20 - 04 - 2024

ماهى "مناعة القطيع" ولماذا فشل الرهان عليها فى احتواء جائحة كورونا؟

ماهى

منذ ظهور فيروس كورونا المستجد سمعنا مصطلح "مناعة القطيع" كاستراتيجية تتخذها بعض الدول لمواجهة انتشار المرض، ولكن ما هو تعريف المصطلح ولماذا لجأت بعض الدول المتقدمة لاستخدامه وهل نجحت هذه الاستراتيجية.

بدأ استخدام مصطلح مناعة القطيع لأول مرة عام 1923 وكان يسمى مناعة الجمهرة ثم بعد ذلك سنة 1930 عندما نشر "هيدريش" بحثاً حول وباء الحصبة في "بالتيمور" وهى ولاية أمريكية، لوحظ انخفاض عدد حالات الأطفال الجديدة وأيضاً المعرضين للعدوي  من مرض الحصبةبعد أن أصبح العديد من الأطفال محصنين ضد الحصبة، وفي عام 1960 بدأ استخدام لقاح الحصبة بشكل  واسع  ومكثف للحد من انتشار المرض 

تعريف النظرية 

قد يمتلك الأفراد مناعة عن طريق أمرين إما من خلال التلقيح أو بعد الشفاء من العدوى وتحدث مناعة القطيع عندما يكتسب نسبة كبيرة من المجتمع مناعة لعدوي ما، وذلك بسبب تعرضه للمرض سابقاً أو عن طريق استخدام لقاح ، وهذا من شأنه أن يساعد علي توفير حماية للأفراد الذين ليس لديهم مناعة مسبقاً من المرض، وتعد شكلا من الحماية غير المباشرة من الأمراض المعدية ،

فهذا من شانه أن يعمل علي وقف تسلسل انتقال العدوى، فإذا كانت نسبة كبيرة من السكان لديها مناعة لمرض معين فأنه يحد بشكل كبير من عدم نقل هؤلاء الأشخاص للمرض مما يبطىء أو يوقف انتشار المرض. 

ولا يمكن تطبيق مناعة القطيع علي كل الأمراض ،حيث يعمل فقط على "الأمراض السارية" أو المعدية:وهو المرض الذي يصيب أي كائن حي إنسان أو حيوان ويكون له القابلية للانتقال إلي كائن حي أخر من نفس الفصيلة او فصيلة أخري.  

أمراض مناعة القطيع 

طاعون البقر: هو مرض معدى وسريع الانتشار يصيب الجواميس والأبقار بصفة أساسية وباقي الأغنام والماعز بصفة ثانوية هو أحد أهم وأقدم الأوبئة المميتة للأبقار والجاموس لا يصيب هذا المرض الإنسان، ولكنه يتسبب في خسائر إنتاجية فادحة للعالم. واعتمد التلقيح حينها على ملاحظة أن النساء العاملات في حلب البقر اللواتي تعرضن للمرض أدي  لتكون لديهن مناعة ضده لذلك بدأ تلقيح الناس بجدري البقر كطريقة لمنع الإصابة به وانتشاره.

مرض الجدري: فتك الجدري  بملايين البشر وسبب لهم العمى والتشويه، وهو مرض معدي ينتقل من المصابين إلي الأصحاء، ومن أبرز أعراضه انه يظهر طفح يشبه البثور على جلد المريض وتكون قشرة وبعد سقوطها تترك علامة مكانها، يموت 20%من ضحاياه ولكن في عام  1796 قام الطبيب الإنجليزى" إدوارد جينر" بتحضير لقاح ضد المرض مما ساعد في القضاء عليه. حيث  أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 1980 استئصال الجدري من العالم،وهو أول مرض تنتصر عليه البشرية.

شلل الأطفال: هو مرض معد ينتج بسبب الإصابة بالفيروس السنجابي  تتراوح شدته من عدوى بسيطة إلي مرض يؤدي إلي شلل رخوي في الأعضاء خصوصاً الجزء السفلى من الجسم، وتمكن العالمان  "يونس سولك" و"ألبرت سابين" وهم طبيبان أمريكيان من اختراعلقاح ضد شلل الأطفال، ويتم التطعيم عبر إعطاء الشخص فيروسات المرض التي تم أضعافها لتكون غير قادرة على إحداث أي مضاعفات للشخص، ولكنها كافية لتحفيز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة تتعرف علي الفيروس وتهاجمه وتقضي عليه، ويعد التطعيم هو السلاح الأساسي للوقاية من المرض. يذكر أنه يتم كل عام الاحتفال باليوم العالمي لشلل الأطفال 28 اكتوبر وهو يوم ميلاد الطبيب والعالم الأمريكي وأول مخترع لقاع ضد شلل الأطفال "جوناس سالك".

الحصبة: يعتبر مرض الحصبة من أكثر الأمراض انتشاراً خصوصاً في  سن الطفولة،  وهو مرض فيروسي حاد يصيب الأطفال ويتسبب لهم في حدوث بعض المضاعفات ومن أبرز أعراضه طفح في جميع أجزاء الجلد ورشح وسعال، تنتقل الحصبة عن طريق الرذاذ والاتصال المباشر وغير المباشر بلمس الأشياء الملوثة، أول من عرف هذا المرض وميزة عن مرض الجدري الطبيب والفليسوف العربي "أبو بكر الرازي" سنة 900 ميلادية ، وفي عام  1963 استطاع فريق مكون من علماء الفيروسات برئاسة الباحث الأمريكي "فرنكلين اندروز " من أنتاج لقاح مضاد للحصبة مما أدي إلى القضاء نسبياً عليه، و أذا أصيب شخص ما بالحصبة،  فبعد الشفاء منها يكتسب مناعة مدي الحياة وهي الطريقة المعتمدة عليها نظرية "مناعة القطيع".

فيروس كورونا: هو مرض معد وخطير ويعد مجموعة من الفيروسات وبدأ في الانتشار في ووهان الصينفي أوخر عام 2019 وأعلنت منظمة الصحة العالمية (كوفيد-19) كجائحة ووباء، وحصد حتى اليوم أكثرمن 162 ألفا من أرواح البشر حول العالم، يحاول العلماء حول العالم أن يسابقوا الزمن لإكتشاف علاج او لقاح للحد من انتشار المرض ولكن إلي أن يحين وقت التوصل إليه سيواصل الفيروس تفشيه في أنحاء العالم، وتحاول بعض الدول اتخاذ بعض الأجراءت أو التوصل لحلول للحد من الإصابات ومواجهة الأزمة ومن ضمنها سياسة"مناعة القطيع" فهل نجحت تطبيق مناعة القطيع في بعض الدول؟ وما رأي العلماء والأطباء في تطبيق نظرية مناعة القطيع على فيروس كورونا؟

دول مناعة القطيع

كانت بريطانيا من أوائل الدول التي أشارت إلى هذا النوع من المناعة حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع بداية ظهور "كورونا" إلي اتباع سياسة "مناعة القطيع" ولكن تلك السياسة لم تفلح ، حيث أصيب جونسون نفسه بالفيروس وتعرض للكثير من الانتقادات من العلماء جراء سياسة التعامل مع الوباء وفي 12 مارس تراجع جونسون عن تصريحاته وقال "إنه يتعين علي علي العائلات الاستعداد لفقد أحبابها لان فيروس كورونا سيواصل الانتشار علي مدي الأشهر المقبلة، حاصداً الكثير من الأرواح" بعد أن فشلت سياسة القطيع. يذكر أن كبير المستشارين باتريك فالانس صرح أنه للوصول إلى "مناعة القطيع" يستلزم أن يصيب الفيروس اربعين مليونا من سكان الدولة.

أما السويد فلم تعلن اتباع سياسة مناعة القطيع ولكنها تعاملت مع الأزمة باستهتار، حيث تركت المرض لإكساب الشعب مناعة جماعية وفق مجلة الجارديان البريطانية، ولم تتعلم من سياسة بريطانيا، فلم تفرض السويد إجراءات للحظر أو الاغلاق، بل اكتفت بإرشادات للوقاية، ومنها عدم زيارة المسنين وارشادات التباعد الاجتماعي وحظر التجمعات الكبيرة حيث بلغ عدد الأصابات 14الف تقريباً ورغم ذلك مازالت تنتهج نفس السياسة ولم تتوقف.

وفي هولندا قال رئيس الوزراء "مارك روتي"ان حكومته ستتبع سياسة مناعة القطيع والانتظار لاكتشاف لقاح وذلك بعدم حماية الأصحاء والأكتفاء بحماية المسنين والمرضي . وسارت هولندا علي نفس سياسة السويد فاكتفت بنشر تعليمات وتحذيرات للمواطنين تدعوهم لتجانب الزحام والأماكن العامة  ولم تتوقف حركة الطيران كما فعلت دول العالم. يذكر أن نسبة الإصابات بها تتخطى 32 ألفا وعدد الوفيات تجاوز 3600 وفاة.

رأى العلماء ومنظمة الصحة العالمية

مساء الجمعة الماضي أكد  مايك ريان كبير خبراء الطوارئ في المنظمة العالمية أن المنظمة غير متأكدة مما إذا كانوجود أجسام مضادة في الدم يعطي حماية كاملة من الإصابة بالفيروس المستجد. وأضاف أن الأجسام المضادة حتى لو كانت فعالة، لا توجد مؤشرات تذكر على أن أعدادا كبيرة من الأشخاص طوروها وبدأوا في توفير ما يسمى "مناعة القطيع" للسكان. وأضاف ريان تشير معلومات أولية كثيرة تصل إلينا فى الوقت الحالي إلي أن نسبة منخفضة جداً من السكان تحولت إلي (إنتاج أجسام مضادة) وأوضح أن توقع تكوين او تطوير أغلبية المجتمع أجساماً مضادة ، فيما تشير الأدلة إلي عكس ذلك، قد لايحل مشكلة الحكومات.

أما الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، والعضو بفريق عمل البيت الأبيض لمكافحة كورونا المستجد وغيره من الفيروسات بالولايات المتحدة، فكان من المتفائلين بنظرية مناعة القطيع وفق تقرير نشر فى صحيفة "وول ستريت جورنال" الثلاثاء الماضي، مؤكدا أن دم المتعافي من عدوى فيروسية، ينتج بروتينات تحارب الفيروس نفسه "بأجسام مضادة" يمكن استخراجها منه لضخها في دم المريض لتحميه مما قد يقضي عليه. ويعني العثور على أجسام مضادة بدم الشخص الذي تم تحليله، أنه كان مصابا لكنأضحى لديه الآن دفاعات جزيئية لمحاربة الفيروس الذي جعله مريضا، وهو ما يسمونه "المناعة" المزودة بدفاعات بيولوجية كافية لمكافحة العدوى والأمراض التي يمكن للأطباء نقل جزيئاتها كأجسام مضادة إلى دماء المصابين بالفيروس نفسه، لتساعد بعلاجهم.

لكن مارك وولهاوس، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في جامعة إدنبرة في أسكتلندا قال في تصريحات  لصحيفة "إندبندنت"البريطانية أن استراتيجية مناعة القطيع لن تكبح تماما تفشي الفيروس أو تمنع انتشاره بشكل كامل، خصوصا في مجتمعات لم تكتسب المناعة بعد. وأضاف إن مناعة القطيع يمكن أن تحدث بشكل طبيعي إذا تعرض عدد من الناس للعدوى، إذ يكوّنون أجساما مناعية مضادة تكسر شوكة الفيروس، ولن يكون بمقدوره الانتشار على نطاق واسع.

وحذر تشونغ نانشان، أحد خبراء مواجهة كورونا في الصين من اتباع سياسة "مناعة القطيع" لمواجهة كورونا وقال أنه مرض معد للغاية ولايوجد دليل علمي حتى الوقت الراهن علي انه أذا أصيب شخص ما بفيروس كورونا فإنه لن يصيبه مرة أخري، مما يهدم النظرية من أساسها.
------------------------------
تقرير - فاطمة عبد الرشيد






اعلان