14 - 05 - 2025

لامقابر لموتى كورونا في العراق، حكايات الأهالي مع جثث ذويهم

لامقابر لموتى كورونا في العراق، حكايات الأهالي مع جثث ذويهم

تتكدس جثث المتوفين جراء جائحة كورونا داخل ثلاجات المستشفيات في العراق، فبسبب الذعر بين العراقيين بعد تدهور الأوضاع في إيران المجاورة، والإعتقاد بأن جثث المتوفين إثر جائحة كورونا تنقل العدوى، لا يستطيع ذوي المتوفين دفن موتاهم لغلق المقابر في وجوهم، ولا يستطيعون الحصول على جثث متوفيهم من داخل الثلاجات.

ويقول "سعد مالك" الذي فقد والده قبل أسبوع جراء فيروس كورونا المستجد في العراق، لوكالة "فرانس برس"، باتت الجثث مكدسة داخل ثلاجات الموتى في المستشفيات بسبب رفض المدافن الرسمية والسكان استقبال ضحايا الوباء لاعتقادهم بأنهم مصدر للعدوى.

كما خضع مالك وقريبه سالم الشمري الحجر الصحي قبل أيام، لأنهما خالطا الشخص المتوفى، ومنذ ذلك الحين، تبوء محاولاتهما بالفشل لتأمين حفرة لدفن والد سعد الذي أعيدت جثته إلى ثلاجة أحد مستشفيات بغداد.

ويقول مالك بنبرة ملؤها الحزن على فقد أبيه "لم نقم مأتما لأبي، ولا نستطيع دفن جثته، رغم مرور أكثر من أسبوع على وفاته"، ويضيف مستنكرا "هل يعقل أن هذا العراق الكبير ليس فيه عدة أمتار لدفن مجموعة صغيرة من الجثث؟".

وأودى فيروس كوفيد-19 حتى الآن بـ42 عراقياً وأصاب أكثر من 500 شخص، بحسب وزارة الصحة العراقية، لكن هذه الأرقام قد تكون أقل من الإصابات الموجودة الفعلية، إذ إن نحو ألفي شخص فقط من أصل 40 مليون نسمة خضعوا للفحص في أنحاء العراق.

ويأتي الرفض الكبير من العشائر العراقية صاحبة الكلمة الفصل في بلد تغلب فيه العادات والتقاليد سلطة القانون، فلقد منعت إحدى كبرى العشائر في شمال شرق بغداد مثلاً، فريقا تابعا لوزارة الصحة كان ينقل أربع جثث دفنها في مقابر خصصتها الدولة لضحايا كورونا.

وعندما حاول الفريق نفسه دفن الجثث في منطقة النهروان في جنوب شرق بغداد، خرج العشرات من السكان بتظاهرة، ما دفع الفريق لإعادة الجثث إلى ثلاجات المستشفى.

وأكد الشمري على سطوة  القبلية قائلا أن "سيارات المسلحين الذين ادعوا أنهم ينتمون إلى عشيرة، هددونا وقالوا لنا نحرق سيارتكم إذا تدفنون هنا، رغم وجود سيارات الشرطة برفقتنا".

ومن جهته، يقول أحد السكان الذين رفضوا الدفن في مقبرة قريبة منهم "شعرنا بالذعر على أطفالنا وأسرنا (…) لذا قررنا منع أي دفن في مناطقنا".

وبالرغم من تأكيدات وزير الصحة جعفر علاوي أن الأمور ستسير على ما يرام، فإن هناك اعتراضات قائمة أجبرت الوزير على مناشدة المرجعيات الدينية للتدخل في تسهيل عملية الدفن، حيث طالت المشكلة الوفيات في محافظات عدة، بينها مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، حيث مقبرة السلام، التي تعد من بين الأكبر في العالم.

وبحسب عائلات متوفين، فإن السلطات فشلت أيضاً في الحصول على أذونات للدفن في مدينة كربلاء، بسبب رفض سلطاتها المحلية، خصوصاً أنها تعتبر قبلة لملايين الزائرين الشيعة.

ويقول طبيب، طلب عدم كشف هويته، إن السلطات فاتحت سلطة النجف لاستقبال جثة متوفى بفيروس كورونا، لكنها قوبلت بالرفض، فباتت الوزارة عاجزة عن إيجاد حلول، ونقل عن زوج إحدى النساء اللواتي توفين جراء المرض قوله بعد يأسه "سلموني الجثة وأنا سأدفنها في بيتي"، موضحا أن "هذه هي الحال ونحن لدينا نحو 40 وفاة. ماذا لو تفاقم الوضع؟ أين سنضع الجثث؟".

ويواجه العراق الفيروس اليوم، بعدد قليل من الأطباء والمستشفيات التي أنهكتها الحروب المتتالية، فمنذ الغزو الأمريكي في العام 2003، اختطف عشرات الأطباء من قبل فصائل مسلحة تطالب بفدية، ما دفع العديد من زملائهم إلى تفضيل المنفى، أما من قرر البقاء، فعليه التعامل مع معدات ومنشآت متداعية.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن في العراق 14 سريرا في المستشفى لكل عشرة آلاف نسمة، ومن باب المقارنة، فإن فرنسا التي غلب الفيروس نظامها الصحي، تملك سريرا لكل 60 شخصا، لذا يسعى العراقيون إلى بدائل، لضمان حيواتهم وسط هذه الكارثة الصحية.

ومن جهته، يسعى مرتضى الزبيدي إلى أن يساعد مصابي فيروس كورونا في العراق، بـ"سرير الحياة" الذي ابتكره وهو عبارة عن كبسولة شفافة تحوي سريرا وعبوة أوكسجين ومكيّف هواء وتلفزيونا، تكون مكاناً للحجر، وصنع الزبيدي هذه الكبسولة في فناء منزله في مدينة الزبير بأقصى جنوب العراق الغني بالنفط لكنه مهمل من حيث الخدمات العامة، بدعم من الموظف الحكومي عقيل التميمي.

ويقول الزبيدي (49 عاما) المتخصص بالتقنية الطبية إن "هذا اختراع إنساني من أجل أن يبعث الأمن والطمأنينة".

ورغم أن هذا الجهاز كلف أربعة آلاف دولار، فلا يوجد أي رأي للخبراء أو الأطباء بأن له منفعة أو يساعد في مواجهة الوباء.

وتشدد السلطات العراقية إجراءاتها في هذا الصدد، وفرضت حظراً للتجول في عموم البلاد حتى 11 أبريل، لكنها وإن منعت التجمعات، لإقامة عزاء على سبيل المثال، فإن ذلك لا يلغي المشكلة الأكبر التي قد تنذر بكارثة.

يقول المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، في فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، إن منع الدفن "قضية لا تنسجم مع الأعراف الدينية والإنسانية التي تشدد على أن إكرام الميت دفنه"، معتبرا أن مسألة انتشار المرض عبر انتقاله من الجثث "غير مستند إلى حقائق علمية، وأن هناك إجراءات تتخذها الدولة للحد من المخاطر كالتعقيم ولف الجثة بأكياس وتابوت خاص".

ومن جهتها، أفتت المرجعية الدينية الشيعية العليا بوجوب تكفين الميت بوباء كورونا بالأثواب الثلاثة (الأكفان) وأن على السلطات المعنية تسهيل دفنه في المقابر العامة، وأنه لا يجوز حرق جثمانه.

ووسط هذه المعضلة، يقول الشمري بحسرة "لم يعد يفجعنا الموت، بل بات حلمنا دفن موتانا".