقام في السودان 1953 وشكل أول حكومة وطنية منفردا، وقاد الحكومة إلى أن استطاع بمعية الأحزاب الوطنية السودانية تحقيق الاستقلال في مطلع يناير 1956م. وقد أطيحت حكومة الحزب بفعل تحالف علي الميرغني زعيم حزب الشعب الديمقراطي عبد الحمن المهدي زعيم حزب الأمة، لتكوين حكومة عرفت بحكومة السيدين ترأسها السيد عبد الله خليل الذي سلم السلطة لاحقا للفريق إبراهيم عبود.

أطاحت ثورة أكتوبر 1964 بالرئيس عبود، وجاءت حكومة منتخبة ديمقراطيا 1965، وتحالف بعد تكوين الحكومة كل من حزبي الوطني الاتحادي بقيادة الأزهري وحزب الشعب الديمقراطي بقيادة علي الميرغني وقررا لاحقا الاندماج تحت مسمى الحزب الوطني الاتحادي وكان ذلك في 1967م وتمت ممازجة كلمة (الاتحادي) من الحزب الوطني الاتحادي وكلمة (الديمقراطي) من حزب الشعب الديمقراطي وأخذ الحزب الجديد اسمه الجديد الاتحادي الديمقراطي وكان ذلك بعد اقتراح تقدم به الراحل الملك فيصل عند وصوله الخرطوم للمشاركة في مؤتمر القمة العربي (اللاءات الثلاثة) الذي دعا له السيد علي والرئيس الازهري وتم فيه تذويب الخلافات العربية - العربية بمبادرة سودانية رائده وإبان ذلك وفي دار السيد علي اعلن الزعيم الازهري مولد الحزب الجديد وقال مقولته الشهيرة “اليوم حزبان قبرا…الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي” معلناً وحدة الحزب الاتحادي الديمقراطي في نوفمبر 1967.
استولى جعفر نميري على الحكم بانقلاب عسكري وحل جميع الأحزاب السياسية السودانية واعتقل قياداتها ثم توفي الزعيم إسماعيل الأزهري قيد الاقامة الجبرية بعد أشهر من الانقلاب وتولى زعامة الحزب الاتحادي الديمقراطي الزعيم حسين الهندي، الذي قاد الجبهة الوطنية التي شكلت أهم روافد المعارضة ضد النظام العسكري. وبعد وفاة الشريف حسين الهندي، تزعم الحزب محمد عثمان الميرغني بعد سقوط حكم النميري في انتفاضة شعبية في أبريل 1985م.

آلت رئاسة الحزب بمقتضي الحال إلي السيد محمد عثمان كما هو الحال كذلك في تسلسل الزعامة في القطب التقليدي الآخر حزب الأمه التي تُزاوج بين الزعامة الروحية والزعامة السياسية.
ومولانا محمد عثمان الميرغني هو زعيم طائفة الختميه التي اتخذت طريقها من مؤسسها السيد محمد عثمان الختم ومنه استمدت اسمها وتاريخها، وُلد السيد محمد عثمان الابن العام 1936 وتولي زعامة الطريقة الختمية بعد وفاة والده السيد علي الميرغني العام 1968 وخلافاً لوالده الذي كان يحرك الأحداث السياسية ويشارك بها من وراء ستار وكان راعياً للحركة السياسية الداعية للاتحاد مع مصر نتيجةً للصراع التقليدي مع حزب الأمه الذي كان يتخذ موقفاً مغايراً، و خلافاً لوالده انخرط مولانا محمد عثمان في العمل السياسي، مستنداً إلى ولاء روحي لا يُستهان به وأصبح زعيماً للطائفة وللحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يضم طيفاً واسعاً من قطاعات المجتمع من أقصي اليمين لأقصي اليسار بل وأفسح مجالاً كذلك لغير المسلمين من طائفة الأقباط،
وهنا ومما يؤخذ علي الحزب اتخاذه لمواقف لا تتلاءم مع انتماء الطائفة الديني كتحالفه مع الشيوعيين، وعقد اتفاقية من طرف واحد مع المتمردين، وأخيراً قيادته للتجمع الديمقراطي بما في ذلك حركة التمرد.
عادت الأحزاب السودانية بعد الانتفاضة لإعادة ترتيب صفوفها، لكن الغبن لم يلبث وأن طفا علي السطح باتهامات للميرغني بإقصاء قيادات الحزب الوطني الاتحادي (حزب الأزهري) وتقريب رجالات حزب الشعب الديمقراطي (حزب السيد علي) الأمر الذي دفع علي محمود حسنين وبعض القيادات الاتحادية لإعادة تكوين الحزب الوطني الاتحادي ولكن بعد يونيو 1989 ومجئ الإنقاذ للسلطة عاد حسنين واعلن ولاءه للميرغني كقائد للحزب. وكان حينها السيد محمد عثمان الميرغني رئيسا للحزب والراحل زين العابدين الهندي أمينا عاما له.
قاد الشريف زين العابدين الهندي تيار القوي الحديثة الذي بدأ السعي لإصلاح ديمقراطي من داخل الحزب نفسه. لكن الهندي سارع بإعلان انضمامه للحكومة وانسلاخه عن المعارضة، و ابتدر ذلك بأول لقاء له بالرئيس البشير بمصر (مايو 1996م) ، وكانت تلك بداية لحوار الحكومة مع الاتحاديين جناح لأمانة العامة انتهي بما عُرف بمبادرة الهندي وعودته ومجموعه من الاتحاديين ثم تكون فيما بعد الحزب الاتحادي الديمقراطي الأمانة العامة برئاسة الشريف زين العابدين وأعاد تنظيم هياكله وأماناته وفتح دوره في عدد من مدن السودان كما شارك البعض من قيادة الحزب في الحكم المركزي والولائي.
سارت الأمور هكذا والحزب حزبان أحدهما يوالي والآخر يُعارض الحكومة ويُعارض الأشقاء المنشقين بضراوه، وظلت القوى الحديثة في الحركة الاتحادية تسعى لإعادة ترتيب صفوفها وتخلَّقت في داخلها عدة تكوينات وأجسام وحركات سياسية إتحادية كلها تدعي أنها صاحبة البيت حتي تفجرت الأوضاع داخل البيت الإتحادي المتصدع من جديد وتفرقت المجموعات أيدي سبأ وأعلنت إحدي هذه المجموعات والتي أطلقت علي نفسها شباب تيار الإصلاح بالحزب فصل الدكتور جلال يوسف الدقير الأمين العام للحزب ودكتور أحمد بلال عثمان مساعد الأمين العام والسماني الوسيلة القيادي بالحزب وإشراقة سيد محمود القيادية بالحزب والأمين الشريف الصديق القيادي فصلاً نهائياً من كشوفات الحزب، وعدم ممارستهم لأي نشاط باسم الحزب وحذروا المؤسسات الرسمية والحكومية من التعامل معهم وقالوا إنهم لا يمثلون إلا أنفسهم. ودخل الحزب الإتحادي إسماً الإنشقاقي رسماً فصلاً جديداً من فصول الخلاف المزمن… فصول الخلاف المزمن المملؤ بالفشل الذريع ليس لحزب الوطنيه المكلوم بل لكل الأحزاب الوطنيه علي مر العهد الوطني التي تدعونا للزهد علاوةً علي زهدٍ مقيم في النفوس بجدوي هذه الأحزاب التي لا تقوي علي ترميم نتواءتها وتشوهاتها ناهيك عن ترميم وطن بأكمله أعيته أفاعيل الساسه وقذارات السياسه.
والحال هكذا .. لا يزال الإتحاديون يمارسون ذات العاده القديمه ..عادة الإنقسام الأميبي حتي دارت بنا الرؤوس بلا كؤوس بين الإتحادي الأصل والإتحادي المسجل والوطني الإتحادي وتيار الأصلاح و… و… حتي تشابه علينا البقر.
ولم يبقَ من سخونة الكلمات إلا رعونة اللّكمات .. نعم سخونة الكلمات التي تضخها خلافات الإتحاديين وإتهاماتهم المتبادله في صفحات الصحافه مما يقطع معاويه (قطعه قطعه) وليس شعرة معاويه فحسب.. إتهامات يندي لها الجبين لحد القذف والإساءات الشخصيه القبيحه بلا أية كوابح وكأنها سجال بين ألد الخصام وكأني بالإتحاديين ما فيهم رجل رشيد أم أنها المصالح العمياء التي تجعل هؤلاء مستعدين (لمطالعة الخلا) وتبادل اللكمات؟؟ الغريب أنّ كل هذه الأحزاب الإتحاديه المنتطحه علي رؤوس الأشهاد كلها شاركت الحكومة السابقة في كافة مستويات الحكم حتى مستوى رئاسة الجمهورية حيث شارك أبناء السيد محمد عثمان الميرغني كمساعدين للرئيس أما موقف الحزب بعد الثورة السودانية فلا تزال تشوبه الكثير من الضبابية.
طالعنا عبر السنوات السابقة مساجلات حزبيه لا يمكن تصنيفها بطبيعة الحال إلا تحت بند الفشل الذريع الذي أدمنته الأحزاب طوال سنوات وسنوات والذي يُفسح المجال واسعاً للمؤسسه العسكريه كيما تعزف مارشاتها العسكريه طويلاً وتُقيم بيننا طويلاً.
ربما لسنا بحاجه للمزيد من الإسترسال.. فقط إذا ما أطلتَ بالك وأعدتَ القراءه للفذلكه التاريخيه أعلاه كيما نتيقن أنّ البذرة- بذرة الشقاق والإنشقاق- مبذوره منذ آمادٍ طالت واستطالت في تربتها الخصيبه حتى أنتجت لنا حالة شائكة وعسيرة في محاولات الإنتقال للحكم المدني كامل الدسم الذي يبدو بعيد المنال في ظل غياب بناء سياسي ومؤسسي قوي كان مأمولاً تواجده في أحزابنا الوطنية التاريخية المتكلِّسة.
أخيراً جداً.. ما بال حزب مولانا أعيا مولانا؟؟

 



مقالات اخرى للكاتب

المري يشيد بمنظومة حقوق الإنسان في البحرين.. والسفير بوجيري: المملكة تتعامل بسياسة السجون المفتوحة





اعلان