28 - 03 - 2024

لحظة تجلٍ

لحظة تجلٍ

ما من شك أن هذا الوباء المدعو كورونا المستجد، أو كوفيد 19، قد عكنن على كثير من بني الإنسان بكل طوائفهم ومعتقداتهم ومختلف جنسياتهم وألوانهم.. إلا أنه وضع العالم في كفتي ميزان متساويتين.. فأصاب الكبير والصغير، غنيًا كان أو فقيرا، رئيسا أو مرؤوسا، عربيا أو أعجميا.. الكل سواء أمام ذا المدعو كورونا..

بعيدًا عن المعتقدات التي بلا شك، السواد الأعظم في العالم يدين بها، كلٌ حسب معتقده، حضرني رد من الأستاذ الدكتور الراحل الطاهر مكي، أحد أبرز الأقطاب في الدراسات الأدبية بشكل عام، والأدب الأندلسي بشكل خاص، وأول رئيس تحرير لمجلة أدب ونقد التي كانت تصدر عن حزب التجمع في مصر، عندما سألته في حوارٍ نُشر في صدر الزميلة صحيفة الأهالي قبل عشرة أعوام أو يزيد، بم يعتقد الطاهر مكي؟ وهو الغني عن التعريف في علمه، والمتبتل بعشقه الروحي، حسبما كان يحكي لنا في محاضراته.. وهو الذي يشهد له الجميع بغزارة علمه، ويكفيك فقط أن تكتب على محرك البحث جوجل.. من هو العلامة الناقد والمترجم والباحث الأديب الدكتور الطاهر أحمد مكي.. لا شك ستعي- لمن لا يعي- أنه سيرته معطرة بالعلم والأدب..

الطاهر المكي قالها مذ زمن ليس بالبعيد عندما سألته بم يؤمن؟.. حدثني: "أؤمن بالإنسان وبكل ما يؤدي إلى رفعة الإنسان سمِّها اشتراكية سمِّها شيوعية، سمّها كما شئتَ.. المهم أن تؤدي في النهاية  إلى رفعة الإنسان".

الطاهر المكي ونحن مررنا بذكرى وفاته الثالثة منذ أيام، قبل أن ينتقل إلى بارئه بعد أن عمّر ما يزيد على 90 عامًا عطاء.. قال في حواره إن عدم قبول الآخر، أي آخر، سواء في رأي أو دين أو حتى الاستماع إلى بعضنا البعض في المناقشات العادية ومساعدة بعضنا بعضا.. خلق نوعًا من التعصب، قال ذلك وهو يتحدث أن هذا ليس للنشر كونه بعيدًا عن المحاور التي أراد الشاعر الراحل حلمي سالم، وأن يسلط الحوار الضوء عليها، قال مكي: "إننا أصبحنا نتقهقر إلى الخلف ولم يعد وراءنا خلفٌ نتقهقر إليه.. نتيجة هذه التعصب"..

في لحظة ما.. جرى تذكّر حوار الطاهر مكي ونظرته للمجتمع ولبني الإنسان، وماذا في هذه الحياة يستحق كل تلك الصراعات، وفرد العضلات والافتخار بالمعدات والآلات، وتباهي البعض بأنه الأعظم.. فيما نخر فيروس لا يُرى بالعين المجردة جسد المتغطرس قبل المتواضع، وطال صاحب الإمكانات المحدودة، قبل أن يصطاد من لا يملك أي إمكانات.. أظن أن العالم لا شك، يحتاج للحظة من التجلي، قبل أن تنتهي أزمة هذا الوباء.

-----------------------

بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان