10 - 11 - 2024

عن ظاهرة "تطابق" مانشيتات الصحف

عن ظاهرة

المسؤول عن توجيه رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة لكتابة "مانشيتات موحدّة" في كل الجرائد أحيانا، لابد وأنه شخص يتمتع بقدر غير عادي من الذكاء، متعلّم في أكبر الجامعات الأوروبية والأمريكية، فالرجل لا يتوقف عن الإبداع في كل مناسبة. وكانت آخر إبداعاته التي تكررت في أكثر من صحيفة مؤخرا ذلك المانشيت الطريف على ثمانية أعمدة: "المصريون قضوا شم النسيم في المنازل"، الذي يشبه خبرا نُشر في جريدة الأهرام العريقة بعنوان "غرق شاب في بحر يوسف لأنه لا يجيد السباحة"!

وقبل ذلك، في صباح 16 مارس 2015، صدرت 11 صحيفة قومية وخاصة كانت تغطي أخبار "المؤتمر الاقتصادي" المنعقد بمدينة شرم الشيخ وقتها، وقد تصدّر صفحاتها الأُول جميعا مانشيت واحد كان مثار تعليقات مواقع التواصل وقتها، هو "مصر تستيقظ الآن"!

هذا - والحق يقال- إبداع عريق، إن صح التعبير، لا ينتمي مطلقا لهذه الأيام. فالمبادئ التي يعمل بها رجل "التوجيه والإرشاد" هذا، ربما كانت صالحة للتعامل مع الرأي العام في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت الإذاعيين الراحلين جلال معوض وأحمد سعيد وفهمي عمر، وكان عشرات الملايين من الناس في كل بيت عبر العالم العربي يلتفون حول الراديو للاستماع إلى نداء "هنا القاهرة" من الإذاعة المصرية.

ربما لا يدرك هؤلاء السادة الأذكياء أن الزمن تغيّر، وأن السماوات باتت مُشرعة منذ التسعينيات من القرن العشرين، وأي مواطن عادي تحت يده الآن موبايل، يمكن من خلاله الاطلاع - بسهولة- على كل صحف ومجلات ومواقع وفضائيات العالم. وبالتالي، فإن التفكير في "إدارة الرأي العام" حالياً، إنما هو اعتقاد شخص أماته الله ستين عاما، ثم بعثه، فظن أنه لبث يوما أو بعض يوم!

والغريب في الأمر هو عدم وقوع مثل هذا التطابق التام الذي يشبه الموت الزؤام، أثناء وجود ما كان يسمى "الرقيب الصحفي" بشكل معلن، وذلك منذ اندلاع حريق القاهرة عام 1951 وحتى عهد قريب. وقتها كان هناك رقيب مختلف في كل صحيفة. وبالتالي، كما يقول الكاتب أيمن الصياد، فإن تدخله - إن حدث- لم يكن يظهر كنسخة واحدة في المنتج النهائي للصحف كلها: "إن المانشيت الواحد هو تعبير عن صحافة الصوت الواحد".

وأخيرا، يرى أحمد رجب، الكاتب في "المصري اليوم"، أنه أتى يوم يمكن فيه ممارسة المهنة بحد أدنى من المهنة. المانشيت واحد، واسم الجريدة مختلف. الأخبار واحدة، ليس لأن رجلا جالسا في مكتب مظلم يمُلي أخبار الصباح على غرف الأخبار، ولكن لأن النظام يجعلنا نسخا - باختلافات طفيفة- لنفس المانشيت.

وحتى تتأكد أنه "موت زؤام" حقا، وليس مجازا فقط، عليك أن تعرف أرقام توزيع جميع الصحف المصرية الآن، وأنها - مجتمعة- تبيع نسخا تقترب من مبيعات مجلة "ميكي جيب" أيام كنا نقرأها!

----------------------

بقلم: طايع الديب


مقالات اخرى للكاتب

تحطيم الآلهة | محمود السعدني..