19 - 04 - 2024

الحب وكورونا وحواء وآدم وأشياء أخرى!

الحب وكورونا وحواء وآدم وأشياء أخرى!

جاءها صوته فى المذياع يصدح بأغنيتهما التى كان يدندن بها لها دائما ويقول انها تصفها، كأن الشاعر قد فاجأه بهاؤها فوصف تفاصيلها، ثم يضحك ضحكات تفتقدها رغم وجوده بقربها لسنين نسيت عددها.. نعم تفتقد شبابهما وما كان يحبهما من جنون!

هل عندك شك أنك احلى وأغلى وأهم امرأة فى الدنيا، وأن دخولك فى قلبى أجمل وأهم خبر فى الدنيا!

يا لها من كلمات تقذفها سنين الى الوراء، تذكرها بأيام تعشقها و تشتاق إليها حد الألم..  وهو كاظمها الساهر، مطربها المفضل منذ سنوات الشباب، معه تتقاسم إمتاع الروح بقصائد نزار قبانى.. أبرع من عبر عن احتياجات المرأة العاطقية بكلمات مازالت تشعل وجدان نساء العرب، وأبرع من عبر عنهن فى سنوات الصمت والحجر العاطفى.

اليوم الكل يفصح بل يفضح بصراحة منزوعة الحياء، ولكن هل من مستمع؟ لا وقت لتبادل كلمات الحب الرائقة، فالجسد حاضر بقوة فى زماننا المنزوع العاطفة الحقيقية!!

نظرت إليه من طرف عينيها.. تساءلت هل ما زال يذكر تلك التفاصيل التى ميزت علاقتهما بفضل حبه الكبير ورومانسيتها المفرطة، حتى أوصلتها إلى أرزل العمر ومازالت تصاحبها فى الدنيا معروفا رغم كفر الأكثرية بها، قبل وخلال الجائحة وربما بعدها!

كانا على كوبرى قصر النيل يسرعان بالسيارة للحاق قبل دخول وقت الحظر، وطلبت منه التمهل قليلا لتلقى نظرة على صفحة النيل لتصاحبها فى ساعات العزل  الرتيبة. تنبهت الى عروس ملثمة بالقناع الطبى تتكىء على إفريز الكوبرى رغم تحذيرات المارة لتلتقط أجمل الصور.

تعتقل لحظة الفرح الاستثنائية وربما المؤقتة فى مشوار الحياة الزوجية، على حسب الريح ما يودي، كان العريس هو أيضا ملثم، وكذلك أقاربه على قلتهم   لظروف الجائحة، أما نساؤهم فلم يحتجنها.. فقد كن من السلفية،  منتقبات من بقايا تلك الفترة التى أوجعتنا فى سنوات الهوان والتزمت الوهابى، الذى تخلى عن عصاه الغليظة، عندما جاءته أوامر ولى العهد المتمرد فاضحا لهم سبب أن نشر الوهابية، جاء بأوامر من الحلفاء لأسباب ومصالح سياسية، وأنه آن أوان إفاقة المسلمين من غيبوبتهم الفكرية!  

ضحكت فى نفسها وهى ترى بعضهم يضربون على الدف، آلتهم الموسيقية الشرعية الوحيدة، حتى جاء شبابهم المتمرد بمباركة ولى عهدهم رافعين شعاره الشهير، فالدين لا يمنع الفرح، ليديروا هواتفهم الذكية لأغنية المرحلة، وهات يارقص، بدون المسافة المسموحة بها طبيا، فربك هو الستار، فهل يمرض طالبو الحلال؟

جاءها صوت كاظمها الذى جعلها تسهر الليالى مع أغانيه العاطفية المجرمة فى حلاوتها.. جاءها صوته الذكورى الشرقى المتسلط يأمرها: "أغازلك غصب عنك"، ابتسمت لشجن الذكرى، لم يكن يحتاج أن يغازلها غصبا عنها، كانت تتمنى، كانت تنتظره بلهفة ظبية نصف بريئة تحفزه على الإفصاح ليهدأ بالها ويطمئنها على فطنة بوصلتها، فالإعجاب متبادل رغم اختلاف الشخصية.. كان هادئا رزينا مختلفا عن أعاصير المعجبين الذين طاردوها فى شبابها، فلماذا هو بالذات؟

تساءلت بتعجب عن سبب استمرار قصة الحب سنين طويلة، رغم توقع الجميع لهما بالفشل، كانوا بلهاء.. فليس للحب منطق يفسره؟ وهل توقع أحد مهاجمة كورونا لحياتنا وتغييرها كلية بين يوم وليلة؟ والأقسى أنها فرقتنا عن أحبائنا وحرمتنا أن نتجمع فى حيز جغرافى محدد، وحرمنا بعدها - في اقسى عقاب انساني - من  الاحتضان والقبلات البرىء منها وغير البرىء!

***
جاءها صوت كاظم يئن متلوعا من حبيبته التى ترقص حافية القدمين على أوتار وجدانه! نظرت له وهو يقود السيارة مسرعا للحاق بوقت الحظر، تساءلت هل تغير بعدما ضرب الشيب فودهما؟ بعد سماع أخبار خراب البيوت والعلاقات المستقرة منذ عشرات السنين كان من الطبيعى أن تقلق.. ماذا حدث للاسر المصرية؟ جائحة اخلاقية كانت تمهد للجائحة المرضية. صدفة؟

تنبهت على جدائل طائرة تمرق من جانبها ملتاعة الشوق و الفؤاد، ألقت بنفسها فى حضنه دون أن تلتقط أنفاسها، ولثوان معدودة قبل أن تفيق من لهفتها وشوقها، ملتفتا حولها باحثا عن عيون لائمة ومحاسبة، ولم تدرك أن الكل مهموم بشؤونه، بل مهموم بغده، هل يأتى أم تلتقطه الجائحة وتلقى به فى أليم الفراق.. فالموت يترصدنا جميعا فلا وقت لنا ولا همة للحكم على الآخرين.. ننظر كلنا للغد، هل يأتى أم لا؟

****

كاظم الساهر دائما، كأنه يقصدها بالفعل بها.. الليلة إحساسى غريب، عاشق ومالى حبيب، كل أحبابى خانونى.. فهل يفعلها بعد كل هذا العمر؟

فعلها الكثيرون بتشجيع سفيه من الوهابية.. ووجدت فى تيمة عودة الشيخ إلى صباه، ما فهموه من إشكالية التعدد التى كانت حلا لمشكلة، وليست خلقا لكارثة وهدم البيوت المستقرة، وأردفها الله بقوله حاسما الأمر: "ولن تعدلوا ولو حرصتم".. تلك الكلمة الحاسمة بالذات تسقط من ذاكرة غلاة الوهابية والتطرف ولكنه زمن البخس وغياب الحقيقة ورجالها الثقات الذين أبعدوا عن عمد من ذاكرة الأمة، ليفسحوا الطريق لشيوخ الدينار والدولار! 

الخيانة استشرت على كل المستويات في المجال العام والخاص، من خان عشرة العمر ومن خان مقتضيات وظيفته ومن أدار ظهره لآمال الأمة وباع ثوة واعدة بمكاسب آنية، وآخرون كفروا بها بعدما رأوا مصير أبطالها وسجنهم فى زنازين النسيان. إنها الجائحة التى تقلب علينا المواجع وتفتش فى حنايا الذاكرة، فتخرج ما نجحنا سنين فى إخفائه، فليس كل منا قادر على مواجهتها، ناهيك عن دفع أثمانها!

تغيرت أولويتنا، لا وقت للدلال فى العلاقات العاطفية أثناء الجائحة، كما فى وقت الحروب.. فلنعترف بالحب الآن، ونفرح فى تلك اللحظة وننسى الفوارق التى تفصلنا - حقيقية كانت أم مصطنعة- فى العشق، فى السياسة، فى الأديان.. هذا وقت التسامح وليس التعصب، تلك أيام التآلف وليس التخاصم والتراشق والبغضاء، لتكن أيام لم الشمل ومراجعة العصبيات.. فربما لم يعد فى العمر بقية، أو ربما تكون تلك الأيام هدية من السماء، لنعدل المايل حتى تنعم الأجيال القادمة بعالم أقل ظلما وأكثر رحمة!

يقولون أنه عندما يشتد الظلم وينتشر الفساد والتدنى الإنساني، يبعث الله برسله لإنقاذ البشرية من سقطاتها السفيهة، ولكن لأن خاتم الانبياء قد شرفنا بحضوره البهي، وترك لنا خواتيم كلام الله، فربما احتجنا أن نفيق من غفوتنا، بلطمات على العقل والوجدان تعيدنا إلى طريق الصواب والرحمة، حتى لا يخسف الله الأرض بالظالمين.. فهل اتعظنا بقوم عاد وثمود؟ هل سمعنا صراخ النبى نوح وهو يتوسل لابنه أن يركب السفينة لينجو؟ فهل نركب سفينته، أم نركب عنادنا ونهرول إلى مصير القوم الظالمين؟

جاءنى صوته يرافق نظراتى إليه، يغنى للشقية البهية، نظرت لمرآة السيارة لأرى آثار تلك التى يصفها نزار.. هل مازال يحبنى؟ تسألها نساء العالم كلهن على مختلف اعمارهن - من أول أمنا حواء- فها هي تنظر لآدمها فى جنتهما، يقلقها غيابه لمحة عن عيونها، فتتساءل في خوف سوف يلازم حفيداتها حتى نهاية الأيام.. هل أخذ الله منه ضلعا جديدا لأخرى، تنافسها  فى حبه وملكيتها له؟

يا ترى.. يا هل ترى؟ سيحبني عندما ننزل إلى دنيا الأغراب، وتجتاحنا امتحانات الله.. كورونا وأخواتها !

الحب وسنينه فى زمن الكورونا!
------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان