29 - 03 - 2024

وجهة نظرى| كورونا ومعهد الأورام

وجهة نظرى| كورونا ومعهد الأورام

بين فزع كورونا ورعب المرض اللعين تخطو أولى خطواتك لمعهد الأورام بحذر وتوجس وقلق، .يفاجئك أحدهم ممسكا بجهاز قياس الحرارة مصوبا إياه نحو رأسك تستسلم بعدما تتسرب إلى نفسك بعض من طمأنينة.. لاتتوقف كثيرا أمام إبتسامة تعلو وجهه بينما يمارس عمله بسعادة طفل يلهو بلعبة جديدة.. تسرع للدخول محملا بهموم يوم طويل تقضيه بالداخل.. تنتبه لحركة نشطة في العيادات الخارجية.. عاملات وعمال نظافة يحملون أدواتهم غير متوانين في أداء مهمة تنظيف المكان بينما لا تتوقف أيادى أخرى عن تعقيم جميع الأسطح وصناديق القمامة.. تبث حركتهم الدءوبة النشطة مزيدا من الطمأنينة.

لكن ما أن تبدأ إجرءات تسجيل الحالة وتقديم الأوراق المطلوبة حتى ينقلب الحال تماما.. طابور طويل.. تلتصق الأجساد دون فاصل .. لا يلتفت أحد لبعض الأصوات المنبهة لضرورة ترك فسافات.. وهن الأجساد.. وهم المرض وحالة الإستسلام وبعض من قلة وعى تئد كل محاولة للتنظيم أو التنبيه او التحذير.. ترسل بنظراتك المتوسلة لتلك الموظفة المتجهمة التي تتعامل بخشونة مع الواقفين، فيعلو صوتها بحدة معترضة بتأفف على نقص الأوراق المطلوبة أو مكررة بتذمر الخطوات التالية التي على المريض إتباعها، أو مشيرة بغيظ لقائمة الإرشادات المعلقة لكنها أبدا لا تستغل ذلك الإحساس بالتحكم والسيادة لتظلق صوتها الجهورى لتجبر الواقفين لترك مسافة مناسبة حفاظا على صحتهم، فقط كل ماتفعله أن تردد ذلك بصوت خافت بين الحين والآخر بغير حزم رادع عكس طبيعتها في التعامل مع تفاصيل الإجراءات والأوراق وتذاكر الكشف وغيرها من تفاصيل المرضى.

ما أن تنتهى الخطوة الأولى بإستسلام المضطر حتى تبدا خطوتك الثانية التي تنتظر فيها دورك في الكشف.. تلك الخطوة التي عليك أن تتحلى فيها بصبر يفوق صبر أيوب .. فإنتظارك قد يطول لأكثر من ثلاث ساعات تقرر في بدايتها أن تلتزم بالوقوف متجنبا الجلوس في المقاعد المزدحمة ملتزما بالإجراءات الإحترازية تجنبا للإصابة بفيروس كورونا .. يشجعك صوت البث الداخلى الذى يكرر على مسامعك الإرشادات الوقائية من ضرورة غسل اليدين جيدا وإلإعتناء بالنظافة وطرق العطس التي تجنب إنتشار المرض، لكنها بالطبع لاتتطرق لضرورة تجنب الزحام أو ترك مسافة مترين أو أقل قليلا بينك وبين الآخرين ربما لليقين أن تحقيق ذلك من رابع المستحيلات وأنه من العبث طرح ذلك الإجراء الذى لايمكن تطبيقه على أرض واقع مرضى الأورام في المعهد.

لكنك بدافع من حذر لا يزال كامنا من تعليمات أخرى تحاول جاهدا البحث عن مكان آمن .. تبتعد قدر إستطاعتك .. تؤثر الوقوف متجنبا الجلوس بين الأجساد الملتصقة التي لا يلتزم بعضها بإرتداء الكمامات فيشجعك إهمالها على تحمل مشقة وألم الوقوف .

تمد عينك في الفراغ متجنبا النظر لأجساد واهنة تجرحها نظرات الشفقة قدر مايؤلمها وجع المرض.. يشدك رغما عنك أنين صادر من وجه شاحب وجسد ضامر ، تباغتك أهته المكتومةالموجعة فتفقد كل سيطرة على مشاعرك وكل ذرة في جسدك .. يخفت الأنين بينما تمتد يد حانية لزوجة إو إبن أوإبنة مواسية مهونة الألم يستكين لها الجسد الواهن قليلا ثم يعاود بث أنينه.

تتابع صور المرضى . عجائز وشيوخ وشباب وأطفال. بين وجوه مستسلمة متعبة وأجساد واهنة ونفوس يائسة وأخرى مازالت متحدية قوية يملؤها الأمل..

يتسرب قدر من راحة وشيء من أمل، بينما تتابع شابا وفتاة يثرثران لايتوقفان عن ابتسامة تصل حد الضحك بين فترة وأخرى ..ملامح المرض عجزت أمام حالة الحب التي فرضت سطوتها ونجحت في إزاحة شبح الخوف والقلق وبدلتهما بإشراقة وأمل على الأقل مؤقتا حتى يسمع أي منهما إسمه ليبدأ مرحلة أخرى من سلسلة العلاج الطويل .

تتوالى الساعات فتنهار مقاومتك وقدرتك على الوقوف .لاتفلح قائمة الإرشادات المعلقة في كل مكان أن تمنحك قدرا آخر من المقاومة، تستسلم ملقيا جسدك على أقرب مقعد خال غير عابئ بالزحام، محاولا قدر المستطاع تجنب وجوه الآخرين لكنك بالطبع لن تنجو من تجنب ملامسة ملابسهم التي يمكن بدورها أن تكون وسيلة لنقل الفيروس .

تنتهي ساعات الكشف وكتابة العلاج لتبدأ ساعات أخرى في إنتظار صرف الأدوية، ربما يضيع عليك اليوم وتضطر لإستكمال العلاج في يوم آخر إذا ادى حظك العثر للتاخر حتى موعد إغلاق الصيدلية .

ساعات الإنتظار المملة لن تنتهى بصرف العلاج، لكنها تسلمك لساعات أخرى عليك إنتظارها لحين إعداد الكيماوى المناسب لحالتك، بعدها تبدأ جلسة العلاج التي تمتد ما بين ساعة وتصل ببعض المرضى لأكثر من أربع ساعات.

أمام رحلة العذاب الأسبوعية يتضاءل حجم الإحساس بخطر فيروس كورونا، بين مرضى الأورام سيتضاءل خوفك وفزعك بالفيروس مهما كان حجم إحساسك بالخطر قبل دخول المعهد .

لا أحد ينكر قدر الجهد المبذول ولاحجم النفقات المقدمة للمرضى ..لكن قليل من النظام وكثير من الإرادة في تحطيم الروتين والبيروقراطية وتسهيل الإجراءات للمرضى ومزيد من الاهتمام بالنظافة لتشمل كل اقسام المعهد خاصة دورات مياهه .وكثير من الرحمة لتقدير ظروف وحالات نفوس هدها المرض ونال منها الإعياء وإستبد بها اليأس رحمة بهؤلاء فيكفيهم مااصابهم من إبتلاء .تخفيف آلامهم ليس صعبا لكنه فقط يحتاج لإرادة قوية وعزيمة وإخلاص وفوق ذلك قدر كبير من الإنسانية هم في أمس الحاجة إليه .      


مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان