18 - 04 - 2024

سوريا.. تسع سنوات من النزيف (ملف خاص)

سوريا.. تسع سنوات من النزيف (ملف خاص)

تحوّلات دراماتيكية منذ مارس 2011 أفضت لـ 22498 قتيلًا
- 6.5 مليون نازح داخلي و5.6 مليون لاجئ سوري حول العالم
- التدخلات الخارجية والإرهاب.. متلازمة تدمير الدول
- التدخل الروسي أنقذ الأسد.. و"التركي" رهان المعارضة الأخير

"من تحت الدلفة لتحت المزراب".. يُلخص هذا المثل السوري الدارج ما آلت إليه الأمور في سوريا طيلة السنوات التسع الماضية، بعد بداية الأزمة في مارس 2011، وما تمخضت عنه من تبعات دراماتيكية مُستمرة أفضت إلى الوضع الراهن؛ حيث تحوّلت سوريا إلى ساحة حرب دوليّة بين أطراف مُتعددة، والخاسر الوحيد في ذلك هو الشعب السوري الذي دفع الملايين من أبنائه ضريبة ذلك، ما بين قتلى ومصابين ومهجرين ونازحين ولاجئين.

"حرية وبس"، كان هذا الشعار هو الشرارة التي قادت في الأخير إلى هذا المسار المغاير تمامًا، بعد أن تحوّلت الشعارات السياسية التي رفعها المتظاهرون السلميون بداية الأزمة إلى رايات سوداء وحروب بالوكالة أفضت إلى بحار من الدماء، ومقتل هذا العدد المرعب من المدنيين (22498 مدنيًا قتلوا في سوريا خلال تسع سنوات، طبقًا لإحصاءات الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، فضلًا عن هذا العدد المرعب من المصابين وبعضهم بإعاقات دائمة.

كما أفضى في الأخير إلى ترك ملايين الناس لمنازلهم كنازحين؛ للهروب من شبح الموت الذي يلاحقهم. فطبقًا لإحصاءات مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فإن عدد النازحين الداخليين في سوريا يتجاوز 6.5 مليون نازح، فضلًا عن أكثر من 5.6 مليون لاجئ سوري حول العالم يعانون ظروفًا وأوضاعًا شديدة الصعوبة في كثير من البلدان.

بداية الأزمة.. أطفال درعا

البداية كانت في شهر مارس من العام 2011، مع اعتقال الحكومة 15 فتى سوريًا؛ بسبب كتابة شعارات مناهضة للرئيس بشار الأسد ونظامه على الجدران بمحافظة درعا (جنوب سوريا)؛ ليخرج بعدها المئات بشكل عفوي في مظاهرات (سلمية)؛ تصدح أصواتهم فيها بالمطالبةِ بـ"الحرية"، هاتفين (حرية وبس)، (بدنا كرامة وحرية، ما بدنا ليرة سورية)، وشعارات أخرى مختلفة شكلت الشرارة الأولى لخروج الملايين بعد ذلك.

سريعًا ما تمددت التظاهرات لتشمل مختلف المحافظات السورية، وقد ظنّ الناسُ آنذاك أن سوريا تسير على خطى كل من تونس ومصر، وأن رياح ما سُمي بـ"الربيع العربي" ستهب هناك، وتمت المقارنة بين خطابات الرئيس بشار الأسد ونظيره المصري حسني مبارك (الذي تنحى في 11 فبراير 2011) وكان أغلب الظن أن الأسد في آخر أيامه بالسلطة، لكنّ شيئًا من ذلك لم يحدث.

واصل المتظاهرون فعالياتهم السلمية، حتى جاء التطور الدراماتيكي الأول -والذي فتح الباب أمام عسكرة ما سمي بالثورة- وذلك في شهر يوليو من العام ذاته، عندما تأسس ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر" من قبل مجموعة من الضباط المنشقين عن الجيش العربي السوري.ومُنذ ذلك التاريخ، بدأت معاركٌ عنيفةٌ نجح من خلالها مقاتلو المعارضة في السيطرة على مناطق مهمة آنذاك، خصوصًا في حمص (وسط سوريا) وحلب (شمال سوريا). 

وفي شهر مارس من العام 2012 (بعد عام كامل من انطلاقة الأزمة تمكّن خلاله ما عرف باسم الجيش الحر من تحقيق بعض النجاحات في السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية) استعادت القوات السورية الحكومية معقل المعارضة الرئيسي في حمص، قبل أن تنجح فصائل المعارضة في شهر يوليو 2012 في السيطرة على مناطق واسعة في ضواحي العاصمة السورية دمشق (أهمها غوطة دمشق الشرقية). وكانت المحصلة النهائية آنذاك لتلك المواجهات هي تقلص نسبة المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية إلى أدنى مستوياتها.

التدخلات الخارجية

 حينها بدأت التدخلات الخارجية، بداية من التدخل الإيراني الداعم للحكومة السورية بمستشارين عسكريين وبالدعم الاقتصادي، وكذلك دعم حزب الله اللبناني، فضلًا عن دعم خارجي للمعارضة التي صارت بعد ذلك متعددة الولاءات (ما بين معارضة مدعومة من دول عربية (خليجية) بعينها، مثل قطر، ومعارضة مدعومة من تركيا، وأخرى من الولايات المتحدة.. وغير ذلك).

في شهر أبريل من العام 2013، شهدت الأزمة تطورًا بدخول حزب الله اللبناني طرفًا في الحرب، ثم تطورًا دراماتيكيًا في العام التالي بإعلان تنظيم داعش ما سُمي بـ"دولة الخلافة" في سوريا والعراق، وسيطرته على مناطق شاسعة داخل سوريا التي اتخذ من "الرقة" عاصمة له فيها، وقبل أن يتم تشكيلُ التحالفِ الدولي ضد داعش الذي ألحق بداعش خسائر قاصمة أفضت في النهاية إلى تحجيمه بشكل تام، قبل إعلان هزيمته في آخر جيب له في سوريا (في قرية الباغوز، التابعة لمحافظة دير الزور، شرق سوريا) في مارس 2019. 

الدور الروسي

تحولات دراماتيكية مفصلية واحدة تلو الأخرى شهدها الملف السوري. لكن التحوّل الفارق كان في سبتمبر من العام 2015، مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا بطلب من الرئيس بشار الأسد، ما أعطي هذا التدخل غطاءً شرعيًا دوليًا (على اعتبار أنه بطلب من الحكومة المعترف بها دوليًا) على عكس التدخلات الأخرى مثل التدخل التركي بعد ذلك وحتى الأميركي، وهي التدخلات التي تنظر إليها الحكومة السورية باعتبارها "عدوانًا" وتعتبرها المعارضة وأطراف دولية "دعمًا لحقوق الشعب السوري".

الحكومة التي لم تكن تسيطر إلا على ما يزيد قليلًا على 20 بالمئة من الأراضي السورية قبل التدخل الروسي، نجحت -بمساندة الروس- في استعادة السيطرة على أكثر من 70 بالمئة من إجمالي الأراضي السورية، ثم السيطرة على معظم الأراضي السورية وحصر المعارضة في الشمال، وتحديدًا في إدلب، باستثناء منطقة الإدارة الذاتية التابعة للأكراد أيضًا.

واحدة من التحوّلات الفارقة كذلك، جاءت في شهر أغسطس من العام 2016، عندما أعلنت تركيا عن تدخلها في الأزمة السورية بشكل مباشر، عبر عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "درع الفرات"،  قالت إن الهدف منها هو مواجهة تنظيم داعش، ثم ما لبث وتكشفت النوايا التركيّة الهادفة للحصول على جزء من "الكعكة السورية" المتنازع عليها.

وفي شهر يناير من العام 2018، أطلقت تركيا عملية "غصن الزيتون"، وشنت هجومًا غير مسبوق في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية في "عفرين"، ونجحت في السيطرة على المنطقة ذات الغالبية الكردية، ما أسفر عن مقتل وإصابة ونزوح عشرات الآلاف.

وفي شهر أكتوبر من العام 2019، جاء قرار الانسحاب الأميركي من شمال سوريا؛ لتشن بعدها تركيا رفقة مقاتلين سوريين موالين لها عملية سميت بـ"نبع السلام"، تمكّنت بموجبها أنقرة من السيطرة على المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض.

إخفاق سياسي

ولم تفلح جهود الحل السياسي في التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، على رغم القرارات الأممية وأهمها بيان جنيف، الذي وافق عليه مجلس الأمن بتاريخ 30يونيو 2016، والقرارات الدولية ذات الصلة، وأهمها القرار 2254/2015.. حتى اجتماعات سوتشي والأستانة، والتي حظيت بمظلة دولية لم تفلح في تحقيق الاختراقات المأمولة للحل السياسي.

نجحت الحكومة السورية في أن تفرض سيطرتها على كامل الأراضي (باستثناء مناطق الإدارة الذاتية، ومناطق المعارضة في إدلب) وتخوض حاليًا معارك في الشمال ضد آخر مناطق سيطرة المعارضة، بينما الأخيرة مدعومة من تركيا تقاوم وتتوعد باستعادة السيطرة، كما نجحت الجهود الدولية في تقليم أظافر الإرهاب والرايات السوداء في الداخل السوري.. فهل يفضي ذلك المشهد إلى حلٍ عسكري نهائي؟ أم أن المطامع وتضارب المصالح المختلفة يفضي إلى مزيدٍ من التأزيم؟

تسع سنوات وسوريا تستصرخ ضمير العالم، فهل يُسدل العام العاشر الستار عن الأزمة، أم أن آفاق المسار السياسي لا تزال مغلقة؟!
------------------------------
الملف إعداد- محمد خالد وأحمد كامل


برلماني مقرب من النظام لـ "المشهد": لا همّ للمعارضة سوى "السيطرة على الحكم بقوة السلاح"

رئيس هيئة التنسيق الوطنية السورية لـ "المشهد": التدخلات الخارجية حوّلت سوريا لـ "ساحة صراع وحرب بالوكالة"






اعلان