24 - 04 - 2024

وجهة نظري| كورونا وأرض النفاق

وجهة نظري| كورونا وأرض النفاق

لا أعرف لماذا تتداعى أمامى كثيرا مشاهد من فيلم أرض النفاق المأخوذ عن رواية للكاتب يوسف السباعى.. ولا أعرف ما الذي دفعنى للربط بين الواقع الذى نعيشه الآن بعدما حاصرنا فيروس كورونا، وبين أحداث الفيلم التي توالت لتكشف حجم القبح الكامن في الإنسان ليصبح من المستحيل أن تجد معه أية محاولة لنشر الصفات والأخلاق الحميدة ويظل الشر والظلم والطمع والإنتهازية والجبن لها الغلبة وصاحبة الصوت الأعلى والتاثير الأقوى في أرض النفاق التي نعيش فيها.

لم نصل لتلك القناعة بابتلاع أحد أقراص الفضيلة كما حدث في الخيال لكنها جاءت من خلال فيروس تافه.. رغم هشاشته نجح في فضح الحقائق وكشف زيف ادعاءات الهيمنة والسيطرة والسيادة.. أزاح الأقنعة عن وجوه الأفراد والأنظمة لتبدو حقيقتها البشعة وقبحها المريض.

بكينا على عجوز رفض أبناؤها إستلام جثتها بعدما نال منها الفيروس.. وتألمنا لمسن ألقوا جثته في الشارع بعدما رفضت إحدى المستشفيات إستقباله وعلاجه.. واحتقرنا رجال أعمال لم يهمهم سوى حصد المزيد من الأرباح حتى لوكانت على حساب جثث عمال مصانعهم أو موظفي شركاتهم.. وتعجبنا من قرصنة لم تخجل دول كبرى أثناء القيام بها للاستيلاء على مستلزمات طبية كانت في طريقها لدول أخرى.. وتأزمنا من صفقات مشبوهة ومزايدات رخيصة للحصول على تلك المستلزمات بالاعيب وحيل حقيرة فاقت في تدنيها تلك التي تمارس في أصغر المزادات باسواق الخضار والفاكهة الشعبية.

حبوب الفزع التي تناولها العالم بعد إصابته بفيروس كورونا كشفت كل ذلك القبح الكامن في نفوس البشر.. أزاحت الأقنعة المختفية دوما وراء كلمات دبلوماسية وحجج سياسية وتبريرات منمقة لتبدو منطقية.

بدا تأثير كورونا  على أرض النفاق التي نعيش عليها أقوى بكثير من تأثير حبوب الشجاعة والصراحة والطيبة وغيرها من الصفات الحميدة، ليس فقط لأنه لا يحمل تلك الصفات التي حملتها تلك الحبوب المتخيلة، لكنه جاء بنذر الفناء والهلاك والموت، فجاء رد الفعل البشرى أشرس وأخطر واكثر إنتهازية ولا إنسانية .

مع ذلك لم يخل ظهوره المروع من وجه آخر يحمل قدرا من السلام والأمل والإيثار والمحبة والإنسانية.

رأيناه في موقف راهب ضحى بنفسه وفتح ذراعيه للموت راضيا وآثر إنقاذ حياة شاب متنازلا له عن جهاز تنفس صناعى قدمته الكنيسة خصيصا له. وسمعنا عن وجبات غذائية ومستلزمات طبية قدمها شباب لطواقم الأطباء والتمريض في كثير من الدول دعما لهم.

وشاهدنا مبادرات إنسانية لدعم المرضى المحتجزين بالحجر الصحى بتقديم كتب ووسائل ترفيه علها تخفف قدرا من إحساسهم بوحشة العزلة.

وانحنينا إجلالا وتقديرا لإحدى الشركات الكبرى التي أسقطت حقوق الملكية الفكرية لأجهزة التنفس الصناعى التي تنتجها  ونشرت الكتالوجات الخاصة بتلك الأجهزة ليتسنى للشركات في كل دول العالم تصنيعها .

تفاءلنا بمبادرة الأمم المتحدة التي تدعو لوقف الحروب والتكاتف لمواجهة خطر الفيروس، رددنا نفس النداءات التي أطلقها الشيوخ والنساء والأطفال لوقف نيران الدمار، فيكفينا الموت القادم بين جناحي الفيروس.

وتفاعلنا مع نداءات تطالب بالإفراج عن سجناء الرأي والمحبوسين إحتياطيا على ذمة تلك القضايا والغارمين وغيرهم ممن لم يتورطوا في قضايا سفك دماء.

وجه قبيح وآخر إنسانى، لمن تكون الغلبة؟ للأسف كل الشواهد تنبؤنا أن المشهد الأخير لأرض النفاق الواقعية لن يختلف كثيرا عما جاء في أرض النفاق الخيالية، فالغلبة ستكون للأشرس وسيبقى الوضع على ماهو عليه ولا عزاء دوما لاصحاب الأخلاق الحميدة.. فلامكان لهم في أرض النفاق، وإنما جزاؤهم في جنة لم يحن وجودها بعد.
-----------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان