20 - 04 - 2024

على أعقابها تدور ..هل تكون ليبيا "مسمارا في نعش" غرور سليم الأول؟

على أعقابها تدور ..هل تكون ليبيا

كنت أتمنى ألا أفعل ولكننا أمام حدث هام ونقطة تحول قد تكون حاسمة.

تجنبت دوما أن أكتب عن الأوضاع الداخلية في تركيا لأن إشغال النفس بما لا يعنيها مباشرة مضيعة للوقت.

حرصت على ذلك رغم ما أتابعه من أنباء ويصلني من معلومات ولم أشأ أن أصدم بعض الذين كانوا وبعضهم مازال يرى أن التجربة التركية تمثل نموذجا ناجحا للديمقراطية والنمو الاقتصادي معا وهذا النموذج صالح للتطبيق في وطننا العربي.

كنت أفصل بين شيئين ظننت أنهما منفصلان ولا رابط بينهما، أي الوضع الداخلي لتركيا من ناحية وتحركات حكومة أردوغان في بلادنا العربية سلما وحربا وتجارة وخطبا من ناحية أخرى.

كتبت مبكرا (٢٠٠٨) مقالا لأحد المواقع بعنوان "في بيتنا سليم الأول" لأن فكرته أن تركيا لن تدلف للاتحاد الأوربي وأردوغان سيرغم على أن يتحرك في مجال حيوي نحو الشرق يتضمن العالم التركي أي الجمهوريات الاسيوية التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق وصولا لغرب الصين والولايات العربية العثمانية (سابقا) ومن ثم ليس أمامه إلا أن يكون "سليم الأول".

رأيي وقتها لم يكن مرتبطا بأية معلومات عن علاقة العدالة والتنمية بالإخوان المسلمين وإنما باستشراف طبيعة القومية التركية الحديثة.

تذكرت مقالي القديم وأنا أراه يتخلص داخليا من كل الذين رافقوه وساندوه وبالطبع كل المنافسين المحتملين

ثم وهو يتدخل في كل الولايات العربية تارة بالتقريع وتارة بالتودد وتارات بتدخلات عسكرية وسياسية عميقة وعدائية إلى أن بدأ يظهر بيننا من كتلة الإخوان المسلمين ومن يلحق بطيفهم "ظهيرا داخليا" يروج له وحتى يأتمر بأمره.

المهم رأيت تدحرجا منتظما يترسم خطا تاريخيا (عثمانيا) لا يمكن للمتخصص في الدراسات العثمانية أن يغفل عنه وشمل ذلك عدة نقاط أذكرها باختصار

* تغيير نظام الحكم من دستوري إلى رئاسي

* تضييق على الصحفيين والكتاب الذين ينتقدون الحكومة حتى باتت تركيا تحتل المرتبة الأولى بين الدول التي تعتقل الصحفيين

* الانقلاب المزعوم في 2016 وما تبعه إلى اليوم من تصفيات لقيادات وأفراد من الجيش والشرطة فضلا عن القضاء.

باتت بعدها صورة "الخليفة العثماني" حاضرة لدى المعنيين بالتاريخ العثماني وبعضهم أحبها وأرادها وبعضهم من أمثالي جفل منها وتوقع شرا.

ومن المصادفات اللطيفة أن يأتي مسلسل "ممالك النار" ليرسخ تلك الصورة على نطاق جماهيري واسع وخاصة في مصر.

ربما أرى تركيا الآن قريبة من وضع الخلافة إبان فترة "الاتحاد والترقي" لاسيما مع محاولات "التتريك والعثمنة" الجارية في غير مكان والتحالف الوثيق مع القوميين الترك المتعصبين تجاه الكرد والعرب معا وهو التحالف الذي يؤمن للعدالة والتنمية الأغلبية داخل البرلمان.

إنه ذلك المزيج المريب بين "العثمانية" و القومية "الشيفونية"

لدى أردوغان ذات الهاجس العثماني تجاه "العرب" والعروبة الكريهة لدى كل تركي حتى اللحظة وبدون خجل، ولديه هاجس الشك في ولاء "الصدر الأعظم" أو رئيس الوزراء بالمصطلح الحديث.

ولديه الشك العثماني العتيد في ولاء الجيش والذي دفع السلاطين مثلا لنظام الدوشرمة واليني شريه أو الانكشارية

على المستوى المدني الحكومي هناك دوما خشية من رئيس وزراء قوي ورغبة في تقديم الأقارب من العائلة وسعي حثيث للتحكم بتعيينات القضاء والمعلومات في هذا الإطار كثيرة وتغني حتى عن سرد أمثلة منها.

أما على مستوى الجيش والشرطة فقد كان انقلاب 2016 "المزعوم" فرصة أكثر من مواتية لإزاحة كل من يشك في ولائهم وتقديم العناصر الموالية.

ولربما تمت أكبر عملية "تسريح" في تاريخ الجيوش وأجهزة الشرطة على مستوى العالم.

لا جدال أن الانقسام السياسي تتسع هوته ويتراجع التأييد الشعبي لحكومة العدالة والتنمية سواء لتدهور الوضع الاقتصادي وتراجع الليرة، أو لسخط الأكراد أو لانتقادات المعارضة للديكتاتورية المتصاعدة وهو أمر تفصح عنه نتائج الانتخابات التشريعية ثم البلدية.

هناك تصاعد منتظم للسخط ومع تدهور مرتقب للأوضاع الاقتصادية لأسباب بعضها عالمي وبعضها الآخر ناجم عن السياسة التركية في المنطقة العربية، فمن المتوقع أن تزداد متاعب أردوغان وجماعته للسيطرة على البلاد خاصة مع انشقاقات حدثت داخل الحزب.

في هذا السياق يأتي القرار الأخير للبرلمان والذي تم التصويت عليه بالأغلبية الائتلافية الميكانيكية وسط اشتباكات بالأيدي والشلاليت بين النواب.

القرار أنشأ "شرطة موازية" بتحويل "حراس الأحياء" من مجرد أشخاص يتولون إبلاغ الشرطة بحوادث السرقة أو الإخلال بالأمن إلى جهاز شرطي مكتمل الصلاحيات أي يحق له أن يحمل الأسلحة النارية وله حق "الضبطية القضائية" بإيقاف الناس وسؤالهم عن هوياتهم.

وحراس الأحياء كان في الأصل نظاما عثمانيا مطبقا قبل قرن باسم" حراس الدروب" وألغته حكومة أردوغان ثم عادت لإحيائه بعد انقلاب 2016 بعدما تم تسريح عدد كبير من الشرطة (عملاء فتح الله جولن) وتم تشكيله من شباب الحرية والعدالة المتحمسين للحكومة بعد الانقلاب

كان عدد "حراس الأحياء" قد بلغ 80 ألفا وجاء القانون الجديد ليرفع العدد إلى 200 ألف

نحن أمام جهاز شرطي/حزبي أشبه بأصحاب القمصان الملونة في الأحزاب الفاشية ولكن بالأسلحة والصلاحيات القانونية، ولا يدري أحد كيف ستكون العلاقة بين جهازين يؤديان نفس الدور ولا التراتب القيادي بينهما علما بأن الشرطة التركية يبلغ عددها 250 ألفا فقط.

ما يعنينا في كل ذلك أن أردوغان الذي يشعر بالخوف من تحركات ضده ناجمة عن تراجع الشعبية إلى حد الذهاب لإنشاء "ميليشات" أمنية تشابه مثيلاتها الإيرانية يمكن أن يلجأ من أجل إثارة حماسة أتباعه ومريديه وإسكات أصوات خصومه ومعارضيه إلى خوض "مغامرة" خارجية تحقق "أماني عثمانية إسلامية" أو "مكاسب اقتصادية" (غنائم وأسلاب).

وليبيا ساحة نموذجية بدون تفاصيل وفرص النجاح فيها واردة وقد تكون قليلة الكلفة

من هذه الزاوية رأيت أن أكتب عن هذا التطور الذي أظن أنه عاجلا أم آجلا سيدق اخر مسمار في نعش غرور "سليم الأول" إلا أن سبقت ليبيا الكل وفعلت ذلك

------------

بقلم: د. أحمد السيد الصاوي

مقالات اخرى للكاتب

عصافير بايدن





اعلان