26 - 04 - 2024

وجهة نظري| "كورونا".. وكأن وباء لم يكن

وجهة نظري|

بينما تتصاعد أعداد المصابين بفيروس كورونا، وبينما يحصد وباء القرن المزيد من الأرواح.. لم يحرك الحصاد المر ساكنا في نفوس قادة العالم المهدد بالإندثار.. ولم يغير شيئا من قواعد لعبة السياسة القذرة، بل باتت في أبشع صورها من التدنى والفجور والإنحطاط.

لم تتوقف مخططاتهم اللا إنسانية أمام نزيف الأرواح.. وكأنهم اعتادوا على سقوط الضحايا وأدمنوا سحق الأرواح.

أكثر من ستمائة ألف مصاب في العالم وأكثر من 32 ألف حالة وفاة، لم تدفع محترفى اللعب ومدمنى إشعال الحروب للتوقف حتى لالتقاط الأنفاس ولو لمجرد هدنة تتخفى وراء قناع إنساني كاذب.. لكنهم آثروا السفور بمشاعرهم اللا إنسانية، ويبدو أن ضمائرهم التي ماتت من زمن من المستحيل أن يحييها كورونا رغم مايحمله من نذير مدمر وبوادر فناء للبشرية.

لم يبذل الساسة جهدا في مواجهة كورونا قدر ما بذلت عقولهم من تفكير من أجل اثبات الهيمنة والسيادة وتأكيد التفوق على الخصوم والمنافسين والأعداء.

لم يثن الحصاد المر لكورونا وسط الشعب الأمريكي الذى وقع فريسته أكثر من 44 ألف مصاب وأكثر من 400 حالة وفاة، أمريكا ويدفعها للتوقف عن سياستها الإستعمارية، وبعدما أعلنت عزمها مع بوادر ظهور الفيروس في العراق عن نيتها سحب قواتها، عادت لتأمر قواتها  بالإستعدادلعمليات عسكرية تستهدف كتائب حزب الله والتي تحملها واشنطن مسؤولية الهجوم الصاروخي على إحدى القواعد الأمريكية والذى راح ضحيته جنديان أمريكيان. تبرر واشنطن عزمها على نشر المزيد من معدات الدفعات الجوية بورود تقارير إستخباراتية تشير إلى هجمات وشيكة من قبل ميليشيات تابعة لإيران ضد منشآت عسكرية أو دبلوماسية مرتبطة بامريكا، وفق مانشرته صحيفة الشرق الأوسط .

وعلى النهج الأمريكي لإثبات التفوق والهيمنة، قامت تركيا بنشر معدات دفاع جوى في منطقة شمال غرب سوريا في محاولة لتعزيز من تواجدها  في تلك المنطقة التي شهدت  مقتل عددا من الجنود الأتراك خلال الأسابيع الماضية.

لايكف اللاعب التركى عن المناورة ومحاولة إثبات وجوده كرقم صعب في حروب الهيمنة، غير عابيء بخطر الفيروس المهدد لشعبه، بل والمتربص بالعالم من حوله.

كشف كورونا بشاعة الساسة وقبح وقذارة اللعبة السياسية.. أسقطت ورقة التوت التي تخفى عورات أنظمة هشة بالغت في إخفاء إنهيارها وضعفها ولم تفلح في إستمرار كذبها المفضوح أمام فيروس ضعيف مهما بدا له من شراسة وفتك وإبادة.

إنهارت أكذوبة الإتحاد الأوروبي، بعدما هرعت كل دولة ليس فقط للبحث عن طوق نجاة منفردا، بل لصم الآذان عن إستغاثة دول أخرى بلغت نكبتها بالفيروس حدا لم يسبق له مثيل.

بدا الاتحاد الاوروبى مفككا وفى أقصى درجات وهنه، بعدما أدارت جميع دوله ظهرها لصرخات الشعب الإيطالى، الذى أصاب الفيروس أكثر من 900 الف من أبنائه فضلا عن وفاة أكثر من 12 الفا، تعنتت دول الجوار ولم تقدم العون للإيطاليين المنكوبين، بينما إستجابت لتلك الاستغاثات كل من الصين وروسيا وكوبا، بالطبع لم تفعل ذلك بدافع إنساني، ولايصنف قادتها على أنهم من أصحاب القلوب الرحيمة، لكنها اللعبة السياسية مرة  أخرى تدفع دولا عظمى للتراجع وأخرى للتقدم. يكشر ساسة عن أنيابهم ويبدو آخرون باقنعة ملائكة الرحمة.. يضربون شعوبا بالصواريخ، ثم يعودون ويقدموا يد المساعدة.. يقذفون البيوت والمدارس ويحولون أصحاب الأرض إلى لاجئين، ثم لايكفون عن الصراخ لإنقاذهم والدفاع عن حقوقهم الإنسانية. يدعمون الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة التي تتواطأ لخدمة مصالحهم ولايتوانون عن إثارة الشعب ضد تلك الأنظمة كلما سنحت الفرصة.

لم تغير كورونا قواعد اللعبة، مازال الكل يمارسها بلا أدنى تغيير. فى عالمنا العربى كما في الغرب لاتبدو الصورة مختلفة..اليمن مستمر في صراعه بعدما باتت الهدنة بين الحوثيين والحكومة الشرعية هشة.. واستمرت السعودية على خط المواجهة بعدما اعترضت صاروخا بالستيا أطلقه الحوثى فوق الرياض.

ومن اليمن إلى ليبيا إلى سوريا، لا يبدو المشهد مختلفا كثيرا، ولاتبدو حتى الهدنة المؤقتة بعض الأحيان إلا مجرد سكوت ماقبل عاصفة متوقعة وربما بشكل أكثر شراسة وتأزما.

هل نطمع وسط تلك الحالة من التبلد والبشاعة، بتحرك إنسانى لشركات أدوية تعكف على التوصل لعلاح ولقاح يواجه خطر الكورونا؟، من المؤكد أن جهودا مضنية تبذل لكن للأسف ليس بدافع الرحمة وإنقاذ البشرية، وإنما لحصد مزيد من المليارات وفوقها مزيد من إثبات الهيمنة والسيطرة والتميز والإستقواء.

مرة أخرى ليس الخطر في فيروس كورونا، لكن الخطر الأكبر في كورونا اللا إنسانى الكامن فينا.
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان