30 - 04 - 2024

كيف يبدو شكل العالم بعد كورونا؟ 12 مفكرا عالميا لـ "فورين بوليسي": وباء يغير العالم للأبد

كيف يبدو شكل العالم بعد كورونا؟ 12 مفكرا عالميا لـ

كسقوط جدار برلين أو انهيار بنك ليمان براذرز (الأزمة المالية في 2008)، فإن جائحة فيروس كورونا هي حدث مدمر على مستوى العالم يمكننا فقط اليوم أن نبدأ تخيل عواقبه بعيدة المدى.  

فمثلما أدى هذا المرض إلى تحطيم الحياة وتعطيل الأسواق وكشف كفاءة الحكومات (أو انعدامها)، فإنه سيؤدي إلى تحولات دائمة في القوة السياسية والاقتصادية بطرق لن تظهر إلا لاحقًا.

ولمساعدتنا على فهم طبيعة التحول، فقد طلبت فورين بوليسي من 12 مفكرًا بارزًا من جميع أنحاء العالم للكشف عن توقعاتهم للنظام العالمي بعد الوباء.

عالم أقل انفتاحًا وازدهارًا وحرية – ستيفن م والت

سيقوي هذا الوباء من شوكة الدولة ويعزز القومية، حيث ستتبنى الحكومات بجميع أنواعها إجراءات طارئة لإدارة الأزمة، وسيكره الكثيرون التخلي عن هذه السلطات بعد انتهاء الأزمة.

كما سيتسارع تحول القوة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، فقد استجابت كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل، وكان رد فعل الصين جيدًا بعد تدارك أخطاءها المبكرة بالمقارنة باستجابة أوروبا وأمريكا البطيئة والعشوائية مما زاد من تشويه فكرة "التقدم الغربي".

ما لن يتغير هو طبيعة الصراع بشكل أساسي بين القوى العالمية.

إن الأوبئة السابقة - بما في ذلك وباء الإنفلونزا في 1918-1919 - لم تنهِ تنافس القوى العظمى ولم تبشر بعصر جديد من التعاون العالمي، كذلك COVID-19. سوف نشهد تراجعًا إضافيًا للعولمة المفرطة، حيث يتطلع المواطنون إلى الحكومات الوطنية لحمايتهم، بينما تسعى الدول والشركات للحد من نقاط الضعف المستقبلية.

باختصار، سيخلق COVID-19 عالمًا أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وأقل حرية. ليس شرطًا أن يكون الأمر بهذه الطريقة، لكن الجمع بين فيروس قاتل وتخطيط غير ملائم وقيادة غير كفؤة وضع البشرية على مسار جديد ومثير للقلق.

نهاية العولمة كما نعرفها – روبين نيبلت

قد تكون جائحة فيروس كورونا هي القشة التي قصمت ظهر بعير العولمة الاقتصادية.

فقد أثارت القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين تصميمًا من الحزبين في الولايات المتحدة على فصل الصين عن التكنولوجيا الفائقة والملكية الفكرية التي تمتلكها الولايات المتحدة ومحاولة إجبار الحلفاء على أن تحذو حذوها. 

إن الضغط العام والسياسي المتزايد لتحقيق أهداف خفض انبعاثات الكربون أثار بالفعل تساؤلات حول اعتماد العديد من الشركات على خطوط إمداد ذات مسافات طويلة. فـCOVID-19 يجبر الحكومات والشركات والمجتمعات الآن على تعزيز قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية.

ويبدو من غير المحتمل إلى حد كبير في هذا السياق أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين التي حٌدِدَت أوائل القرن الحادي والعشرين. وبدون حافز لحماية المكاسب المشتركة من التكامل الاقتصادي العالمي، فإن بنية الحوكمة الاقتصادية العالمية التي تم إنشاؤها في القرن العشرين ستتدهور بسرعة وسيتطلب الأمر عندئذٍ انضباطًا هائلاً للقادة السياسيين للحفاظ على التعاون الدولي وعدم التراجع إلى المنافسة الجيوسياسية العلنية.

فإثبات القادة لمواطنيهم أنهم قادرون على إدارة أزمة COVID-19 سيشتري لهم بعض رأس المال السياسي ولكن أولئك الذين فشلوا سيجدون صعوبة في مقاومة إغراء إلقاء اللوم على الآخرين لفشلهم.

تمحور أكثر حول العولمة الصينية – كيشور محبوباني

لن تغير جائحة COVID-19الاتجاهات الاقتصادية كثيرًا. ولكنها سوف تسرع فقط من وتيرة التغيير الذي بدأ بالفعل: وهو الانتقال من عولمة تتمحور حول الولايات المتحدة الأمريكية إلى عولمة تتمحور حول الصين.

لماذا سيستمر هذا الاتجاه؟ لقد فقد الشعب الأمريكي ثقته بالعولمة والتجارة الدولية، فاتفاقيات التجارة الحرة سامة، مع أو بدون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي المقابل لم تفقد الصين إيمانها. لم لا؟ هناك أسباب تاريخية أعمق، حيث يعرف القادة الصينيون جيدًا الآن أن قرن الإذلال الذي عاشته الصين منذ عام 1842 حتى عام 1949 كان نتيجة لتهاونها وجهودها غير المجدية من قِبَل قادتها لقطعها عن العالم، وعلى النقيض من ذلك، كانت العقود القليلة الماضية من الانتعاش الاقتصادي نتيجة للمشاركة العالمية، بالإضافة إلى أن الشعب الصيني يشهد انفجارا في الثقة الثقافية، فهم يعتقدون أنهم قادرون على المنافسة في أي مكان.

ستخرج الديمقراطيات من قوقعتها – جون إكنبيري

ستكون الأزمة وقودا لمختلف المعسكرات الغربية لمراجعة استراتيجياتها، فسوف يجد القوميون ومناهضو العولمة أدلة جديدة لوجهات نظرهم، خاصة مع الضرر الاقتصادي والانهيار الاجتماعي الذي انكشف، فمن الصعب رؤية أي شئ آخر سوى التحرك نحو القومية وتناحر القوى العظمى وما شابه.

ولكن كما هو الحال في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، قد يكون هناك أيضًا تيار معاكس أبطأ، نوع من الأممية المتشددة المشابهة لتلك التي بدأها فرانكلين روزفلت وعدد قليل من رجال الدولة الآخرين قبل الحرب وأثناءها. 

فقد أظهر انهيار الاقتصاد العالمي في ثلاثينات القرن العشرين مدى ارتباط المجتمعات الحديثة ومدى ضعفها تجاه ما أطلق عليه روزفلت "العدوى" 

لم تكن الولايات المتحدة  مُهددة من القوى العظمى الأخرى، وما استحضره روزفلت ودوليون آخرون كان نظامًا لما بعد الحرب والذي من شأنه أن يعيد بناء نظام مفتوح بأشكال جديدة من الحماية والقدرات لإدارة اعتمادهم المتبادل على بعضهم البعض. 

فالولايات المتحدة ببساطة لا تستطيع الاختباء داخل حدودها، ولكن عليها العمل في نظام مفتوح بعد الحرب – الوباء – والذي يتطلب بناء بنية تحتية عالمية للتعاون متعدد الأطراف.

لذا، قد تسافر الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية الأخرى عبر نفس سلسلة ردود الفعل هذه مدفوعة بإحساس متسلسل بالضعف وقد تكون الاستجابة أكثر وطنية في البداية، ولكن على المدى الطويل، ستخرج الديمقراطيات من قوقعتها للعثور على نوع جديد من الأممية البراغماتية.

أرباح أقل ومزيد من الاستقرار – شانون ك. أونيل

إن COVID-19 يقوِّض أساسيات (وأعراف) الصناعة العالمية، حيث ستعيد الشركات التفكير في خطوط الإمداد والتوريد متعددة الخطوات ومتعددة البلدان التي تهيمن على طبيعة الإنتاج اليوم.

تعرضت خطوط الإمداد لأضرار (وانتقادات) بالغة بالفعل – اقتصاديًا – حتى قبل كورونا، نتيجة لارتفاع تكاليف العمالة الصينية عن الماضي وحرب ترامب الاقتصادية والأتمتة والطباعة ثلاثية الأبعاد وأصبح خلق الوظائف أمرًا صعبًا في الاقتصادات المتقدمة.

كما أن غلق المصانع بمناطق الأزمة ترك المستشفيات والصيدليات ومحلات بيع التجزئة بلا أي مخزون ولا منتجات، الأمر الذي سوف يجعل الشركات تعرف أكثر وتنوع مصادر إمدادها، وقد تتخلى عن الجودة في سبيل ضمان الاستمرارية.

وستتدخل الحكومات كذلك فيما تعتبره صناعات استراتيجية لتأمين الدعم والاحتياطي للسوق المحلي. الربحية ستنخفض ولكن استقرار العرض سيرتفع.

هذا  الوباء يمكن أن يخدم هدفا مفيدا – شيفشانكار مينون

الوقت لازال مبكرًا ولكن يبدو أن ثلاثة أشياء ستحدث، ألا وهي..

- أولاً، ستغير جائحة فيروس كورونا السياسات، سواء داخل الدول أو فيما بينها، فالمجتمعات – حتى الليبرالية – تحولت لسيطرة الحكومات، والنجاح النسبي في التغلب على الوباء وآثاره الاقتصادية سيؤدي إمّا لتفاقم أو لتقليص الأخطار الأمنية والاستقطاب داخل المجتمعات، في كلتا الحالتين عادت الحكومة.

وتُظهر التجرية حتى الآن أن السلطويين والشعبويين ليسوا أفضل من تعامل مع الوباء، والواقع أن الدول التي استجابت في وقت مبكر وبنجاح، كوريا وتايوان، كانتا ديمقراطيتان.

- ثانيًا، هذه ليست نهاية العالم المترابط بعد، إن الوباء نفسه دليل على تكافلنا.

ولكن في جميع الأنظمة السياسية، هناك بالفعل تحول إلى الداخل، بحث عن الاستقلالية والتحكم في مصير المرء. نحن متجهون نحو عالم أفقر وأصغر وأكثر لؤمًا.

أخيًرا، هناك علامات للأمل، فقد أخذت الهند زمام المبادرة لعقد مؤتمر عبر الفيديو لجميع قادة جنوب آسيا لصياغة استجابة إقليمية مشتركة، وإذا ما كان الوباء قد  صدمنا بحقيقة أن مصلحتنا الحقيقية في التعاون المتعدد الأطراف بشأن القضايا العالمية الكبرى التي تواجهنا، فسيكون قد حقق غرضًا مفيدًا.

ستحتاج أمريكا إلى استراتيجية جديدة – جوزيف س. ناي الابن

في عام 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجية جديدة للأمن القومي تركز على منافسة القوى العظمى. يظهر أن COVID-19 يثبت أن هذه الاستراتيجية غير ملائمة.

حتى لو بقيت الولايات المتحدة قوة عظمى، فإنها لا تستطيع حمابة أمنها من خلال التصرف بمفردها.

فيما يتعلق بالتهديدات العابرة للحدود مثل COVID-19 وتغير المناخ، لا يكفي التفكير في إعلاء القوة الأمريكية على الدول الأخرى فقط، فمفتاح النجاح هو معرفة أهمية قوة الآخرين، كل بلد يضع مصلحته الوطنية أولاً الآن؛ أظهر COVID-19 أننا نفشل حاليًا في تعديل استراتيجيتنا لمواءمة هذا العالم الجديد.

تاريخ COVID-19 سيكتبه المنتصرين – جون ألين

كما عهدنا، فإن التاريخ يكتبه المنتصرون، تعاني كل دولة، وكل فرد، من الإجهاد المجتمعي لهذا المرض بطرق جديدة وقوية، حتمًا ستدعي تلك الدول المثابرة - سواء من خلال نظمها السياسية والاقتصادية الفريدةأو من منظور الصحة العامة - والنجاح على أولئك الذين يعانون من نتائج مختلفة وأكثر تدميرًا. 

بالنسبة للبعض سيظهر ذلك على أنه انتصار كبير ونهائي للديمقراطية والتعددية والرعاية الصحية الشاملة وبالنسبة والبعض الآخر سيعرض "الفوائد" الواضحة للحكم الاستبدادي الحاسم.

في كلتا الحالتين ستعدل هذه الأزمة هيكل القوة الدولية بطرق لا يمكننا أن نتخيلها، فسوف يستمر COVID-19 في خفض النشاط الاقتصادي وزيادة التوتر بين البلدان. 

على المدى الطويل، من المرجح أن يقلل الوباء بشكل كبير من القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي، خاصة إذا أغلقت الشركات وانفصل الأفراد عن القوة العاملة. 

إن خطر التفكك كبير، خاص على الدول النامية وغيرها ممن لديهم لديهم نسبة كبيرة من العمالة غير المستقرة، كما سيتعرض النظام الدولي بدوره لضغوط كبيرة، مما سيؤدي إلى عدم استقرار ونزاع واسع النطاق داخل البلدان وبينها.

مرحلة درامية للرأسمالية العالمية – لوري جاريت

الصدمة الأساسية للنظام المالي والاقتصادي العالمي هي الاعتراف بأن خطوط التوريد وشبكات التوزيع العالمية معرضة بشدة للخلل، وبالتالي، لن يكون لوباء فيروس كورونا التاجي آثار اقتصادية طويلة الأمد فحسب، بل سيؤدي إلى تغييرات جوهرية.

سمحت العولمة للشركات بزراعة التصنيع في جميع أنحاء العالم وتسليم منتجاتها إلى الأسواق في الوقت المناسب، متجاوزة تكاليف التخزين واعتبرت المخزونات التي بقيت على الرفوف لأكثر من بضعة أيام إخفاقات للشركات وكان لا بد من الحصول على الإمداد وشحنه على مستوى عالمي منسق بعناية.

ولكن أثبت COVID-19 أن الأمراض لا يمكن أن تصيب الناس فحسب، بل تسمم النظام بالكامل.

وبالنظر إلى حجم خسائر السوق المالية التي عانى منها العالم منذ فبراير، فمن المرجح أن تخرج الشركات من هذا الوباء بشكوك حول النموذج المنتشر عالميًا. 

يمكن أن تكون النتيجة مرحلة جديدة من الرأسمالية العالمية، حيث يتم تقريب خطوط التوريد من المنزل للحماية من الاضطراب في المستقبل، الأمر الذي قد قد يقلل من أرباح الشركات على المدى القريب ولكنه يجعل النظام بأكمله أكثر مرونة.

المزيد من الدول الفاشلة – ريتشارد ن. هاس

لا أفضل كلمة "دائمًا"، لكنني أعتقد أن أزمة فيروس كورونا ستؤدي على الأقل لبضعة سنوات من تحول معظم الحكومات إلى الداخل والتركيز على ما يحدث داخل حدودها بدلاً من التركيز على ما يحدث بعيدًا. 

أتوقع تحركات أكبر نحو الاكتفاء الذاتي ومعارضة أكبر للهجرة على نطاق واسع وانخفاض الرغبة والالتزام في معالجة المشكلات الإقليمية أو العالمية (بما في ذلك تغير المناخ) نظرًا للحاجة المتصورة لتكريس الموارد لإعادة البناء في الداخل والتعامل مع العواقب الاقتصادية للأزمة.

أتوقع أن تجد العديد من البلدان صعوبة في التعافي من الأزمة مع ضعف الدولة، حيث أصبحت الدول الفاشلة سمة منتشرة في العالم، ومن المرجح أن تساهم الأزمة في التدهور المستمر للعلاقات الصينية الأمريكية وإضعاف التكامل الأوروبي. 

على الجانب الإيجابي، يجب أن نرى بعض التعزيز المتواضع لإدارة الصحة العامة العالمية. لكن بشكل عام، فإن الأزمة ستضعف العولمة.

فشلت أمريكا كقائدة للعالم – كوري شاك

لن يُنظر إلى الولايات المتحدة بعد الآن على أنها قائدة دولية بسبب المصلحة الذاتية الضيقة لحكومتها وعدم الكفاءة الواضحة.

 كان من الممكن تخفيف الآثار العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير من خلال قيام المنظمات الدولية بتقديم المزيد والمزيد من المعلومات السابقة، الأمر الذي كان سيعطي الحكومات الوقت لإعداد وتوجيه الموارد إلى حيث تشتد الحاجة إليها. هذا شيء كان يمكن للولايات المتحدة تنظيمه.

نرى قوة الإنسانية في كل بلاد العالم – نيكولاس بيرنز

إن جائحة COVID-19 هي أكبر أزمة عالمية في هذا القرن، عمقها وحجمها هائل وتهدد أزمة الصحة العامة لأكثر من 7.8 مليار شخص على وجه الأرض.

حتى الآن، التعاون الدولي غير كاف على الإطلاق، إذ أن الولايات المتحدة والصين، أقوى دول العالم، لا تستطيعان التخلي عن حربهما الكلامية حول أيهما مسؤول عن الأزمة.

وإذا لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من تقديم المزيد من المساعدة الموجهة إلى الـ500 مليون أوروبي، فقد تستعيد الحكومات الوطنية المزيد من السلطة من بروكسل في المستقبل، كما في الولايات المتحدة، فإن أكثر ما هو على المحك هو قدرة الحكومة الفيدرالية على توفير تدابير فعالة لوقف الأزمة.

ومع ذلك، في كل بلد، هناك العديد من الأمثلة على قوة الروح الإنسانية - للأطباء والممرضات والقادة السياسيين والمواطنين العاديين الذين يظهرون المرونة والفعالية والقيادة -، وهذا يوفر الأمل في أن الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم يمكن أن يجابهوا هذا التحدي الاستثنائي.
-----------------------
ترجمة: مروان عبد المولى






اعلان