16 - 04 - 2024

بشرى بلحاج حميدة: قيس سعيد لن يتجرأ على المساس بحقوق النساء والأزهر منح نفسه سلطة ليست له

بشرى بلحاج حميدة: قيس سعيد لن يتجرأ على المساس بحقوق النساء والأزهر منح نفسه سلطة ليست له

رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بتونس في حوار للمشهد:
- الرئيس لن يعاكس مبادرة السبسي فهو رجل قانون .. وأنا مطمئنة على المكاسب لكني لا أتوقع المزيد
ـ أغلبية المجتمع ليست مع " النهضة" ولا أتوقع مزايدات بينها والإسلاميين حول الشريعة
ـ  الرئيس الراحل السبسي كان مصرا على المضي بالمساواة في الميراث لكن حزبه "نداء تونس" لم يتحمس 

ألقت نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس أكتوبر الماضي بظلال شك على فرص مبادرة الرئيس الرئيس الراحل "البورقيبي" الباجي قايد السبسي سن تشريع للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة المثير للجدل وإلى آفاق عربية واسلامية أبعد من بلاده. فمن جهة، حل بقصر قرطاج الرئاسي رئيس جديد "قيس سعيد" يعلن رفضه صراحة وباصرار لهذه المبادرة. وقد جاء بشرعيةتأييد ناخبين تفوق انتخاب "السبسي" في خريف 2014. كما عاد حزب النهضة الإسلامي أولا في البرلمان.

 وفي هذه اللحظة التي بدا وكأن الحداثيين بتونس قد لحقت بهم هزيمة سياسية بعد سنوات قليلة من إعادة احياء تراث بورقيبة و"الدولة الوطنية" وتحرير المرأة لمواجهة صعود الإسلاميين بعد ثورة 2011  يكتسب الحوار أهمية استثنائية مع "بشرى بلحاج حميدة" رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة التي سلمت تقريرها النهائي الى الرئيس السبسي في 9 يونيو 2018 متضمنا ماهو أبعد من المساواة في الميراث، حيث جاء في 244 صفحة من القطع الكبير، وضم مشروعي قانونين أساسيين: - واحد للحريات الفردية يشمل 93 فصلا أو مادة، - والثاني للمساواة والقضاء على التمييز ضد المرأة والأطفال يحتوي على 17 فصلا جديدا. وهذا فضلا عن جملة واسعة من المراجعات والتعديلات على بنية قوانين تمتد الى ما قبل الاستقلال عام 1956

 و"بشرى" بالأصل محامية تولت رئاسة "جمعية نساء ديمقراطيات" التي رفعت مطلب المساواة في الميراث منذ تسعينييات القرن العشرين، وشغلت مقعدا في البرلمان اعتبارا من عام 2014 بعد فوزها على قائمات حزب "نداء تونس " الذي أسسه السبسي. لكنها انتهت مع انتهاء ولاية هذا البرلمان في نوفمبر 2019 إلى نائب مستقل داخل كتلة "الإئتلاف الوطني" لحزب رئيس الحكومة "يوسف الشاهد" المسمى "تحيا تونس". وقررت ألا تخوض الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعدما أعلنت اعتزالها الحياة السياسية. وقد حاورتها هذه المرة بعد انتهاء الانتخابات بما في ذلك الرئاسية، حيث أجرى الحوارفي فضاء عام (كافيتريا \) بحي "المرسى" شمالي العاصمة تونس حيث تسكن. وقد جاءت بدون حراسة. وقبل أن نغادر اخذت في تجاذب أطراف الحديث حول نتائج التطوارت السياسية الأخيرة بتونس مع عدد من رواد المقهى بادروها بتساؤلات قلقة عن مستقبل البلاد.

تستبعد مكاسب جديدة للمرأة 

*وكأننا أمام مؤشرات مثيرة للقلق بشأن المرأة التونسية على الصعيد السياسي. انخفضت نسب مشاركة الناخبات في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة عن الذكور على عكس ما كان عليه الحال مع فوز السبسي والنداء 2014 وانحسر حضور المرأة في البرلمان الجديد إلى 43 مقعدا بنسبة 20 في المائة من اجمالي المقاعد بعدما شغلت 68 مقعدا بنسبة 27,5 في المائة في برلمان (2014 ـ 2019) و49 مقعدا بنسبة 22,5 في المائة في المجلس التأسيسي السابق عليه.. كيف تفسرين ما جرى؟.. وألا تعكس هذه المؤشرات مزاجا محافظا يدعوك للقلق على مكتسبات المرأة بتونس، بما في ذلك ما حصلت عليه بعد الثورة ؟

ـ ظاهريا هذا الكلام صحيح. لكننا لو تعمقنا ندرك انه لا خطر على مكتسبات المرأة بتونس. وربما لن نستطيع الحصول على حقوق جديدة. لكن لاخطر على ما حصلنا عليه وماهو بين أيدينا. ولفهم ماجرى أقول أن النساء في عام 2014تجندن (كن في حالة استنفار وتعبئة) لأنه كان هناك خوف حقيقي على حقوقهن. ولكن هذه المرة طغى الإهتمام بالقضايا الاقتصادية. أنظر مثلا الحزب الذي يعادي حركة النهضة (الدستوري الحر لعبير موسى) لم يعبر خلال الحملة الانتخابية عن اختلاف معها بشأن حقوق النساء وقضاياهن. وحقيقة هذه المرة لا نجد حزبا واحدا قدم خطابا مقنعا للنساء. حتى تلك الأصوات التي حثتهن على الخروج للاقتراع والمشاركة بكثافة لم تكن مقنعة. وكشف الواقع أن تلك الأحزاب التي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق المرأة غير مخلصة لما تدعو له. لنلاحظ أن النساء شغلن 18 في المائة فقط على رأس القائمات المرشحة لتشريعية 2019. وهذا يفسر انخفاض المقاعد التي تحصلن عليها في البرلمان الجديد

*ألا يعكس صعود قيس سعيد على هذا النحو مزاجا محافظا بين الناخبين. وهذا  نظرا لمواقفه المحافظة على صعيد قضايا المرأة؟

ـ لا اعتقد.. أنا أظن أن هناك اطمئنان على مكاسب المرأة. لكن ما حدث أن الناخبات والناخبين عاقبوا طبقة سياسية سيطرت على البلاد لعشرات السنين وليس فقط بعد الثورة، وعجزت عن إصلاح منظومة الحكم. ببساطة قالوا لها: "أنتم عجزتم تماما عن القيام بالإصلاحات وإنصاف الشباب. وآن الأوان أن نقرر نحن اليوم". وهذا يفسر كون رئيس الجمهورية الجديد جاء من خارج المنظومة "السيستيم".وبالطبع هناك محافظون يساندهم قطاع من الشباب. وهناك من بينهم رجعيون يتصورون أن نجاح قيس سعيد سيؤدي مثلا الى تغيير يوم العطلة الأسبوعية (من الأحد الى الجمعة) والنكوص عن حقوق  المرأة. لكني على ثقة بأن هؤلاء لن يكون لهم تأثير. فعندنا دستور (ديسمبر 2014) متقدم يصعب تعديله مهما كانت أوجه النقد الموجهة لبعض نصوصه.

لن يتقدم بمبادرة معاكسة للسبسي

*مع صعود قيس سعيد الى الجولة الثانية والحاسمة لانتخابات الرئاسة صرحت لتلفزيون "فرنسا 24" بأنه "سلفي يطالب بتطبيق الشريعة"، ثم سرعان ما تراجعتِ عن هذا الهجوم.. هل تخشين على الحريات الفردية مع توليه الرئاسة؟

ـ صاحب القرار بشأن قوانين الحريات وتعديلها هو البرلمان. بعض الناس هنا يعتقد بأن رئيس الجمهورية هو صاحب القرار جراء الزخم الذي اطلقته مبادرة الرئيس السبسي بشأن الحريات الفردية. وهؤلاء يظنون أن الرئيس الجديد سيقدم مبادرة أخرى في  الاتجاه المعاكس. لكني مقتنعة بأن هذا لن يحدث. فهو رجل قانون وليس عنده أغلبية في البرلمان. وبالطبع هو يدخل إلى السلطة بشرعية شعبية لا نقاش في هذا، لكنه يفتقد الى الدعم على المستوى الإقليمي والدولي ومن مؤسسات البلاد ليذهب الى ما قد يطلبه بعض مؤيديه. لن يتجرأ على المساس بالحريات الفردية وحقوق النساء. ولنتذكر أن قيس سعيد تعهد بالأصل بالحفاظ والحرص على مكاسب المرأة وبأن يفعلها. واعتقد انه لن يستجيب لتلك الأصوات التي صدرت من بعض القوى المتطرفة والمحافظة.

*مع البرلمان الجديد دخل إسلاميون من خارج حزب حركة النهضة.. والبعض يصفهم بأنهم "متطرفون" و"سلفيون"، ويتوقع أن يزايدوا على مواقف النهضة أو يجروها الى مزايدات على قاعدة الدين والشريعة .. ما رأيك؟

ـ أرى أنه لو حدثت مزايدة بين النهضة والنواب القادمين الجدد من الإسلاميين ستقع حول أهداف الثورة وليس حول الحريات والشريعة. أبدا لن تكون المزايدة بشأن الشريعة. وهذا لأن النهضة مارست الحكم بعد الثورة وتعرف اليوم طبيعة المجتمع التونسي. وهي حتى لو كانت الحزب الأول في البرلمان ( 52 من اجمالي 217 نائبا) لا تمتلك أغلبية مطلقة أو عند الرأي العام وعموم الشعب.هي تعلم أن اغلبية المجتمع التونسي ليست مع النهضة. لكن تظل المشكلة هنا كون ما يسمى بـ "التقدميين الحداثيين" فشلوا بكل مكوناتهم . 

*لماذا؟

ـ أنه مرض النرجسية المزمن مع التعالي والفردانية.

*هل تعتبرين أن هذه الهزيمة في انتخابات خريف 2019 ستتخطى السياسة الى المساس بالمشروع الثقافي المجتمعي الحداثي في تونس؟

ـ لا، لم نصل الى هذا الحد. وأنا أرى أن هذا المشروع لم يفشل في تونس. من فشل هم السياسيون الذين أخفقوا في استيعاب هذا المشروع الذي أطلقه بورقيبة. هم فشلوا في ترجمته الى مشروع سياسي مقنع للعباد. السياسيون لم يحملوا المشروع الثقافي الحداثي.هم أكتفوا بأن يعيشوا على الماضي البورقيبي دون أن يجددوا خطابه ويعمقوه. 

*لاحظت عبر ترددي على تونس وإقامتي بها كيف جرى إعادة إحياء البورقيبية بعد ثورة 2011 لمواجهة صعود النهضة، لكن بدت هذه "البورقيبية الجديدة" أو المستعادة فقيرة المحتوى وتفتقد  إلى أي نقد لتراث بورقيبة وسعي لتطويره.

ـ نعم.. حدث فشل في تجديد الفكر البورقيبي. مع صعود النهضة، جرى تقديم الحبيب بورقيبة إلى الشباب الذي لم يعاصر حكمه وعلى سبيل رد الفعل وبخطاب غامض وغير متجدد. والمسأله هنا هي كيف يجد الشباب نفسه في مصالحة مع الماضي دون استنكاف نقد سلبياته؟، وبدون السعي لبناء مشروع جديد يستوعب انتظاراتهم. 

حتى حزب السبسي لم يكن متحمسا 

*مبادرة الرئيس السبسي في 13 أغسطس 2017 عيد المرأة التونسية (ذكرى مجلة/ قانون الأحوال الشخصية لعام 1956 التي تجرم تعدد الزوجات وتعطي للمرأة ذات حقوق الرجل في الطلاق وغيرها من حقوق غير مسبوقة في العالم العربي) حصادها اليوم لا يتجاوز مجرد الغاء قرار حكومي لايعترف بزواج المسلمة بغير المسلم.. هل تعتقدين بأن الرجل نفسه كان يناور "النهضة " ويحرجها، ولم يكن جادا فيما هو أبعد؟.وهذا الرأي قد يعززه أنه تجاهل في خطابه بحلول 13 أغسطس التالي كل ما طرحه تقرير لجنتكم التي شكلها وكلفها بمرسوم رئاسي  ولم يلتقط إلا المساواة في الميراث ليتقدم بها كمشروع قانون إلى البرلمان؟  

ـ يجب أن تعلم شيئا بخصوص الباجي. وهو أنه يوم تكليفنا في أغسطس 2017 كان واضحا معنا. وقال لنا حرفيا:" اشتغلوا بكل حرية ". وبالفعل هو لم يتدخل ولو لمرة واحدة. لم يعط تعليمات أو توجيهات خلال فترة عمل اللجنة وإلى أن انهت عملها في مايو 2018، وسلمت تقريرها في 8 يونيو. وهو بالفعل التزم بما قال ولم يتدخل. لكنه أيضا قال :"أنا حر آخذ من  التقرير والمقترحات ما أراه صالحا". وهذا ما أبلغنا به أيضا يوم أن كلفنا بالمهمة. وحسب قراءتي لما جرى وللنقاشات أنه كان مصرا على المضي في قضية المساواة في الميراث. أبلغنا:"إذا لم أقم بهذه المبادرة فلن يتقدم بها غيري، وإذا لم اقم بها الآن فلن تحدث". لكنه في الوقت نفسه أراد أن يطرح بقية قضايا الحريات الفردية والمساواة على المجتمع. هو بالفعل رغب في أن يكسر (التابو) المفروض حول كل  القضايا، حتى ولو لم يكن مقتنعا بها كلها. وهذا في حد ذاته اعتبره مكسبا.

* لكن ماذا جرى في البرلمان بشأن مشروع القانون الذي تقدم به للمساواة في الميراث؟.. لم نسمع جديدا بعد ان تقدم بمبادرته التشريعية هذه؟

ـ ماجرى هو تعطيل. وهذا لأن الأحزاب السياسية انخرطت في الاستعداد لحملاتها الانتخابية مع نهاية عام 2018. وجميعها اعتبر أن التوقيت ربما يضر بها انتخابيا. وحتى الحزب الذي اسسه السبسي لم يكن متحمسا. توقف الأمر عند مناقشة مشروع القانون في لجنة الصحة والشئون الاجتماعية خلال جلستين. في الأولى جرى الاستماع الى جهة المبادرة أي رئاسة الجمهورية. وفي الثانية جرى الاستماع الى وزارة العدل، وعبرت الحكومة عن مساندتها بكل وضوح للمبادرة. لكن لم يعبر النواب عن مواقفهم بالوضوح نفسه. وكنت بمثابة العضو الوحيد بالبرلمان الذي يلح على طرح الموضوع وبشكل بدا مزعجا ويضايق الآخرين. وخلال الأشهر القليلة السابقة على انتهاء ولاية هذا البرلمان (14ـ2019) أنا نفسى اصبحت ضد التصويت على مشروع القانون في اللجنة خوفا من أن تأتي  النتيجة سلبية فيجرى دفنه للأبد. وهو الآن مازال أمام اللجنة نفسها، والبرلمان الجديد مطالب بالنظر فيه . 

* ألا تعتقدين بأن المناخ السياسي لم يعد مواتيا؟

ـ انتظر من الأحزاب التي خاضت الحملة الانتخابية على أساس تخوفها من التراجع عن "النمط المجتمي والثقافي المدني" بتونس أن تتحمل مسئوليتها، وتطالب برئاسة هذه اللجنة وبأن تصوت على مشروع القانون. حينها فقط يمكن أن نصدقها فيما قالته وتقوله .

* مرة أخرى، هل كان الرئيس السبسي جادا بالفعل أم يناور حزب حركة النهضة سياسيا ويحاول استعادة أصوات الناخبات في الانتخابات المقبلة؟

ـ كان على قناعة بهذا الاختيار وبأنه سيترك أثرا في التاريخ ولأجيال. وبالفعل هو خلف أثرا بطرح هذا المشروع. لكن التوازنات السياسية ومحدودية صلاحيات رئيس الدولة في الدستور لم تمكنه، وكذا ضعف حزبه "نداء تونس " .

* في المحصلة العامة كيف تقيمين اليوم الجدل الذي صحب تقرير الحريات الفردية والمساواة.. حينها بدا لي وكأنه يفتقد الى العمق والجدية المطلوبين؟

ـ كان ينقصنا أن نفتح الحوارات التلفزيونية والإذاعية أمام عدة اختصاصات ومتخصصين، وليس فقط أمام أعضاء اللجنة وممثلي المجتمع المدني المتحمس له. كنا حقا بحاجة للاستماع الى الفنانين وعلماء الاجتماع والنفس والمؤرخين ورجال الدين المعروفين بأبحاثهم والمثقفين بصفة عامة. أنا أعتبر أن الإعلام في أغلبه كان داعما للجنة وتقريرها، لكنه لم يوسع من دائرة النقاش ولم يشرك النخبة بكل مكوناتها. 

الأزهر اعطى نفسه سلطة ليست من حقه

*هل تعتقدين بأن هذا التقرير التونسي له تأثيراته خارج تونس؟.. وكيف؟

ـ نعم احدث أثرا. فعلى مستوى المغرب الكبير حدث  نقاش متقدم في المملكة المغربية وكذا الجزائر. وفي المشرق شئ مماثل جرى ويجرى في الأردن. هناك تأثيرات لكنها متفاوته من مكان لآخر. واعتقد بأن المغرب الكبير تفاعل معنا أكثر لأسباب تاريخية أكثر من المشرق. 

* كيف تقيمين ردود الفعل بين المؤسسات الدينية بالمنطقة على مبادرة المساواة في الميراث وتقريركم.. وعلى وجه خاص الموقف السلبي من الأزهر في مصر؟

ـ الأزهر دائما موقفه سلبي في هذه الأمور. وبالنسبة لنا هنا في تونس، فإن الأزهر اعطى لنفسه سلطة ليست له ولا من حقه. وعموما في المنطقة العربية ظهر رجال دين لعبوا أدوارا سلبية عبر القنوات التلفزيونية، وبثوا ثقافة الكراهية والحقد والتكفير وبمستوى متدن. وللأسف هم اعطوا صورة سيئة عن الإسلام. وهذا بعكس ماهو معروف عن العديد من العلماء تاريخيا وحتى اليوم. 

* وإجمالا كيف ترين تداعيات تقرير الحريات الفردية والمساواة في عمومه على العالم  العربي وبوصفه عملا غير مسبوق في مجتمعاته؟

ـ التقرير اعطى فرصة لأن يناقش جزء من العالم العربي هذه القضايا المحرمة (التابو). اعطى شحنة ما للمجتمعات العريبة. وهذا يشجعنا على الحفاظ على ديمقراطيتنا هنا في تونس وحمايتها ورعايتها. 

* ومع هذا ففي داخل تونس من يقول بأن هذه المبادرة إرتدت بشكل سلبي عند جمهور ناخبي 2019 فألحقت الضرر بالقوى السياسية المحسوبة على الحداثة..

ـ لا .. غير صحيح، مبادرة السبسي للمساواة في الميراث والتقرير منحا فرصة لكل المواقف في المجتمع التونسي أن تعبر عن نفسها. وهذه المواقف الرافضة أو المتحفظة موجودة ونكرانها تقوية لها. ومعارضو الحريات الفردية هاجموا التقرير من غير درايه بمضمونه ومحتواه. هناك العديد من الفصول تهمهم بشأن علاقتهم بالأمن والدولة والقضاء. ولو علموا بها لرحبوا بالتقرير، ولما حدث رفض بشكل مطلق. وحقيقة لا أرى أن التقرير كان سببا في أي تداعيات سياسية على أحزاب. 

صورة جديدة للسياسة والسياسيين

*هناك الآن استخلاص مفاده بأن أي محاولة من أجل الحداثة محمولة على جناحي الاستبداد والفساد أو دون التخلص والتبرؤ منهما مآلها الفشل؟.. ربما كانت هذه هي حكمة التاريخ بشأن فرض الحداثة سلطويا من أعلى.. ويبدو وكأن هذه هي معضلة الحداثيين البورقيبيين هنا أيضا ومأزقهم عندما يعجزون بعد كل هذه السنوات عن إعادة تقييم بورقيبة نقديا.. هل تعتقدين بأنهم اليوم أدركوا أبعاد هذا المأزق؟

ـ لا أعرف إذا ماكانوا ادركوا أم لا. لكن اتفق مع ماطرحت. وهذا ما قصدته عندما تحدثت عن الإخفاق في تجديد البورقيبية ومعضلات إدماج الشباب والنساء كأصحاب قرار وبشأن مكافحة الفساد. لكني أرى أن هناك صورة جديدة للساسة والسياسيين في تونس اليوم. وهذا ايجابي. أنظر مثلا فبين شباب حملة قيس سعيد من تبنوا مبادرات ضد التحرش الجنسي والعنف ضد النساء كشروط  لازمة للحداثة.

* ألم يعد بالإمكان فرض تغييرات الحداثة على المجتمعات من أعلى سلطويا؟

ـ بالأصل بورقيبة لجأ الى البيداغوجيا (مناهج التربية والتعليم). كان يجوب البلاد ويخطب ويلعب دوره في خلق  الوعي بالحداثة. لكن الوضع تغير في آخر عهده ومع سنوات بن على. تدهور مستوى التعليم و المدرسة وساد تلقين المعلومات .
-----------------------------
حاورها في تونس: كارم يحيى 






اعلان