11 - 05 - 2025

عاصفة بوح| الأمل يستمر

عاصفة بوح| الأمل يستمر

أولويتنا تغيرت تماما او هكذا أتصور، فلست استثناء من القاعدة الشعبية والإنسانية، فيروس كورونا ألقى بظلاله على حياتى، وجعلنى اعيد التفكير فيها، فى معنى الحياة وعلاقاتى بالبشر وحتى بنفسى، علاقتى قبل كل شيىء مع الله و مدى تقبلى لنهاية ربما أقرب مما اتصور أو أتمنى، مع أنى فى الستينات من العمر مما يعنى أن الرحلة قاربت على الانتهاء ، فنحاول ان نتواءم مع معانيها، رغم أن الموت لاعلاقة له بالسن، بمعنى قد نجد من يعمر إلى أرزل العمر حتى يصل به الأمر إلى تمنى الموت ويتذلل لله سبحانه، حتى يرحمه من حياة طالت وجفت وقست وفقدت طعمها وأهميتها، بينما نجده يفاجيء من كانوا فى مقتبل العمر والحب والأمل يتمنون أن يعيشوا تفاصيلها الحلوة وربما المرة أحيانا،المهم أن يعيشوا.. تشفق عليهم قلوبنا ونتساءل عن حكمته العصية على عقلنا المحدود، ونتساءل فى خجل: أو ليس الشيوخ أولى بالرحيل؟ و لكنها حكمته التى قد نعجز عن فهمها، كما كانت حال  سيدنا موسى مع سيدنا الخضر الذى لم يستطع معه صبرا. وكان التفسير الذى أوضح له ما خفي عنه، ولكننا وحدنا فى الحياة دون معجزات مباشرة توضح لنا ما استغلق علينا من تفسيرات، وتوضح حكمته سبحانه. 

الله – جل في علاه - لم يتركنا عزلا وفرائس تنتظر هجمات القدر فرزقنا العقل الذي هو زينة، كما وصفته المخيلة الشعبية، مع القلب الذى يداوينا والشعور والوجدان ليخفف ويوضح ما خفي علينا من أسرار الكون والحياة، ثم ديننا وإيماننا بخالقنا وثقتنا بأنه لن يترك مخلوقاته للريح تلهو بهم كيفما تريد.. إنما يأمر رحمته لتهل علينا كهلال العيد فيهدأ بالنا ونستريح! 

 فى بداية أزمة الفيروس اللعين وجدتنى ككثيرين، أتصور أنه يبعد عنا بملايين الكيلومترات  فى قارة اخرى.. وفكرت أنه بعيد عنى وعن بلدي، ولن يحدث لنا كما حدث للآخرين، كما تذكرت الفيلم المشهور التى تصورت بطلته أن موت طفلة جارتها لن يحدث لها، هكذا نتصور أو نتمنى، حتى نصبح جزءا من هؤلاء الآخرين! 

كنت أنا تلك المرأة حتى اقترب الخطر رويدا رويدا، وأصبح واقعا نعيشه!

فى البداية، قبل ان يستوعب عقلنا الموت وخراب الديار.. تنبهنا إلى اعتيادنا النعم، التى هى جزء من حياتنا ووجودنا كأمر مسلم به، كان مبلغ فزعى أن أحرم من عناق احبائى.. الحرمان هو ما أفزعنى ونبهني إلى تلك النعمة  وذلك الاحتياج إلى اللمس والاحتضان وتلك الرغبة فى الطبطبة على الآخر كنوع من المؤازرة.. نحن الشعب العاطفى التلقائى الذى يجد فى العناق والقبلات على الوجنتين للأصدقاء والأقارب، والقبلات الأكثر حبا للأولاد والأحفاد والأزواج الذين يجدون مكانا للمودة الزوجية بعد سنين طويلة  قاد إهمالها إلى جفاف عاطفى لدى الزوجين، حتى جاءت الأوامر بمنعها.. هلل البعض فرحا، وكسرت قلوب نساء ورجال شعروا بما فقدوه ولم يتخيلوا أهميته إلا عندما حرمتهم الحياة منه!

كلامي يبدو ساذجا وسط هذا الخطر؟  لا والله.. ماهو ساذج ولا حالم ولا رومانسى ولا منكر لخطر اقترب.. الحاجة للملامسة مؤلمة عند الحرمان منها.. أدركت أننا نتكلم بأيدينا ربما أكثر من ألسنتنا، أليست ربتة على يد بحنان تغنى عن عتاب قد يقود إلى إشعال الالم والجدال وينتهى إلى فراق أبدى أو حتى مؤقت.. أليس العناق ينهى هو الآخر خصاما، يحنن القلب ويعيد الحياة إلى حب أو صداقة أو عشرة ويفتح الطريق إلى تزواج الأرواح وإلى علاقات كنا تصورنا انها انتهت.

أليست شدة على اليد وقت الأزمات تغنيك عن آلاف العبارات.. أليس حضن وداع الأحبة على أبواب البيوت او فى المطارات يعطيك مخزونا تتلحف به فى أوقات الاشتياق والحنين، ويجعلك تستدعى الدفء و الحميمية وتبتسم وحيدا فى شجن يصبرك ويطبطب عليك 

أليس فى العلاقة الحميمة بين الأزواج ما يقضى على ألف خلاف ويقوى الروابط العاطفية ويطمئنك ولو لدقائق قليلة أو طويلة أنه مازالت للحياة رائحة وطعم، يقويك فى أوقات الألم والحيرة؟ 

فجأة حرمنا من كل هذا بأمر الفيروس، أصبحنا نضحك فى سخرية ومرارة عندما نتقابل ويضع كل واحد منا قبلته فى يده ويطلقها بلهفة وشوق فى وجه أحبائه.. ونتحسر على أيام العناق الجميل الذى أطلقناه فى وجه الجميع من يستحق ومن لايستحق.. ومن حرمناه منه عن قصد فى كثير من الأحيان، ودون قصد أحيانا كثيرة.. كسلا ومللا ولا مبالاة نتحسر عليها، بعدما صدرت أوامر عليا من أنفسنا أنه آن للتلامس أن يأخذ أجازة، ونعود إلى استعمال العبارات الحقيقية والمزيفة للتعبير عن المشاعر.. كلام فى كلام، ما أسهله وما أكذبه.. أما التلامس فيفضح دون الحاجة إلى كلام  يؤازره!! 
------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

     

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة